السيرة النبوية لابن هشام
صفحة 4 من اصل 5
صفحة 4 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
رد: السيرة النبوية لابن هشام
ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة
شعر ضرار بن الخطاب
قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق :
ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا
وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا
كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا
أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا
نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا
بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا
كعب بن مالك يرد على ضرار
فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :
وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا
لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا
فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا
شعر عبدالله بن الزبعرى في غزوة الخندق
وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق :
حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب
فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب
قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب
فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب
يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب
فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب
من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب
جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب
قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب
شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب
نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب
رد حسَّان بن ثابت عليه
فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال :
هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب
فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب
و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب
فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب
عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب
كعب بن مالك يرد على ابن الزبعرى
وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال :
أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب
بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب
ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب
عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب
قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب
وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب
عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب
و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب
يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب
وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب
جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب
يأوي إلى ظِل اللواء كأنه * في صعدة الخطِّي فيء عقاب
أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب
قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال : لما قال كعب بن مالك :
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق
فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق
درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق
في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق
ونُعِد للأعداء كل مقلَّص * ورد ومحجول القوائم أبلق
تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق
صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق
ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق
ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق
من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق
فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي
قال ابن هشام : أنشدني بيته :
تلكم مع التقوى تكون لباسنا
وبيته :
من يتبع قول النبي *
أبو زيد . وأنشدني :
تنفي الجموع كرأس قدس المشرق
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا * علينا وراموا ديننا ما نوادع
أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع
يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع
إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع
وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع
هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد
نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد
ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد
أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد
نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد
وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد
وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي
خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد
ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد
وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي
أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد
أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي
يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد
لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد
قال ابن هشام بيته :
قصرنا كل ذي حُضْر وطَول *
والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته :
أشم كأنه أسد عبوس *
والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري .
ما بكى به مسافع عمرو بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه :
عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل
و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل
حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي
ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل
تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل
فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله * فخرا ولا لاقيت مثل المعضل
نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل
أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل
ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود
وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه :
عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل
أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول
عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل
لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل
وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا
وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . وقوله : ( عمرا ينزل ) عن غير ابن إسحاق .
ما قاله هبيرة في فراره ورثائه عمر بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه :
لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي
فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي
ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل
فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل
فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل
فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل
ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً
وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه :
لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب
لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب
عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب
فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب
حسَّان يفتخر بقتل عمرو
وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود :
بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل
ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول
ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود :
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر
ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي
أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي
و منكم شاهد ولقد رآني * رفعت له كما احتمل الصبي
قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها :
كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي
وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي .
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم:
لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد
فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ وغيره
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير :
ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع
صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع
وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع
دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع
فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع
لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع
فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع
ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع
ما قاله حسَّان في يوم بني قريظة
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير
أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير
غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير
له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور
تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير
فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور
فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري
وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة
لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل
وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل
فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول
أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير
أبو سفيان يرد على حسَّان
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير
ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير
فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا
جبل بن جوال يرد على حسان
وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال :
ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور
فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا
وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور
وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور
وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور
فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور
وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور
وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور
أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور
تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور
شعر ضرار بن الخطاب
قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق :
ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا
وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا
كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا
أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا
نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا
بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا
كعب بن مالك يرد على ضرار
فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :
وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا
لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا
فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا
شعر عبدالله بن الزبعرى في غزوة الخندق
وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق :
حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب
فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب
قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب
فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب
يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب
فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب
من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب
جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب
قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب
شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب
نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب
رد حسَّان بن ثابت عليه
فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال :
هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب
فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب
و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب
فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب
عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب
كعب بن مالك يرد على ابن الزبعرى
وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال :
أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب
بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب
ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب
عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب
قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب
وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب
عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب
و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب
يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب
وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب
جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب
يأوي إلى ظِل اللواء كأنه * في صعدة الخطِّي فيء عقاب
أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب
قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال : لما قال كعب بن مالك :
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق
فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق
درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق
في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق
ونُعِد للأعداء كل مقلَّص * ورد ومحجول القوائم أبلق
تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق
صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق
ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق
ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق
من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق
فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي
قال ابن هشام : أنشدني بيته :
تلكم مع التقوى تكون لباسنا
وبيته :
من يتبع قول النبي *
أبو زيد . وأنشدني :
تنفي الجموع كرأس قدس المشرق
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا * علينا وراموا ديننا ما نوادع
أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع
يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع
إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع
وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع
هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد
نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد
ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد
أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم * من القول المبين والسداد
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد
نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد
وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد
وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي
خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد
ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد
وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي
أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد
أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي
يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد
لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد
قال ابن هشام بيته :
قصرنا كل ذي حُضْر وطَول *
والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته :
أشم كأنه أسد عبوس *
والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري .
ما بكى به مسافع عمرو بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه :
عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل
و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل
حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي
ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل
تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل
فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله * فخرا ولا لاقيت مثل المعضل
نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل
أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل
ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود
وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه :
عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل
أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول
عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل
لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل
وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا
وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . وقوله : ( عمرا ينزل ) عن غير ابن إسحاق .
ما قاله هبيرة في فراره ورثائه عمر بن عبد ود
قال ابن إسحاق : وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه :
لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي
فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي
ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل
فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل
فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل
فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل
ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً
وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه :
لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب
لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب
عشية يدعوه علي وإنه * لفارسها إذ خام عنه الكتائب
فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب
حسَّان يفتخر بقتل عمرو
وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود :
بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل
ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول
ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود :
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر
ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي
أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي
و منكم شاهد ولقد رآني * رفعت له كما احتمل الصبي
قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها :
كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي
وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي .
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم:
لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد
فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد
ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ وغيره
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير :
ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع
صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع
وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع
دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع
فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع
لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع
فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع
ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع
ما قاله حسَّان في يوم بني قريظة
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير
أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير
غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير
له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور
تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير
فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور
فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري
وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة
لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل
وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل
فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول
أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير
أبو سفيان يرد على حسَّان
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير
ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير
فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا
جبل بن جوال يرد على حسان
وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال :
ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور
فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا
وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور
وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور
وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور
فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور
وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور
وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور
أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور
تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
مقتل سلام بن أبي الحقيق
استئذان الخزرج الرسول في قتل ابن أبي الحقيق
قال ابن إسحاق : ولما انقضى شأن الخندق ، وأمر بني قريظة ، وكان سلام بن أبي الحقيق ، وهو أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف ، في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه ، استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ، فأذن لهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، قال : وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار ، والأوس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَناء إلا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام . قال : فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها ؛ وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك .
ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج : والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا ؛ قال : فتذاكروا : مَن رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ؛ فاستأذنوا رسول الله صلى الله في قتله ، فأذن لهم .
من خرج لقتل ابن أبي الحقيق
فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبدالله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبدالله بن أنيس ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم .
فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عَتيك ، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر ، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله .
قال : وكان في عِلِّية له إليها عجلة ، قال : فأسندوا فيها ، حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة . قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه ؛ قال : فلما دخلنا عليه ، أغلقنا علينا وعليها الحجرة ، تخوفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه ، قالت : فصاحت امرأته ، فنوهت بنا وابتدرناه ، وهو على فراشه بأسيافنا ، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة .
قال : ولما صاحت بنا امرأته ، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ، ثم ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل .
قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول : قَطْني قطني : أي حسبي حسبي . قال : وخرجنا ، وكان عبدالله بن عتيك رجلا سيئ البصر ، قال : فوقع من الدرجة فوثِئت يده وثئا شديدا - ويقال : رجله ، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم ، فندخل فيه .
قال : فأوقدوا النيران ، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا ، قال : حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، فاكتنفوه وهو يقضي بينهم .
قال : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا : أنا أذهب فأنظر لكم ، فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه ، وتحدثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ، ثم أكذبت نفسي وقلت : أنّى ابن عتيك بهذه البلاد ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت : فاظ وإله يهود ؛ فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها .
قال : ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله ، واختلفنا عنده في قتله ، كلنا يدعيه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ؛ قال : فجئناه بها ، فنظر إليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطعام .
شعر حسَّان في قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق
قال ابن إسحاق : فقال حسَّان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف ، وقتل سلاّم بن أبي الحقيق :
لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبِيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكمُ حتفا ببيض ذُفَّفِ
مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف
قال ابن هشام : قوله : ( ذُفَّف ) عن غير ابن إسحاق .
إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد
ذهاب عمرو ومن معه إلى النجاشي
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي ، عن حبيب بن أبي أوس الثقفي ، قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه قال لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش ، كانوا يرون رأيي ويسمعون مني ، فقلت لهم : تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا ، وإني قد رأيت أمرا ، فما ترون فيه ؟ قالوا : وماذا رأيت ؟ قال : رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا ، فلن يأتينا منهم إلا خير ، قالوا : إن هذا الرأي ، قلت : فاجمعوا لنا ما نهديه له ، وكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدم . فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه .
طلب عمرو بن العاص من النجاشي قتل عمرو بن أمية الضمري
فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه . قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده . قال : فقلت لأصحابي : هذا عمرو ابن أمية الضمري ، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد .
قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، أيها الملك ، قد أهديت إليك أدما كثيرا ؛ قال : ثم قربته إليه ، فأعجبه واشتهاه ، ثم قلت له : أيها الملك ، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطينه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا ؛ قال : فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ؛ ثم قلت له : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه ؛ قال : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ! قال : قلت : أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنَّ على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده ؛ قال : قلت : أفتُبايعني له على الإسلام ؟ قال نعم ، فبسط يده ، فبايعته على الإسلام ، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي .
عمرو وخالد يجتمعان على الإسلام
ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم ، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ؛ فقلت : أين يا أبا سليمان ؟ قال : والله لقد استقام المنسِم ، وإن الرجل لنبي ، أذهب والله فأسلم ، فحتى متى ؟ قال : قلت : والله ما جئت إلا لأسلم .
قال : فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبايعك على أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو ، بايع ، فإن الإسلام يجَبُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها ؛ قال فبايعته ، ثم انصرفت .
قال ابن هشام : ويقال : فإن الإسلام يحتُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تحتُّ ما كان قبلها .
إسلام عثمان بن طلحة
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم : أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، كان معهما ، حين أسلما .
ما قاله ابن الزبعرى السهمي في إسلام عثمان بن طلحة وخالد
قال ابن إسحاق : فقال ابن الزِّبَعْرَى السهمي :
أنشد عثمان بن طلحة حلفنا * ومُلقَى نعال القوم عند المُقبَّلِ
وما عقد الآباء من كل حلفه * وما خالد من مثلها بمحلَّلِ
أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي * وما يُبتغى من مجد بيت مؤثَّلِ
فلا تأمننَّ خالدا بعد هذه * وعثمان جاء بالدُّهيم المُعضَّلِ
وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون .
غزوة بني لحيان
خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم
قال ابن إسحاق : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثني زيد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غِرَّة .
استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم إليهم ثم رجوعه عنهم
قال ابن إسحاق : فسلك على غُراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفَّق ذات اليسار ، فخرج على بِيْن ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذّ السير سريعا ، حتى نزل على غُرّان ، و هي منازل بني لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له : ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال .
فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد ، قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ، فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كُراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا .
دعاء العودة
فكان جابر بن عبدالله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا : آبيون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال .
ما قاله كعب بن مالك في غزوة بني لحيان
والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله ابن أبي بكر عن عبدالله بن كعب بن مالك ؛ فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان :
لو انَّ بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عُصبا في دارهم ذات مَصْدَقِ
لقوا سَرَعانا يملأ السَّرْب روعه * أمام طَحُون كالمجرة فَيْلقِ
ولكنهم كانوا وِبارا تتَّبعت * شعاب حجاز غير ذي مُتنفَّق
غزوة ذي قرد
غارة ابن حصن على لقاح الرسول
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يُقم بها إلا ليالي قلائل ، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل ، واحتملوا المرأة في اللِّقاح .
شجاعة ابن الأكوع في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث : أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي ، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ، ومعه غلام لطلحة بن عبدالله معه فرس له يقوده ، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم ، فاشرف في ناحية سلع ، ثم صرخ : واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، و كان مثل السبع حتى لحق القوم ، فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرُّضَّع ، فإذا وُجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم ، فإذا أمكنه الرمي رمى ، ثم قال : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع ، قال : فيقول قائلهم : أُوَيْكعنا هو أول النهار .
صراخ الرسول صلى الله عليه وسلم
قال : وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صياحُ ابن الأكوع ، فصرخ بالمدينة الفزع الفزع ، فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تسابق الفرسان إليه
وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان : المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له : المقداد بن الأسود ، حليف بني زهرة ؛ ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبدالأشهل ؛ وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبدالأشهل ؛ وأسيد بن ظُهير ، أخو بني حارثة بن الحارث ، يشك فيه وعُكَّاشة بن محصن ، أخو بني أسد بني خزيمة ؛ ومحُرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة ؛ وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ؛ وأبو عياش ، وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق .
فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد ، فيما بلغني ، ثم قال : اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس .
الرسول و نصيحته لأبي عياش بترك فرسه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش : يا أبا عياش ، لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ؟ قال أبو عياش : فقلت : يا رسول الله ، أنا أفرس الناس ، ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول : أنا أفرس الناس .
فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ، وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ، ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة ، والله أعلم أي ذلك كان . ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه . فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا .
سبق محرز بن نضلة إلى القوم ومقتله
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة : أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز : الأخرم ؛ ويقال له : قُمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل ، وكان فرسا صنيعا جامّا ، فقال نساء من نساء بني عبدالأشهل ، حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه : يا قمير ، هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ؟ قال : نعم ، فأعطيناه إياه .
فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجمامه ، حتى أدرك القوم ، فوقف لهم بين أيديهم ، ثم قال : قفوا يا معشر بني اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار . قال : وحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آرِيِّه من بني عبدالأشهل ، فلم يُقتل من المسلمين غيره .
مقتل وقاص بن مجزز
قال ابن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز ، وقَّاص بن مجُزّز المُدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم .
أسماء أفراس المسلمين
قال ابن إسحاق : وكان اسم فرس محمود : ذا اللمَّة .
قال ابن هشام : وكان اسم فرس سعد بن زيد : لاحق ؛ واسم فرس المقداد : بَعْزَجة ويقال ؛ سبحة ، واسم فرس عُكاشة بن محصن : ذو اللَّمة ؛ واسم فرس أبي قتادة حَزْوة ؛ وفرس عباد بن بشر : لَمَّاع ، وفرس أسيد بن ظهير : مسنون ؛ وفرس أبي عياش : جُلوة .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك : أن مجُزّزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن ، يقال له : الجناح ، فقُتل مجزز واستُلبت الجناح .
القتلى من المشركين
ولما تلاحقت الخيل قَتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشَّاه برده ، ثم لحق بالناس .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين .
استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : فإذا حبيب مسجَّى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع الناس وقالوا : قتل أبو قتادة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده ، لتعرفوا أنه صاحبه .
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح ، فقتلهما جميعا ، واستنفذوا بعض اللقاح ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وتلاحق به الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة ؛ وقال له سلمة بن عمرو بن الأكوع : يا رسول الله ، لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح ، وأخذت بأعناق القوم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : إنهم الآن ليُغْبَقُون في غطفان .
تقسيم الفيء بين المسلمين
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة .
لا نذر في معصية
وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت ، قالت : يا رسول الله ، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله .
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت ، وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي الزبير المكي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري :
ما قاله حسَّان في غزوة ذي قرد
وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسَّان بن ثابت :
لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمسِ في التَّقْوادِ
لَلَقِينكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الأجداد
ولَسرَّ أولاد اللقيطة أننا * سِلْم غداة فوارس المقداد
كنا ثمانية وكانوا جحفلا * لجبا فشُكُّوا بالرماح بَداد
كنا من القوم الذين يلونهم * ويُقدّمون عنان كل جواد
كلا ورب الراقصات إلى منى * يقطعن عرض مخارم الأطواد
حتى نُبيل الخيل في عرصاتكم * ونؤوب بالملكات والأولاد
رَهْوا بكل مقلَّص وطمرَّة * في كل معترك عطفن و وادي
أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تُقاد به ويوم طراد
فكذاك إن جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جُنَنَ الحديد وهامة المرتاد
أخذ الإله عليهمُ لحرامه * ولعزة الرحمن بالأسداد
كانوا بدار ناعمين فبُدّلوا * أيام ذي قرد وجوه عباد
غضب سعد على حسان و محاولة حسان استرضاءه
قال ابن هشام : فلما قالها حسَّان غضب عليه سعد بن زيد ، وحلف أن لا يكلمه أبدا قال : انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد ! فاعتذر إليه حسَّان وقال : والله ما ذاك أردت ، ولكن الروي وافق اسم المقداد ؛ وقال أبياتا يُرضي بها سعدا :
إذا أردتم الأشد الجَلْدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا
سعد بن زيد لا يُهدّ هَدّا *
فلم يقبل منه سعد ولم يُغْن شيئا .
شعر آخر لحسان في يوم ذي قرد
وقال حسَّان بن ثابت في يوم ذي قرد :
أظنَّ عيينة إذ زارها * بأن سوف يهدم فيها قصورا
فأُكذبتَ ما كنت صدَّقته * وقلتم سنغنم أمرا كبيرا
فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للأسد فيها زئيرا
فولوا سراعا كشد النعام * ولم يكشفوا عن ملطٍّ حصيرا
أمير علينا رسول المليك * أحبب بذاك إلينا أميرا
رسول نصدق ما جاءه * ويتلو كتابا مضيئا منيرا
ما قاله كعب في يوم ذي قرد
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس :
أتحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا * ونضرب رأس الأبلخ المتشاوس
نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا * بضرب يسلِّي نخوة المتقاعس
بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان الغضاة مخالس
يذودون عن أحسابهم وتلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس
فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الإخوان يوم التمارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس
وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وَحَر في الصدر ما لم يمارس
قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وإنا لنقري الضيف ) أبو زيد .
شعر شداد الجشمي لعيينة
قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي ، في يوم ذي قرد : لعيينة بن حصن ، وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك :
فهلا كررت أبا مالك * وخيلك مدبرة تقتل
ذكرت الإياب إلى عسجر * وهيهات قد بعد المقفل
وطمنت نفسك ذا ميعة * مِسحّ الفضاء إذا يرسل
إذا قبَّضتْه إليك الشما * ل جاش كما اضطرم المرجل
فلما عرفتم عباد الإلـ*ـه لم ينظر الآخر الأول
عرفتم فوارس قد عودوا * طراد الكماة إذا أسهلوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم * فضاحا وإن يُطردوا ينزلوا
فيعتصموا في سواء المُقا * مِ بالبيض أخلصها الصيقل
استئذان الخزرج الرسول في قتل ابن أبي الحقيق
قال ابن إسحاق : ولما انقضى شأن الخندق ، وأمر بني قريظة ، وكان سلام بن أبي الحقيق ، وهو أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف ، في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه ، استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ، فأذن لهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، قال : وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار ، والأوس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَناء إلا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام . قال : فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها ؛ وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك .
ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج : والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا ؛ قال : فتذاكروا : مَن رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ؛ فاستأذنوا رسول الله صلى الله في قتله ، فأذن لهم .
من خرج لقتل ابن أبي الحقيق
فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبدالله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبدالله بن أنيس ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم .
فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عَتيك ، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر ، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله .
قال : وكان في عِلِّية له إليها عجلة ، قال : فأسندوا فيها ، حتى قاموا على بابه فاستأذنوا عليه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة . قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه ؛ قال : فلما دخلنا عليه ، أغلقنا علينا وعليها الحجرة ، تخوفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه ، قالت : فصاحت امرأته ، فنوهت بنا وابتدرناه ، وهو على فراشه بأسيافنا ، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة .
قال : ولما صاحت بنا امرأته ، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ، ثم ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل .
قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول : قَطْني قطني : أي حسبي حسبي . قال : وخرجنا ، وكان عبدالله بن عتيك رجلا سيئ البصر ، قال : فوقع من الدرجة فوثِئت يده وثئا شديدا - ويقال : رجله ، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم ، فندخل فيه .
قال : فأوقدوا النيران ، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا ، قال : حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، فاكتنفوه وهو يقضي بينهم .
قال : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا : أنا أذهب فأنظر لكم ، فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه ، وتحدثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ، ثم أكذبت نفسي وقلت : أنّى ابن عتيك بهذه البلاد ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت : فاظ وإله يهود ؛ فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها .
قال : ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله ، واختلفنا عنده في قتله ، كلنا يدعيه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ؛ قال : فجئناه بها ، فنظر إليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطعام .
شعر حسَّان في قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق
قال ابن إسحاق : فقال حسَّان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف ، وقتل سلاّم بن أبي الحقيق :
لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبِيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكمُ حتفا ببيض ذُفَّفِ
مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف
قال ابن هشام : قوله : ( ذُفَّف ) عن غير ابن إسحاق .
إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد
ذهاب عمرو ومن معه إلى النجاشي
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي ، عن حبيب بن أبي أوس الثقفي ، قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه قال لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش ، كانوا يرون رأيي ويسمعون مني ، فقلت لهم : تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا ، وإني قد رأيت أمرا ، فما ترون فيه ؟ قالوا : وماذا رأيت ؟ قال : رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا ، فلن يأتينا منهم إلا خير ، قالوا : إن هذا الرأي ، قلت : فاجمعوا لنا ما نهديه له ، وكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدم . فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه .
طلب عمرو بن العاص من النجاشي قتل عمرو بن أمية الضمري
فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه . قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده . قال : فقلت لأصحابي : هذا عمرو ابن أمية الضمري ، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد .
قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، أيها الملك ، قد أهديت إليك أدما كثيرا ؛ قال : ثم قربته إليه ، فأعجبه واشتهاه ، ثم قلت له : أيها الملك ، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطينه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا ؛ قال : فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ؛ ثم قلت له : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه ؛ قال : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ! قال : قلت : أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنَّ على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده ؛ قال : قلت : أفتُبايعني له على الإسلام ؟ قال نعم ، فبسط يده ، فبايعته على الإسلام ، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي .
عمرو وخالد يجتمعان على الإسلام
ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم ، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ؛ فقلت : أين يا أبا سليمان ؟ قال : والله لقد استقام المنسِم ، وإن الرجل لنبي ، أذهب والله فأسلم ، فحتى متى ؟ قال : قلت : والله ما جئت إلا لأسلم .
قال : فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبايعك على أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو ، بايع ، فإن الإسلام يجَبُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها ؛ قال فبايعته ، ثم انصرفت .
قال ابن هشام : ويقال : فإن الإسلام يحتُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تحتُّ ما كان قبلها .
إسلام عثمان بن طلحة
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم : أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، كان معهما ، حين أسلما .
ما قاله ابن الزبعرى السهمي في إسلام عثمان بن طلحة وخالد
قال ابن إسحاق : فقال ابن الزِّبَعْرَى السهمي :
أنشد عثمان بن طلحة حلفنا * ومُلقَى نعال القوم عند المُقبَّلِ
وما عقد الآباء من كل حلفه * وما خالد من مثلها بمحلَّلِ
أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي * وما يُبتغى من مجد بيت مؤثَّلِ
فلا تأمننَّ خالدا بعد هذه * وعثمان جاء بالدُّهيم المُعضَّلِ
وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون .
غزوة بني لحيان
خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم
قال ابن إسحاق : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثني زيد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غِرَّة .
استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم إليهم ثم رجوعه عنهم
قال ابن إسحاق : فسلك على غُراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفَّق ذات اليسار ، فخرج على بِيْن ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذّ السير سريعا ، حتى نزل على غُرّان ، و هي منازل بني لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له : ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال .
فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد ، قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ، فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كُراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا .
دعاء العودة
فكان جابر بن عبدالله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا : آبيون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال .
ما قاله كعب بن مالك في غزوة بني لحيان
والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله ابن أبي بكر عن عبدالله بن كعب بن مالك ؛ فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان :
لو انَّ بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عُصبا في دارهم ذات مَصْدَقِ
لقوا سَرَعانا يملأ السَّرْب روعه * أمام طَحُون كالمجرة فَيْلقِ
ولكنهم كانوا وِبارا تتَّبعت * شعاب حجاز غير ذي مُتنفَّق
غزوة ذي قرد
غارة ابن حصن على لقاح الرسول
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يُقم بها إلا ليالي قلائل ، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الرجل ، واحتملوا المرأة في اللِّقاح .
شجاعة ابن الأكوع في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث : أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي ، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ، ومعه غلام لطلحة بن عبدالله معه فرس له يقوده ، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم ، فاشرف في ناحية سلع ، ثم صرخ : واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، و كان مثل السبع حتى لحق القوم ، فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرُّضَّع ، فإذا وُجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم ، فإذا أمكنه الرمي رمى ، ثم قال : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع ، قال : فيقول قائلهم : أُوَيْكعنا هو أول النهار .
صراخ الرسول صلى الله عليه وسلم
قال : وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صياحُ ابن الأكوع ، فصرخ بالمدينة الفزع الفزع ، فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تسابق الفرسان إليه
وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان : المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له : المقداد بن الأسود ، حليف بني زهرة ؛ ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبدالأشهل ؛ وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبدالأشهل ؛ وأسيد بن ظُهير ، أخو بني حارثة بن الحارث ، يشك فيه وعُكَّاشة بن محصن ، أخو بني أسد بني خزيمة ؛ ومحُرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة ؛ وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ؛ وأبو عياش ، وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق .
فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد ، فيما بلغني ، ثم قال : اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس .
الرسول و نصيحته لأبي عياش بترك فرسه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش : يا أبا عياش ، لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ؟ قال أبو عياش : فقلت : يا رسول الله ، أنا أفرس الناس ، ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول : أنا أفرس الناس .
فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ، وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ، ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة ، والله أعلم أي ذلك كان . ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه . فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا .
سبق محرز بن نضلة إلى القوم ومقتله
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة : أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز : الأخرم ؛ ويقال له : قُمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل ، وكان فرسا صنيعا جامّا ، فقال نساء من نساء بني عبدالأشهل ، حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه : يا قمير ، هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ؟ قال : نعم ، فأعطيناه إياه .
فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجمامه ، حتى أدرك القوم ، فوقف لهم بين أيديهم ، ثم قال : قفوا يا معشر بني اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار . قال : وحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آرِيِّه من بني عبدالأشهل ، فلم يُقتل من المسلمين غيره .
مقتل وقاص بن مجزز
قال ابن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز ، وقَّاص بن مجُزّز المُدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم .
أسماء أفراس المسلمين
قال ابن إسحاق : وكان اسم فرس محمود : ذا اللمَّة .
قال ابن هشام : وكان اسم فرس سعد بن زيد : لاحق ؛ واسم فرس المقداد : بَعْزَجة ويقال ؛ سبحة ، واسم فرس عُكاشة بن محصن : ذو اللَّمة ؛ واسم فرس أبي قتادة حَزْوة ؛ وفرس عباد بن بشر : لَمَّاع ، وفرس أسيد بن ظهير : مسنون ؛ وفرس أبي عياش : جُلوة .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك : أن مجُزّزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن ، يقال له : الجناح ، فقُتل مجزز واستُلبت الجناح .
القتلى من المشركين
ولما تلاحقت الخيل قَتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشَّاه برده ، ثم لحق بالناس .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين .
استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : فإذا حبيب مسجَّى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع الناس وقالوا : قتل أبو قتادة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده ، لتعرفوا أنه صاحبه .
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح ، فقتلهما جميعا ، واستنفذوا بعض اللقاح ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وتلاحق به الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة ؛ وقال له سلمة بن عمرو بن الأكوع : يا رسول الله ، لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح ، وأخذت بأعناق القوم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : إنهم الآن ليُغْبَقُون في غطفان .
تقسيم الفيء بين المسلمين
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة .
لا نذر في معصية
وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت ، قالت : يا رسول الله ، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله .
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت ، وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي الزبير المكي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري :
ما قاله حسَّان في غزوة ذي قرد
وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسَّان بن ثابت :
لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمسِ في التَّقْوادِ
لَلَقِينكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الأجداد
ولَسرَّ أولاد اللقيطة أننا * سِلْم غداة فوارس المقداد
كنا ثمانية وكانوا جحفلا * لجبا فشُكُّوا بالرماح بَداد
كنا من القوم الذين يلونهم * ويُقدّمون عنان كل جواد
كلا ورب الراقصات إلى منى * يقطعن عرض مخارم الأطواد
حتى نُبيل الخيل في عرصاتكم * ونؤوب بالملكات والأولاد
رَهْوا بكل مقلَّص وطمرَّة * في كل معترك عطفن و وادي
أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تُقاد به ويوم طراد
فكذاك إن جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جُنَنَ الحديد وهامة المرتاد
أخذ الإله عليهمُ لحرامه * ولعزة الرحمن بالأسداد
كانوا بدار ناعمين فبُدّلوا * أيام ذي قرد وجوه عباد
غضب سعد على حسان و محاولة حسان استرضاءه
قال ابن هشام : فلما قالها حسَّان غضب عليه سعد بن زيد ، وحلف أن لا يكلمه أبدا قال : انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد ! فاعتذر إليه حسَّان وقال : والله ما ذاك أردت ، ولكن الروي وافق اسم المقداد ؛ وقال أبياتا يُرضي بها سعدا :
إذا أردتم الأشد الجَلْدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا
سعد بن زيد لا يُهدّ هَدّا *
فلم يقبل منه سعد ولم يُغْن شيئا .
شعر آخر لحسان في يوم ذي قرد
وقال حسَّان بن ثابت في يوم ذي قرد :
أظنَّ عيينة إذ زارها * بأن سوف يهدم فيها قصورا
فأُكذبتَ ما كنت صدَّقته * وقلتم سنغنم أمرا كبيرا
فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للأسد فيها زئيرا
فولوا سراعا كشد النعام * ولم يكشفوا عن ملطٍّ حصيرا
أمير علينا رسول المليك * أحبب بذاك إلينا أميرا
رسول نصدق ما جاءه * ويتلو كتابا مضيئا منيرا
ما قاله كعب في يوم ذي قرد
وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس :
أتحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا * ونضرب رأس الأبلخ المتشاوس
نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا * بضرب يسلِّي نخوة المتقاعس
بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان الغضاة مخالس
يذودون عن أحسابهم وتلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس
فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الإخوان يوم التمارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس
وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وَحَر في الصدر ما لم يمارس
قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وإنا لنقري الضيف ) أبو زيد .
شعر شداد الجشمي لعيينة
قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي ، في يوم ذي قرد : لعيينة بن حصن ، وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك :
فهلا كررت أبا مالك * وخيلك مدبرة تقتل
ذكرت الإياب إلى عسجر * وهيهات قد بعد المقفل
وطمنت نفسك ذا ميعة * مِسحّ الفضاء إذا يرسل
إذا قبَّضتْه إليك الشما * ل جاش كما اضطرم المرجل
فلما عرفتم عباد الإلـ*ـه لم ينظر الآخر الأول
عرفتم فوارس قد عودوا * طراد الكماة إذا أسهلوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم * فضاحا وإن يُطردوا ينزلوا
فيعتصموا في سواء المُقا * مِ بالبيض أخلصها الصيقل
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست
وقتها
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ست .
استعمال أبي ذر على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ؛ ويقال : نميلة ابن عبدالله الليثي .
سبب غزو الرسول لهم
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم ، حتى لقيهم على ماء لهم ، يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونفَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم عليه .
استشهاد ابن صبابة خطأ
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال له : هشام بن صبابة ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدو ، فقتله خطأ .
ما وقع من الفتنة بين المهاجرين والأنصار
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء ، وردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له : جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني ، حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين فغضب عبدالله بن أبي بن سلول ، وعنده رهط من قومه فيهم : زيد بن أرقم ، غلام حدث ، فقال : أوقد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمستكم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم ، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال : مُرْ به عباد بن بشر فليقتله ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ! لا ولكن أذن بالرحيل ، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس .
نفاق ابن أبي
وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلَّغه ما سمع منه ، فحلف بالله : ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به وكان في قومه شريفا عظيما - ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله ، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل ، حدبا على ابن أبي سلول ، ودفعا عنه .
من أسباب نفاق ابن أبي
قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار ، لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا نبي الله ، والله لقد رحت في ساعة منكرة ، ما كنت تروح في مثلها ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : و أي صاحب يا رسول الله ؟ قال : عبدالله بن أبي قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قال : فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت ، وهو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ، ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا .
انشغال الناس عن الفتنة
ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ، من حديث عبدالله بن أبي .
تنبؤ الرسول بموت رفاعة بن زيد
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وسلك الحجاز حتى نزل عل ماء بالجحاز فويق النقيع ؛ يقال له : بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار .
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ، أحد بني قينقاع ، وكان عظيما من عظماء يهود ، وكهفا للمنافقين ، مات في ذلك اليوم .
ما نزل في ابن أبي من القرآن
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره ، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ، ثم قال : هذا الذي أوفى الله بأذنه . وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .
موقف عبدالله الابن من أبيه
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبدالله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يارسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر ، فأدخل النار ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ، ونحسن صحبته ما بقي معنا .
تولي قوم ابن أبي مجازاته
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم : كيف ترى يا عمر ؛ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله ، لأُرعدت له آنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ؛ قال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .
مخادعة مقيس بن صبابة في الأخذ بثأر أخيه و شعره في ذلك
قال ابن إسحاق : وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما ، فيما يُظهر ، فقال : يا رسول الله ، جئتك مسلما ، وجئتك أطلب دية أخي ، قتل خطأ .
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ؛ فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ثم خرج إلى مكة مرتدا ؛ فقال في شعر يقوله :
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا * تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله * تُلمّ فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي * وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضاً :
جلَّلته ضربة باءت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرّته * لا تأمنن بني بكر إذا ظلموا
شعار المسلمين
قال ابن هشام : وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق : يا منصور ، أمِتْ أمت .
قتلى بني المصطلق
قال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس ، وقتل علي ابن أبي طالب منهم رجلين ، مالكا وابنه ، وقتل عبدالرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم ، يقال له أحمر ، أو أحيمر .
حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا ، فشا قسمه في المسلمين ؛ وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ؛ قالت عائشة : فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت ، فدخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ، ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي ؛ قال : فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقضي عنك كتابتك و أتزوجك ؛ قالت : نعم يا رسول الله ؛ قال : قد فعلت .
قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرسلوا ما بأيديهم ؛ قالت : فلقد أُعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها .
قال ابن هشام : ويقال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث ، وكان بذات الجيش ، دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؛ فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ؛ فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيَّبهما في شعب من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق ، في شعب كذا وكذا ؟ فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله ، فأسلم الحارث ، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين ، فجاء بهما ، فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودُفعت إليه ابنته جويرية ، فأسلمت ، وحسن إسلامها ؛ فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربعمائة درهم
الوليد بن عقبة و بنو المصطلق و ما نزل في ذلك من القرآن
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فلما سمعوا به ركبوا إليه ، فلما سمع بهم هابهم ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره أن القوم قد هموا بقتله ، ومنعوه ما قِبَلهم من صدقتهم ، فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم ، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يغزوهم ، فبينا هم على ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا ، فخرجنا إليه لنكرمه ، ونؤدي إليه ما قِبَلنا من الصدقة ، فانشمر راجعا فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله ، ووالله ما جئنا لذلك فأنزل الله تعالى فيه وفيهم : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . واعلموا أن فيكم رسول الله لو يُطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) . .. إلى آخر الآية .
وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، كما حدثني من لا أتهم عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، حتى إذا كان قريبا من المدينة وكانت معه عائشة في سفره ذلك ، قال فيها أهل الإفك ما قالوا .
خبر الإفك في غزوة بني المصطلق سنة ست
قال ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن علقمة بن وقاص ، وعن سعيد بن جبير وعن عروة بن الزبير ، وعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، قال : كل قد حدثني بعض هذا الحديث ، وبعض القوم كان أوعى له من بعض ، وقد جمعت لك الذي حدثني القوم
من كان يسافر معه صلى الله عليه و سلم من نسائه
قال محمد بن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عن عائشة ، وعبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، عن عائشة ، عن نفسها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه ، وكل كان عنها ثقة ، فكلهم حدث عنها ما سمع
قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ؛ فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه ، كما كان يصنع ، فخرج سهمي عليهن معه ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقتها
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ست .
استعمال أبي ذر على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ؛ ويقال : نميلة ابن عبدالله الليثي .
سبب غزو الرسول لهم
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم ، حتى لقيهم على ماء لهم ، يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونفَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم عليه .
استشهاد ابن صبابة خطأ
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال له : هشام بن صبابة ، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدو ، فقتله خطأ .
ما وقع من الفتنة بين المهاجرين والأنصار
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء ، وردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له : جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني ، حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين فغضب عبدالله بن أبي بن سلول ، وعنده رهط من قومه فيهم : زيد بن أرقم ، غلام حدث ، فقال : أوقد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمستكم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم ، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال : مُرْ به عباد بن بشر فليقتله ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ! لا ولكن أذن بالرحيل ، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس .
نفاق ابن أبي
وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلَّغه ما سمع منه ، فحلف بالله : ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به وكان في قومه شريفا عظيما - ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله ، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل ، حدبا على ابن أبي سلول ، ودفعا عنه .
من أسباب نفاق ابن أبي
قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار ، لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا نبي الله ، والله لقد رحت في ساعة منكرة ، ما كنت تروح في مثلها ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : و أي صاحب يا رسول الله ؟ قال : عبدالله بن أبي قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قال : فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت ، وهو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ، ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا .
انشغال الناس عن الفتنة
ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ، من حديث عبدالله بن أبي .
تنبؤ الرسول بموت رفاعة بن زيد
ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وسلك الحجاز حتى نزل عل ماء بالجحاز فويق النقيع ؛ يقال له : بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار .
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ، أحد بني قينقاع ، وكان عظيما من عظماء يهود ، وكهفا للمنافقين ، مات في ذلك اليوم .
ما نزل في ابن أبي من القرآن
ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره ، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ، ثم قال : هذا الذي أوفى الله بأذنه . وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .
موقف عبدالله الابن من أبيه
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبدالله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يارسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر ، فأدخل النار ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ، ونحسن صحبته ما بقي معنا .
تولي قوم ابن أبي مجازاته
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم : كيف ترى يا عمر ؛ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله ، لأُرعدت له آنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ؛ قال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .
مخادعة مقيس بن صبابة في الأخذ بثأر أخيه و شعره في ذلك
قال ابن إسحاق : وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما ، فيما يُظهر ، فقال : يا رسول الله ، جئتك مسلما ، وجئتك أطلب دية أخي ، قتل خطأ .
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ؛ فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ، ثم خرج إلى مكة مرتدا ؛ فقال في شعر يقوله :
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا * تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله * تُلمّ فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي * وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضاً :
جلَّلته ضربة باءت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرّته * لا تأمنن بني بكر إذا ظلموا
شعار المسلمين
قال ابن هشام : وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق : يا منصور ، أمِتْ أمت .
قتلى بني المصطلق
قال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس ، وقتل علي ابن أبي طالب منهم رجلين ، مالكا وابنه ، وقتل عبدالرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم ، يقال له أحمر ، أو أحيمر .
حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا ، فشا قسمه في المسلمين ؛ وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ؛ قالت عائشة : فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت ، فدخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ، ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي ؛ قال : فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقضي عنك كتابتك و أتزوجك ؛ قالت : نعم يا رسول الله ؛ قال : قد فعلت .
قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرسلوا ما بأيديهم ؛ قالت : فلقد أُعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها .
قال ابن هشام : ويقال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث ، وكان بذات الجيش ، دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؛ فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ؛ فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيَّبهما في شعب من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق ، في شعب كذا وكذا ؟ فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله ، فأسلم الحارث ، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين ، فجاء بهما ، فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودُفعت إليه ابنته جويرية ، فأسلمت ، وحسن إسلامها ؛ فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربعمائة درهم
الوليد بن عقبة و بنو المصطلق و ما نزل في ذلك من القرآن
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فلما سمعوا به ركبوا إليه ، فلما سمع بهم هابهم ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره أن القوم قد هموا بقتله ، ومنعوه ما قِبَلهم من صدقتهم ، فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم ، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يغزوهم ، فبينا هم على ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا ، فخرجنا إليه لنكرمه ، ونؤدي إليه ما قِبَلنا من الصدقة ، فانشمر راجعا فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله ، ووالله ما جئنا لذلك فأنزل الله تعالى فيه وفيهم : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . واعلموا أن فيكم رسول الله لو يُطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) . .. إلى آخر الآية .
وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، كما حدثني من لا أتهم عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، حتى إذا كان قريبا من المدينة وكانت معه عائشة في سفره ذلك ، قال فيها أهل الإفك ما قالوا .
خبر الإفك في غزوة بني المصطلق سنة ست
قال ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن علقمة بن وقاص ، وعن سعيد بن جبير وعن عروة بن الزبير ، وعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، قال : كل قد حدثني بعض هذا الحديث ، وبعض القوم كان أوعى له من بعض ، وقد جمعت لك الذي حدثني القوم
من كان يسافر معه صلى الله عليه و سلم من نسائه
قال محمد بن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عن عائشة ، وعبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، عن عائشة ، عن نفسها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه ، وكل كان عنها ثقة ، فكلهم حدث عنها ما سمع
قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ؛ فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه ، كما كان يصنع ، فخرج سهمي عليهن معه ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
سقوط عقد عائشة وتخلفها للبحث عنه
قالت : وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العُلَق لم يهجهن اللحم فيثقلن ، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ، ثم يأتي القوم الذين يرحلون لي ويحملونني فيأخذون بأسفل الهودج ، فيرفعونه ، فيضعونه على ظهر البعير ، فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير ، فينطلقون به .
قالت : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، وجه قافلا ، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا ، فبات به بعض الليل ، ثم أذن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي عقد لي ، فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي ، فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كان يرحلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج ، وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع ، فاحتملوه ، فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ؛ فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس .
صفوان بن المعطل يعثر على عائشة و يحتملها على بعيره
قالت : فتلففت بجلبابي ، ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتُقدت لرُجع إلي . قالت : فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطَّل السلمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته ، فلم بيت مع الناس ، فرأى سوادي ، فأقبل حتى وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يُضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأنا متلففة في ثيابي قال : ما خلَّفك يرحمك الله ؟ قالت : فما كلمته ، ثم قرب البعير ، فقال : اركبي واستأخر عني .
قالت : فركبت ، وأخذ برأس البعير ، فانطلق سريعا ، يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس ، وما افتقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك
مرضها وإعراضه عليه الصلاة و السلام عنها
ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ، ولا يبلغني من ذلك شيء وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك ، فأنكرت ذلك منه ، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني - قال ابن هشام : وهي أم رومان ، واسمها زينب بنت عبد دهمان ، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة - قال : كيف تِيكم ، لا يزيد على ذلك .
انتقالها إلى بيت أبيها لتمريضها
قال ابن إسحاق : قالت : حتى وجدت في نفسي ، فقلت : يا رسول الله ، حين رأيت ما رأيت من جفائه لي : لو أذنت لي ، فانتقلت إلى أمي ، فمرضتني ؟ قال : لا عليك .
قالت : فانتقلت إلى أمي ، ولا علم لي بشيء مما كان ، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ، وكنا قوما عربا ، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا نذهب في فسح المدينة ، وإنما كانت النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن .
فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مِسطح بنت أبي رهم بن المطلب ابن عبد مناف ، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد ابن تيم ، خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
علمها بما قيل فيها
قالت : فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها ؛ فقالت : تعس مسطح ومسطح : لقب ، واسمه : عوف ؛ قالت : قلت : بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا ؛ قالت : أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك ، قالت : قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله لقد كان .
قالت : فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ، ورجعت ؛ فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ؛ قالت : وقلت لأمي : يغفر الله لك ، تحدث الناس بما تحدثوا به ، ولا تذكرين لي من ذلك شيئا ! قالت : أي بنية ، خفِّضي عليك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء ، عند رجل يحبها ، لها ضرائر ، إلا كثَّرن وكثَّر الناس عليها .
خطبته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن
قالت : وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت منهم إلا خيرا ، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا ، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي .
من أشاع حديث الإفك
قالت : وكان كُبرْ ذلك عند عبدالله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نسائه امرأة تناصيني في المنزلة عنده غيرها فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا ، وأما حمنة بنت جحش فأشاعت من ذلك ما أشاعت ، تُضادُّني لأختها ، فشقيت بذلك .
ما اقترحه المأمون بعد خطبته صلى الله عليه وسلم
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة ، قال أسيد بن حضير : يا رسول الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تُضرب أعناقهم ؛ قالت : فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يُرى رجلا صالحا ؛ فقال : كذبت لعمر الله ، لا نضرب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا ، فقال أسيد : كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت : وتساور الناس ، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل علي .
الرسول يستشير عليا و أسامة
قالت : فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، و أسامة بن زيد ، فاستشارهما فأما أسامة فأثنى علي خيرا وقاله ؛ ثم قال : يا رسول الله ، أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا ، وهذا الكذب والباطل ؛ وأما علي فإنه قال : يا رسول الله ، إن النساء لكثير وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسل الجارية ، فإنها ستصدقك .
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بُريرة ليسألها ؛ قالت : فقام إليها علي بن أبي طالب ، فضربها ضربا شديدا ، ويقول : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فتقول والله ما أعلم إلا خيرا ، وما كنت أعيب على عائشة شيئا ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه ، فتنام عنه ، فتأتي الشاة فتأكله .
قالت : ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي ، وهي تبكي معي ، فجلس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال : يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ؛ قالت فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك ، فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئا ، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يتكلما ، قالت : وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي ، وأصغر شأنا من أن ينزل الله فيّ قرآنا يُقرأ به في المساجد ، ويُصلى به ، ولكني قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني ، لما يعلم من براءتي ، أو يخُبر خبرا ؛ فأما قرآن ينزل في ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك .
حزن عائشة ونزول القرآن ببراءتها
قالت : فلما لم أر أبوي يتكلمان ، قالت : قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فقالا : والله ما ندري بماذا نجيبه ؛ قالت : ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام ؛ قالت : فلما أن استعجما علي ، استعبرت فبكيت ؛ ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا . والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أني منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني .
قالت : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره ؛ فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) .
قالت : فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشَّاه من الله ما كان يتغشاه ، فسُجِّي بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وأن الله عز وجل غير ظالمي ؛ وأما أبواي ، فوالذي نفس عائشة بيده ، ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما ، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس .
قالت : ثم سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس ، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ، ويقول : أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك ؛ قالت : قلت : بحمد الله .
ثم خرج إلى الناس ، فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ، ثم أمر بمسطح بن أثاثة ، وحسَّان بن ثابت ، وحمنة بنت حجش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة ، فضُربوا حدَّهم .
استنتاج أبي أيوب طهر عائشة
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار : أن أبا أيوب خالد بن زيد ، قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أكنت يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله ؛ قال : فعائشة والله خير منك .
ما نزل من القرآن في حديث الإفك
قالت : فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك ، فقال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) وذلك حسَّان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا .
قال ابن هشام : ويقال : وذلك عبدالله بن أبي وأصحابه .
قال ابن هشام : والذي تولى كبره عبدالله بن أبي ، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا . ثم قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) : أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ، ثم قال : ( إذ تلقَّونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، وتحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم ) .
أبو بكر يمتنع عن الإنفاق على مسطح ورجوعه عن ذلك
فلما نزل هذا في عائشة ، وفيمن قال لها ما قال ، قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ، وأدخل علينا ؛ قالت : فأنزل الله في ذلك ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم ) .
تفسير ابن هشام لبعض ألفاظ القرآن
قال ابن هشام : يقال : كِبرْه وكُبرْه في الرواية ، وأما في القرآن فكِبره بالكسر .
قال ابن هشام : ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم ) ولا يألُ أولوا الفضل منكم .
قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :
ألا رب خصم فيك ألوى رددتُه * نصيح على تَعْذاله غير مؤتل
وهذا البيت في قصيدة له ؛ ويقال : ولا يأتلِ أولوا الفضل : ولا يحلف أولوا الفضل وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري ، فيما بلغنا عنه .
وفي كتاب الله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم ) وهو من الألية ، والألية : اليمين قال حسَّان بن ثابت :
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني أليَّة بر غير إفناد
وهذا البيت في أبيات له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . فمعنى : أن يؤتوا في هذا المذهب : أن لا يؤتوا ، وفي كتاب الله عز وجل : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) يريد : أن لا تضلوا ؛ ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض ) يريد أن لا تقع على الأرض ، وقال ابن مفرغ الحميري :
لا ذعرتُ السوام في وضح الصبـ * ــح مغيرا ولا دُعيت يزيدا
يوم أُعطى مخافة الموت ضيما * والمنايا يرصُدْنني أن أحيدا
يريد : أن لا أحيد ؛ وهذان البيتان في أبيات له .
قال ابن إسحاق : قالت : فقال أبو بكر : بلى والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .
صفوان يحاول قتل حسَّان
قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسَّان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما كان يقول فيه ، وقد كان حسَّان قال شعرا مع ذلك يعرّض بابن المعطل فيه وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفُريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في بُرْثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه * من دية فيه يُعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطَئِلُّ ويرمي العِبر بالزبد
يوما بأغلب مني حين تبصرني * مِلْغَيْظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فإني لن أسالمهم * حتى يُنيبوا من الغيَّات للرشد
ويتركوا اللات والعزى بمعزلة * ويسجدوا كلهم للواحد الصمد
ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم * حق ويوفوا بعهد الله والوُكُدِ
فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ، ثم قال - كما حدثني يعقوب بن عتبة :
تلقَّ ذُباب السيف عني فإنني * غلام إذا هُوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسَّان ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج ؛ فلقيه عبدالله بن رواحة فقال : ما هذا ؟ قال : أما أعجبك ضرب حسَّان بالسيف ! والله ما أراه إلا قد قتله قال له عبدالله بن رواحة : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت ؟ قال : لا والله ؛ قال : لقد اجترأت ، أطلق الرجل ، فأطلقه ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا ذلك له ، فدعا حسَّان وصفوان بن المعطل ؛ فقال ابن المعطل : يا رسول الله ، آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسَّان : أحسن يا حسَّان ، أَتشوَّهتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام ، ثم قال : أحسن يا حسَّان في الذي أصابك ؛ قال هي لك يا رسول الله .
قال ابن هشام : ويقال : أبعد أن هداكم الله للإسلام .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حُديلة اليوم بالمدينة ، وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسَّان في ضربته ، وأعطاه سيرين ، أمة قبطية ، فولدت له عبدالرحمن ابن حسَّان ، قالت : وكانت عائشة تقول : لقد سئل عن ابن المعطل فوجدوه رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيدا .
قال حسَّان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها :
حصان رزان ما تُزَنّ بريبة * وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خِيمها * وطهَّرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم * تقاصر عنه سورة المتطاول
فإن الذي قد قيل ليس بلائط * ولكنه قول امرىء بي ماحل
قال ابن هشام : بيته : ( عقيلة حي ) والذي بعده ، وبيته : ( له رتب عال ) عن أبي زيد الأنصاري .
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة : أن امرأة مدحت بنت حسَّان بن ثابت عند عائشة فقالت :
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكن أبوها .
شعر في هجاء حسان و مسطح
قال ابن إسحاق : وقال قائل من المسلمين في ضرب حسَّان وأصحابه في فريتهم على عائشة - قال ابن هشام : في ضرب حسَّان وصاحبيه - :
لقد ذاق حسَّان الذي كان أهله * وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم * وسخطة ذي العرش الكريم فأُترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجُلِّلوا * مخازي تبقى عُمِّموها وفُضِّحوا
وصُبَّت عليهم محُصدات كأنها * شآبيب قطر من ذرا المزن تسفح
قالت : وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العُلَق لم يهجهن اللحم فيثقلن ، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ، ثم يأتي القوم الذين يرحلون لي ويحملونني فيأخذون بأسفل الهودج ، فيرفعونه ، فيضعونه على ظهر البعير ، فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير ، فينطلقون به .
قالت : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، وجه قافلا ، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا ، فبات به بعض الليل ، ثم أذن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي عقد لي ، فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي ، فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كان يرحلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج ، وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع ، فاحتملوه ، فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ؛ فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس .
صفوان بن المعطل يعثر على عائشة و يحتملها على بعيره
قالت : فتلففت بجلبابي ، ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتُقدت لرُجع إلي . قالت : فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطَّل السلمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته ، فلم بيت مع الناس ، فرأى سوادي ، فأقبل حتى وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يُضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأنا متلففة في ثيابي قال : ما خلَّفك يرحمك الله ؟ قالت : فما كلمته ، ثم قرب البعير ، فقال : اركبي واستأخر عني .
قالت : فركبت ، وأخذ برأس البعير ، فانطلق سريعا ، يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس ، وما افتقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك
مرضها وإعراضه عليه الصلاة و السلام عنها
ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ، ولا يبلغني من ذلك شيء وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك ، فأنكرت ذلك منه ، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني - قال ابن هشام : وهي أم رومان ، واسمها زينب بنت عبد دهمان ، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة - قال : كيف تِيكم ، لا يزيد على ذلك .
انتقالها إلى بيت أبيها لتمريضها
قال ابن إسحاق : قالت : حتى وجدت في نفسي ، فقلت : يا رسول الله ، حين رأيت ما رأيت من جفائه لي : لو أذنت لي ، فانتقلت إلى أمي ، فمرضتني ؟ قال : لا عليك .
قالت : فانتقلت إلى أمي ، ولا علم لي بشيء مما كان ، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ، وكنا قوما عربا ، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا نذهب في فسح المدينة ، وإنما كانت النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن .
فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مِسطح بنت أبي رهم بن المطلب ابن عبد مناف ، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد ابن تيم ، خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
علمها بما قيل فيها
قالت : فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها ؛ فقالت : تعس مسطح ومسطح : لقب ، واسمه : عوف ؛ قالت : قلت : بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا ؛ قالت : أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك ، قالت : قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله لقد كان .
قالت : فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ، ورجعت ؛ فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ؛ قالت : وقلت لأمي : يغفر الله لك ، تحدث الناس بما تحدثوا به ، ولا تذكرين لي من ذلك شيئا ! قالت : أي بنية ، خفِّضي عليك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء ، عند رجل يحبها ، لها ضرائر ، إلا كثَّرن وكثَّر الناس عليها .
خطبته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن
قالت : وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت منهم إلا خيرا ، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا ، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي .
من أشاع حديث الإفك
قالت : وكان كُبرْ ذلك عند عبدالله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نسائه امرأة تناصيني في المنزلة عنده غيرها فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا ، وأما حمنة بنت جحش فأشاعت من ذلك ما أشاعت ، تُضادُّني لأختها ، فشقيت بذلك .
ما اقترحه المأمون بعد خطبته صلى الله عليه وسلم
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة ، قال أسيد بن حضير : يا رسول الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تُضرب أعناقهم ؛ قالت : فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يُرى رجلا صالحا ؛ فقال : كذبت لعمر الله ، لا نضرب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا ، فقال أسيد : كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت : وتساور الناس ، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل علي .
الرسول يستشير عليا و أسامة
قالت : فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، و أسامة بن زيد ، فاستشارهما فأما أسامة فأثنى علي خيرا وقاله ؛ ثم قال : يا رسول الله ، أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا ، وهذا الكذب والباطل ؛ وأما علي فإنه قال : يا رسول الله ، إن النساء لكثير وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسل الجارية ، فإنها ستصدقك .
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بُريرة ليسألها ؛ قالت : فقام إليها علي بن أبي طالب ، فضربها ضربا شديدا ، ويقول : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : فتقول والله ما أعلم إلا خيرا ، وما كنت أعيب على عائشة شيئا ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه ، فتنام عنه ، فتأتي الشاة فتأكله .
قالت : ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي ، وهي تبكي معي ، فجلس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال : يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ؛ قالت فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك ، فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئا ، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يتكلما ، قالت : وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي ، وأصغر شأنا من أن ينزل الله فيّ قرآنا يُقرأ به في المساجد ، ويُصلى به ، ولكني قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني ، لما يعلم من براءتي ، أو يخُبر خبرا ؛ فأما قرآن ينزل في ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك .
حزن عائشة ونزول القرآن ببراءتها
قالت : فلما لم أر أبوي يتكلمان ، قالت : قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فقالا : والله ما ندري بماذا نجيبه ؛ قالت : ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام ؛ قالت : فلما أن استعجما علي ، استعبرت فبكيت ؛ ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا . والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أني منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني .
قالت : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره ؛ فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) .
قالت : فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشَّاه من الله ما كان يتغشاه ، فسُجِّي بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وأن الله عز وجل غير ظالمي ؛ وأما أبواي ، فوالذي نفس عائشة بيده ، ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما ، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس .
قالت : ثم سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس ، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ، ويقول : أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك ؛ قالت : قلت : بحمد الله .
ثم خرج إلى الناس ، فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ، ثم أمر بمسطح بن أثاثة ، وحسَّان بن ثابت ، وحمنة بنت حجش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة ، فضُربوا حدَّهم .
استنتاج أبي أيوب طهر عائشة
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار : أن أبا أيوب خالد بن زيد ، قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أكنت يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله ؛ قال : فعائشة والله خير منك .
ما نزل من القرآن في حديث الإفك
قالت : فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك ، فقال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) وذلك حسَّان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا .
قال ابن هشام : ويقال : وذلك عبدالله بن أبي وأصحابه .
قال ابن هشام : والذي تولى كبره عبدالله بن أبي ، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا . ثم قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) : أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ، ثم قال : ( إذ تلقَّونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، وتحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم ) .
أبو بكر يمتنع عن الإنفاق على مسطح ورجوعه عن ذلك
فلما نزل هذا في عائشة ، وفيمن قال لها ما قال ، قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ، وأدخل علينا ؛ قالت : فأنزل الله في ذلك ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم ) .
تفسير ابن هشام لبعض ألفاظ القرآن
قال ابن هشام : يقال : كِبرْه وكُبرْه في الرواية ، وأما في القرآن فكِبره بالكسر .
قال ابن هشام : ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم ) ولا يألُ أولوا الفضل منكم .
قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :
ألا رب خصم فيك ألوى رددتُه * نصيح على تَعْذاله غير مؤتل
وهذا البيت في قصيدة له ؛ ويقال : ولا يأتلِ أولوا الفضل : ولا يحلف أولوا الفضل وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري ، فيما بلغنا عنه .
وفي كتاب الله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم ) وهو من الألية ، والألية : اليمين قال حسَّان بن ثابت :
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني أليَّة بر غير إفناد
وهذا البيت في أبيات له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . فمعنى : أن يؤتوا في هذا المذهب : أن لا يؤتوا ، وفي كتاب الله عز وجل : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) يريد : أن لا تضلوا ؛ ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض ) يريد أن لا تقع على الأرض ، وقال ابن مفرغ الحميري :
لا ذعرتُ السوام في وضح الصبـ * ــح مغيرا ولا دُعيت يزيدا
يوم أُعطى مخافة الموت ضيما * والمنايا يرصُدْنني أن أحيدا
يريد : أن لا أحيد ؛ وهذان البيتان في أبيات له .
قال ابن إسحاق : قالت : فقال أبو بكر : بلى والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .
صفوان يحاول قتل حسَّان
قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسَّان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما كان يقول فيه ، وقد كان حسَّان قال شعرا مع ذلك يعرّض بابن المعطل فيه وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفُريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في بُرْثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه * من دية فيه يُعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطَئِلُّ ويرمي العِبر بالزبد
يوما بأغلب مني حين تبصرني * مِلْغَيْظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فإني لن أسالمهم * حتى يُنيبوا من الغيَّات للرشد
ويتركوا اللات والعزى بمعزلة * ويسجدوا كلهم للواحد الصمد
ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم * حق ويوفوا بعهد الله والوُكُدِ
فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ، ثم قال - كما حدثني يعقوب بن عتبة :
تلقَّ ذُباب السيف عني فإنني * غلام إذا هُوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسَّان ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج ؛ فلقيه عبدالله بن رواحة فقال : ما هذا ؟ قال : أما أعجبك ضرب حسَّان بالسيف ! والله ما أراه إلا قد قتله قال له عبدالله بن رواحة : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت ؟ قال : لا والله ؛ قال : لقد اجترأت ، أطلق الرجل ، فأطلقه ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا ذلك له ، فدعا حسَّان وصفوان بن المعطل ؛ فقال ابن المعطل : يا رسول الله ، آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسَّان : أحسن يا حسَّان ، أَتشوَّهتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام ، ثم قال : أحسن يا حسَّان في الذي أصابك ؛ قال هي لك يا رسول الله .
قال ابن هشام : ويقال : أبعد أن هداكم الله للإسلام .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حُديلة اليوم بالمدينة ، وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسَّان في ضربته ، وأعطاه سيرين ، أمة قبطية ، فولدت له عبدالرحمن ابن حسَّان ، قالت : وكانت عائشة تقول : لقد سئل عن ابن المعطل فوجدوه رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيدا .
قال حسَّان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها :
حصان رزان ما تُزَنّ بريبة * وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خِيمها * وطهَّرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم * تقاصر عنه سورة المتطاول
فإن الذي قد قيل ليس بلائط * ولكنه قول امرىء بي ماحل
قال ابن هشام : بيته : ( عقيلة حي ) والذي بعده ، وبيته : ( له رتب عال ) عن أبي زيد الأنصاري .
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة : أن امرأة مدحت بنت حسَّان بن ثابت عند عائشة فقالت :
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكن أبوها .
شعر في هجاء حسان و مسطح
قال ابن إسحاق : وقال قائل من المسلمين في ضرب حسَّان وأصحابه في فريتهم على عائشة - قال ابن هشام : في ضرب حسَّان وصاحبيه - :
لقد ذاق حسَّان الذي كان أهله * وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم * وسخطة ذي العرش الكريم فأُترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجُلِّلوا * مخازي تبقى عُمِّموها وفُضِّحوا
وصُبَّت عليهم محُصدات كأنها * شآبيب قطر من ذرا المزن تسفح
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أمر الحديبية في آخر سنة ست ، وذكر بيعة الرضوان ، والصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو
خروج الرسول
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة شهر رمضان وشوالا ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، لا يريد حربا .
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي .
استنفاره صلى الله عليه وسلم العرب
قال ابن إسحاق : واستنفر العربَ ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا ، أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، فأبطأ عليه كثير من الأعراب ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب ، وساق معه الهدي ، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه ، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له .
عدد من خرج للعمرة
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر .
وكان جابر بن عبدالله ، فيما بلغني ، يقول : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .
ما قاله عليه الصلاة و السلام عندما علم أن قريشا تريد منعه
قال الزهري : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي - قال ابن هشام : ويقال بُسْر - فقال : يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدَّموها إلى كُراع الغَميم .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش ، فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة .
ثم قال : من رجل يخرج بنا عن طريق غير طريقهم التي هم بها ؟
تجنب الرسول لقاء قريش :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رجلاً من أسلم قال : أنا يا رسول الله ؛ قال : فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل بين شعاب ، فلما خرجوا منه ، وقد شق ذلك على المسلمين وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : قولوا نستغفر الله ونتوب إليه ؛ فقالوا ذلك ، فقال : والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها .
قال ابن شهاب : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمش ، في طريق ( تخرجه ) على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة ؛ قال : فسلك الجيش ذلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ، رجعوا راكضين إلى قريش ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا سلك ، في ثنية المرار بركت ناقته .
فقالت الناس : خلأت الناقة ، قال : ما خلأت وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها .
ثم قال للناس : انزلوا قيل له : يا رسول الله : ما بالوادي ماء ننزل عليه ، فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب . فغرزه في جوفه ، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن .
الذي نزل بسهم الرسول في طلب الماء :
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم : أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن وائلة بن سهم بن مازن بن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة ، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : أفصى بن حارثة .
قال ابن إسحاق : وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول : أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالله أعلم أي ذلك كان .
شعر لناجية يثبت أنه حامل سهم الرسول :
وقد أنشدت أسلم أبياتاً من شعر قالها ناجية ، قد ظننا أنه هو الذي نزل بالسهم فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها ، وناجية في القليب يميح على الناس ، فقالت :
يأيها المائح دلوى دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيراً ويمجدونكما *
قال ابن هشام :ويروى :
إني رأيت الناس يمدحونكا *
قال ابن إسحاق : فقال ناجية ، وهو في القليب يميح على الناس :
قد علمت جارية يمانية * أني أنا المائح واسمى ناجية
وطعنة ذات رشاش واهية * طعنتها عند صدور العادية
بديل ورجال خزاعة بين الرسول وقريش :
فقال الزهري في حديثه : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي ، في رجال من خزاعة ، فكلموه وسألوه : ما الذي جاء به ؟
فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً ، وإنما جاء زائراً البيت ، ومعظماً لحرمته ، ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد ، إن محمداً لم يأت لقتال ، وإنما جاء زائراً هذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالاً ، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبداً ولا تحدث بذلك عنا العرب .
قال الزهري : وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئاً كان بمكة .
مكرز رسول قريش إلى الرسول :
قال : ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف ، أخا بني عامر بن لؤي ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : هذا رجل غادر ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً مما قال لبديل وأصحابه ؛ فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحليس رسول من قريش إلى الرسول :
ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان ، وكان يومئذ سيد الأحابيش ، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ، فلما رآى الهدي يسيل عله من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى فقال لهم ذلك . قال : فقالوا له : اجلس ، فإنما أنت أعرابي لا علم لك .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن الحليس غضب عند ذلك وقال : يا معشر قريش ، والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا عاقدناكم .
أيصد عن بيت الله من جاء معظماً له ! والذي نفس الحليس بيده ، لتخلن بين محمد وبين ما جاء له ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد . قال : فقالوا له : مه ، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .
عروة بن مسعود رسول من قريش إلى الرسول :
قال الزهري في حديثه : ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي ؛ فقال : يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم ، فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي ؛ قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم .
فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس بين يديه ، ثم قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل . قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً . وأيم الله ، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً .
قال : وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ؛ فقال : امصص بظر اللات ، أنحن نتكشف عنه ؟ قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة ؛ قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها .
قال : ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه . قال : والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد .
قال : فجعل يقرع يده إذ تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك ؛ قال : فيقول عروة : ويحك ! ما أفظك وأغلظك ! قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ؛ قال : أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس .
قال ابن هشام :أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك ، من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف : بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة ، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية ، وأصلح ذلك الأمر .
قال ابن إسحاق : قال الزهري : فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوٍ مما كلم به أصحابه ، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا .
فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه ، لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ، ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه . ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه . فرجع إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إني قد جئت كسرى في ملكه . وقيصر في ملكه . والنجاشي في ملكه . وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً ، فروا رأيكم .
خراش رسول الرسول إلى قريش :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على بعير له يقال له الثعلب ، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله ،فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
النفر القرشيون الذين أرسلتهم قريش للعدوان ثم عفا عنهم الرسول :
قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس : أن قريشاً كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين رجلاً ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحداً فأخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل .
عثمان رسول محمد إلى قريش :
ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ، ومعظماً لحرمته .
إشاعة مقتل عثمان :
قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ؛ فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل .
بيعة الرضوان
مبايعة الرسول الناس على الحرب وتخلف الجد :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة .
فكانت بيعه الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ، وكان جابر بن عبدالله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر .
فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها ، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، فكان جابر بن عبدالله يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته . قد ضبأ إليها ، يستتر بها من الناس . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل .
أول من بايع :
قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي .
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ، عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى
خروج الرسول
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة شهر رمضان وشوالا ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، لا يريد حربا .
من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي .
استنفاره صلى الله عليه وسلم العرب
قال ابن إسحاق : واستنفر العربَ ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا ، أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، فأبطأ عليه كثير من الأعراب ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب ، وساق معه الهدي ، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه ، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له .
عدد من خرج للعمرة
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا يريد قتالا ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر .
وكان جابر بن عبدالله ، فيما بلغني ، يقول : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .
ما قاله عليه الصلاة و السلام عندما علم أن قريشا تريد منعه
قال الزهري : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي - قال ابن هشام : ويقال بُسْر - فقال : يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدَّموها إلى كُراع الغَميم .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش ، فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة .
ثم قال : من رجل يخرج بنا عن طريق غير طريقهم التي هم بها ؟
تجنب الرسول لقاء قريش :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رجلاً من أسلم قال : أنا يا رسول الله ؛ قال : فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل بين شعاب ، فلما خرجوا منه ، وقد شق ذلك على المسلمين وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : قولوا نستغفر الله ونتوب إليه ؛ فقالوا ذلك ، فقال : والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها .
قال ابن شهاب : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمش ، في طريق ( تخرجه ) على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة ؛ قال : فسلك الجيش ذلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ، رجعوا راكضين إلى قريش ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا سلك ، في ثنية المرار بركت ناقته .
فقالت الناس : خلأت الناقة ، قال : ما خلأت وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها .
ثم قال للناس : انزلوا قيل له : يا رسول الله : ما بالوادي ماء ننزل عليه ، فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب . فغرزه في جوفه ، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن .
الذي نزل بسهم الرسول في طلب الماء :
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم : أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن وائلة بن سهم بن مازن بن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة ، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : أفصى بن حارثة .
قال ابن إسحاق : وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول : أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالله أعلم أي ذلك كان .
شعر لناجية يثبت أنه حامل سهم الرسول :
وقد أنشدت أسلم أبياتاً من شعر قالها ناجية ، قد ظننا أنه هو الذي نزل بالسهم فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها ، وناجية في القليب يميح على الناس ، فقالت :
يأيها المائح دلوى دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيراً ويمجدونكما *
قال ابن هشام :ويروى :
إني رأيت الناس يمدحونكا *
قال ابن إسحاق : فقال ناجية ، وهو في القليب يميح على الناس :
قد علمت جارية يمانية * أني أنا المائح واسمى ناجية
وطعنة ذات رشاش واهية * طعنتها عند صدور العادية
بديل ورجال خزاعة بين الرسول وقريش :
فقال الزهري في حديثه : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي ، في رجال من خزاعة ، فكلموه وسألوه : ما الذي جاء به ؟
فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً ، وإنما جاء زائراً البيت ، ومعظماً لحرمته ، ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد ، إن محمداً لم يأت لقتال ، وإنما جاء زائراً هذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالاً ، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبداً ولا تحدث بذلك عنا العرب .
قال الزهري : وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئاً كان بمكة .
مكرز رسول قريش إلى الرسول :
قال : ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف ، أخا بني عامر بن لؤي ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : هذا رجل غادر ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً مما قال لبديل وأصحابه ؛ فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحليس رسول من قريش إلى الرسول :
ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان ، وكان يومئذ سيد الأحابيش ، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ، فلما رآى الهدي يسيل عله من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى فقال لهم ذلك . قال : فقالوا له : اجلس ، فإنما أنت أعرابي لا علم لك .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن الحليس غضب عند ذلك وقال : يا معشر قريش ، والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا عاقدناكم .
أيصد عن بيت الله من جاء معظماً له ! والذي نفس الحليس بيده ، لتخلن بين محمد وبين ما جاء له ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد . قال : فقالوا له : مه ، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .
عروة بن مسعود رسول من قريش إلى الرسول :
قال الزهري في حديثه : ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي ؛ فقال : يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم ، فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي ؛ قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم .
فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس بين يديه ، ثم قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل . قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً . وأيم الله ، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً .
قال : وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ؛ فقال : امصص بظر اللات ، أنحن نتكشف عنه ؟ قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة ؛ قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها .
قال : ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه . قال : والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد .
قال : فجعل يقرع يده إذ تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك ؛ قال : فيقول عروة : ويحك ! ما أفظك وأغلظك ! قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ؛ قال : أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس .
قال ابن هشام :أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك ، من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف : بنو مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة ، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية ، وأصلح ذلك الأمر .
قال ابن إسحاق : قال الزهري : فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوٍ مما كلم به أصحابه ، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا .
فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه ، لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ، ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه . ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه . فرجع إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إني قد جئت كسرى في ملكه . وقيصر في ملكه . والنجاشي في ملكه . وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً ، فروا رأيكم .
خراش رسول الرسول إلى قريش :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على بعير له يقال له الثعلب ، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله ،فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
النفر القرشيون الذين أرسلتهم قريش للعدوان ثم عفا عنهم الرسول :
قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس : أن قريشاً كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين رجلاً ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحداً فأخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل .
عثمان رسول محمد إلى قريش :
ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ، ومعظماً لحرمته .
إشاعة مقتل عثمان :
قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ؛ فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل .
بيعة الرضوان
مبايعة الرسول الناس على الحرب وتخلف الجد :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة .
فكانت بيعه الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ، وكان جابر بن عبدالله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر .
فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها ، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، فكان جابر بن عبدالله يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته . قد ضبأ إليها ، يستتر بها من الناس . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل .
أول من بايع :
قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي .
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ، عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أمر الهدنة
إرسال قريش سهيلاً إلى الرسول للصلح :
قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً .
فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل . فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح .
عمر ينكر على الرسول الصلح :
فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، وألسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه ، فإني أشهد أنه رسول الله ؛ قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : أنا عبدالله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني !
قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ! مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً .
علي يكتب شروط الصلح :
قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ؛ قال : فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب باسمك اللهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم فكتبها .
ثم قال : اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ؛ قال : فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
دخول خزاعة في عهد محمد وبني بكر في عهد قريش :
فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم ، وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب ، السيوف في القرب ، لا تدخلها بغيرها .
ما أهم الناس من الصلح ومجيء أبي جندل :
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمرٌ عظيم ، حتى كادوا يهلكون .
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ؛ ثم قال : يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ؛ قال : صدقت ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل ؛ اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم .
قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب . قال : ويدني قائم السيف منه . قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ؛ فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية .
من شهدوا على الصلح :
فلما فرغ ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلي بن أبي طالب وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة .
نحر الرسول وحلق فاقتدى به الناس :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً في الحل ، وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هدية فنحره ، ثم جلس فحلق رأسه وكان الذي حلقه ، فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون .
دعوة الرسول للمحلقين ثم للمقصرين :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين ؛ فقالوا : يا رسول الله : فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال : لم يشكوا .
أهدِى الرسول جملاً فيه برة من فضة :
وقال عبدالله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل ، في رأسه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين .
نزول سورة الفتح :
قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً ،حتى إذا كان بين مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطاً مستقيماً ) .
ذكر البيعة :
ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة ، فقال جل ثناؤه : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ) .
ذكر من تخلف :
ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه: ( سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا ) . ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله : ( سيقولون المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) . ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولى البأس الشديد .
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : فارس .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن الزهري أنه قال : أولوا البأس الشديد حنيفة مع الكذاب .
ثم قال تعالى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً . ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيراً حكيماً . وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهيدكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً ) .
ذكر كف الرسول عن القتال :
ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعني : النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيراً ) . ثم قال تعالى : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) .
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :المعكوف المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وكأن السموط عكفه السلك * بعطفي جيداء أم غزال .
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) ، والمعرة : الغرم ، أي : أن تصيبوا منهم ( معرة ) بغير علم فتخرجوا ديته ، فأما إثم فلم يخشه عليهم .
قال ابن هشام :بلغني عن مجاهد أنه قال : نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل وأشباههم .
قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) يعني : سهيل بن عمرو حين حمي أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمداً رسول الله ، ثم قال تعالى : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) ، وكانوا أحق بها وأهلها : أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .
ثم قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ) . أي : لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول : محلقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، صلح الحديبية .
يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ؛ فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .
قال ابن هشام :والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبدالله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف .
ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح
مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له :
قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ؛ قال : يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك :
فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة ، جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم أنظر إليه ؟ قال : انظر إن شئت . قال : فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله .
وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعاً ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك ! ما لك ؟ قال : قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً بالسيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه ، أو يعبث بي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال
اجتماع المحتبسين إلى أبي بصيرة وإيذاؤهم قريشاً وإيواء الرسول لهم :
ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : "ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! " ، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة .
قال ابن هشام :أبو بصير ثقفي .
أراد سهيل ودي أبي بصير وشعر موهب في ذلك :
قال ابن إسحاق : فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال : والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودي هذا الرجل فقال أبو سفيان بن حرب : والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يودي ( ثلاثاً ) .
فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيس ، حليف بني زهرة :
قال ابن هشام :أبو أنيس أشعري -
أتاني عن سهيل ذرء قول * فأيقظني وما بي من رقاد
فإن تكن العتاب تريد مني * فعِاتبني فما بك من بعادي
أتوعدني وعبد مناف حولي * بمخزوم ألهفا من تعادي
فإن تغمز قناتي لا تجدني * ضعيف العود في الكرب الشداد
أسامي الأكرمين أبا بقومي * إذا وطئ الضعيف بهم أرادي
هم منعوا الظواهر غير شك * إلى حيث البواطن فالعوادي
بكل طمرة وبكل نهد * سواهم قد طوين من الطراد
لهم بالخيف قد علمت معد * رواق المجد رفع بالعماد
شعرابن الزبعرى في الرد على موهب :
فأجابه عبدالله بن الزبعرى فقال :
وأمسى موهب كحمار سوء * أجاز ببلدة فيها ينادي
فإن العبد مثلك لا يناوي * سهيلاً ضل سعيك من تعادي
فاقصر يا ابن قين السوء عنه * وعد عن المقالة في البلاد
ولا تذكر عتاب أبي يزيد * فهيهات البحور من الثماد
إرسال قريش سهيلاً إلى الرسول للصلح :
قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً .
فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل . فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح .
عمر ينكر على الرسول الصلح :
فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، وألسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه ، فإني أشهد أنه رسول الله ؛ قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : أنا عبدالله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني !
قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ! مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً .
علي يكتب شروط الصلح :
قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ؛ قال : فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب باسمك اللهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم فكتبها .
ثم قال : اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ؛ قال : فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
دخول خزاعة في عهد محمد وبني بكر في عهد قريش :
فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم ، وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب ، السيوف في القرب ، لا تدخلها بغيرها .
ما أهم الناس من الصلح ومجيء أبي جندل :
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمرٌ عظيم ، حتى كادوا يهلكون .
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ؛ ثم قال : يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ؛ قال : صدقت ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل ؛ اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم .
قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب . قال : ويدني قائم السيف منه . قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ؛ فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية .
من شهدوا على الصلح :
فلما فرغ ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلي بن أبي طالب وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة .
نحر الرسول وحلق فاقتدى به الناس :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً في الحل ، وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هدية فنحره ، ثم جلس فحلق رأسه وكان الذي حلقه ، فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون .
دعوة الرسول للمحلقين ثم للمقصرين :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين ؛ فقالوا : يا رسول الله : فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال : لم يشكوا .
أهدِى الرسول جملاً فيه برة من فضة :
وقال عبدالله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل ، في رأسه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين .
نزول سورة الفتح :
قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً ،حتى إذا كان بين مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطاً مستقيماً ) .
ذكر البيعة :
ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة ، فقال جل ثناؤه : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ) .
ذكر من تخلف :
ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه: ( سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا ) . ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله : ( سيقولون المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) . ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولى البأس الشديد .
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : فارس .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن الزهري أنه قال : أولوا البأس الشديد حنيفة مع الكذاب .
ثم قال تعالى : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً . ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيراً حكيماً . وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهيدكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً ) .
ذكر كف الرسول عن القتال :
ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعني : النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيراً ) . ثم قال تعالى : ( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) .
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :المعكوف المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وكأن السموط عكفه السلك * بعطفي جيداء أم غزال .
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ) ، والمعرة : الغرم ، أي : أن تصيبوا منهم ( معرة ) بغير علم فتخرجوا ديته ، فأما إثم فلم يخشه عليهم .
قال ابن هشام :بلغني عن مجاهد أنه قال : نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل وأشباههم .
قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى : ( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) يعني : سهيل بن عمرو حين حمي أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمداً رسول الله ، ثم قال تعالى : ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ) ، وكانوا أحق بها وأهلها : أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله .
ثم قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ) . أي : لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول : محلقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، صلح الحديبية .
يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ؛ فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .
قال ابن هشام :والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبدالله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف .
ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح
مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له :
قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ؛ قال : يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك :
فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة ، جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم أنظر إليه ؟ قال : انظر إن شئت . قال : فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله .
وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعاً ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك ! ما لك ؟ قال : قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً بالسيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه ، أو يعبث بي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال
اجتماع المحتبسين إلى أبي بصيرة وإيذاؤهم قريشاً وإيواء الرسول لهم :
ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : "ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! " ، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة .
قال ابن هشام :أبو بصير ثقفي .
أراد سهيل ودي أبي بصير وشعر موهب في ذلك :
قال ابن إسحاق : فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال : والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودي هذا الرجل فقال أبو سفيان بن حرب : والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يودي ( ثلاثاً ) .
فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيس ، حليف بني زهرة :
قال ابن هشام :أبو أنيس أشعري -
أتاني عن سهيل ذرء قول * فأيقظني وما بي من رقاد
فإن تكن العتاب تريد مني * فعِاتبني فما بك من بعادي
أتوعدني وعبد مناف حولي * بمخزوم ألهفا من تعادي
فإن تغمز قناتي لا تجدني * ضعيف العود في الكرب الشداد
أسامي الأكرمين أبا بقومي * إذا وطئ الضعيف بهم أرادي
هم منعوا الظواهر غير شك * إلى حيث البواطن فالعوادي
بكل طمرة وبكل نهد * سواهم قد طوين من الطراد
لهم بالخيف قد علمت معد * رواق المجد رفع بالعماد
شعرابن الزبعرى في الرد على موهب :
فأجابه عبدالله بن الزبعرى فقال :
وأمسى موهب كحمار سوء * أجاز ببلدة فيها ينادي
فإن العبد مثلك لا يناوي * سهيلاً ضل سعيك من تعادي
فاقصر يا ابن قين السوء عنه * وعد عن المقالة في البلاد
ولا تذكر عتاب أبي يزيد * فهيهات البحور من الثماد
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أمر المهاجرات بعد الهدنة
هجرة أم كلثوم إلى رسول وإباؤه ردها :
قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك .
سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه :
قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري ، عن عروة ابن الزبير ، قال : دخلت عليه يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبدالملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) .
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :واحدة العصم : عصمة ، وهي الحبل والسبب . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
إلى المرء قيس نطيل السرى * ونأخذ من كل حي عصم .
وهذا البيت في قصيدة له .
( واسألوا ما أنفقتم ، وليسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم )
عود إلى جواب عروة :
قال : فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم .
فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا .
ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد
سؤال ابن إسحاق الزهري عن آية المهاجرات :
قال ابن إسحاق : وسألت الزهري عن هذه الآية ، وقول الله عز وجل فيها : ( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتهم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . فقال : يقول : إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار ، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل يأخذون منكم ، فعوضوهم من فيء إن أصبتموه ؛ فلما نزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) ... إلى قول الله عز وجل : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) .
كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبه بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجلاً من قومه وهما على شركهما .
بشرى فتح مكة وتعجل بعض المسلمين :
قال ابن هشام :حدثنا أبو عبيدة : أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فهو كما قال لي جبريل عليه السلام .
ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع
الخروج إلى خيبر :
قال محمد بن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر .
استعمال نميلة على المدينة :
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء .
ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع : وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان : انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال : فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ! فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون .
دعاء الرسول لما أشرف على خيبر :
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : " اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله " . قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها .
فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار .
فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمد والخميس معه ! فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
قال ابن إسحاق :حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله .
منازل الرسول في طريقة إلى خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذا لهم :
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر
افتتاح رسول الله الحصون :
وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق .
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه .
وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين .
نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء :
وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم .
قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني : إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين .
قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال
شأن بني سهم الأسلميين
فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه .
فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه .
مقتل مرحب اليهودي :
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة .
قال ابن هشام :وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : يا منصور أمت أمت .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة عن جابر بن عبدالله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه يرتجز وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب
إن حماى للحمى لا يقرب *
وهو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك ، فقال :
قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب
وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب
نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب
بكف ماض ليس فيه عتب *
قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري :
قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب
ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب
بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب
قال ابن هشام :ومرحب من حمير .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال :
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعنه عليه .
قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله .
مقتل ياسر أخو مرحب :
قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب : يقتل ابني يا رسول الله ! قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير .
قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له : والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته .
شأن علي يوم خيبر :
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام : إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، ليس بفرار .
قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك
قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب .
قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه .
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه .
حديث أبي اليسر كعب بن عمرو :
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال : والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يطعمنا من هذا الغنم ؟
قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله ؛ قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال : اللهم أمتعنا به .
قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذبحوهما فأكلوهما .
فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً . فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً .
أمر صفية أم المؤمنين :
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها .
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ؟
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر
هجرة أم كلثوم إلى رسول وإباؤه ردها :
قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك .
سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه :
قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري ، عن عروة ابن الزبير ، قال : دخلت عليه يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبدالملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) .
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :واحدة العصم : عصمة ، وهي الحبل والسبب . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
إلى المرء قيس نطيل السرى * ونأخذ من كل حي عصم .
وهذا البيت في قصيدة له .
( واسألوا ما أنفقتم ، وليسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم )
عود إلى جواب عروة :
قال : فكتب إليه عروة بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم .
فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا .
ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد
سؤال ابن إسحاق الزهري عن آية المهاجرات :
قال ابن إسحاق : وسألت الزهري عن هذه الآية ، وقول الله عز وجل فيها : ( وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتهم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) . فقال : يقول : إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار ، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل يأخذون منكم ، فعوضوهم من فيء إن أصبتموه ؛ فلما نزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) ... إلى قول الله عز وجل : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) .
كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبه بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجلاً من قومه وهما على شركهما .
بشرى فتح مكة وتعجل بعض المسلمين :
قال ابن هشام :حدثنا أبو عبيدة : أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فهو كما قال لي جبريل عليه السلام .
ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع
الخروج إلى خيبر :
قال محمد بن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر .
استعمال نميلة على المدينة :
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء .
ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع : وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان : انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال : فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب : وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ! فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا : إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون .
دعاء الرسول لما أشرف على خيبر :
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه عن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : " اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله " . قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها .
فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار .
فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمد والخميس معه ! فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم : الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
قال ابن إسحاق :حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله .
منازل الرسول في طريقة إلى خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذا لهم :
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر
افتتاح رسول الله الحصون :
وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق .
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه .
وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين .
نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء :
وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم .
قال ابن إسحاق : وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها : جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني : إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين .
قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال
شأن بني سهم الأسلميين
فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم : أن بني سهم من أسلم : أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه .
فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه .
مقتل مرحب اليهودي :
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة .
قال ابن هشام :وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : يا منصور أمت أمت .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة عن جابر بن عبدالله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه يرتجز وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب
إن حماى للحمى لا يقرب *
وهو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك ، فقال :
قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب
وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب
نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب
بكف ماض ليس فيه عتب *
قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد الأنصاري :
قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب
ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب
بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب
قال ابن هشام :ومرحب من حمير .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال :
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ؟ قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعنه عليه .
قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله .
مقتل ياسر أخو مرحب :
قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب : يقتل ابني يا رسول الله ! قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله . فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير .
قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة : أن الزبير كان إذا قيل له : والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته .
شأن علي يوم خيبر :
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام : إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، ليس بفرار .
قال : يقول سلمة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك
قال : يقول سلمة : فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب .
قال : يقول اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال . قال : فما رجع حتى فتح الله على يديه .
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه .
حديث أبي اليسر كعب بن عمرو :
قال ابن إسحاق : وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال : والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يطعمنا من هذا الغنم ؟
قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله ؛ قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال : اللهم أمتعنا به .
قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذبحوهما فأكلوهما .
فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً . فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً .
أمر صفية أم المؤمنين :
قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها .
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ؟
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
بقية أمر خيبر
عقوبة كنانة بن الربيع :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟
قال : نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه .
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة .
مصالحة الرسول أهل خيبر :
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين .
فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل .
وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها .
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .
أمر الشاة المسمومة :
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها .
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل .
قال ابن إسحاق : وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر .
قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة .
رجوع الرسول إلى المدينة :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة .
مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول :
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال : فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني .
قال ابن هشام : جذام ، أخو لخم .
قال : فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا : هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر .
قال : فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال : فقال : يقد لك مثلهما من النار .
ابن مغفل وجراب شحم أصابه :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال : أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي .
قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال : قلت : لا والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجاذبني الجراب .
قال : فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك ، خل بينه وبينه . قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه .
بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة :
قال ابن إسحاق : ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك .
فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني .
تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال : من آخر الليل : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك .
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟
قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال : صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال : إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( أقم الصلاة لذكري )
شعر لابن القيم في فتح خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر ، فقال ابن لقيم العبسي في خيبر :
رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار
صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار
جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح في الأسحار
ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد أشهل أو بني النجار
ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار
ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار
فرت يهود يوم ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :فرت : كشفت ، كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها ؛ يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار ، يريد الأنصار .
شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية :
قال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم .
قال ابن إسحاق : حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن : يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال : على بركة الله .
قالت : فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله . قالت : فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها .
قالت : فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال : ما لك ؟ لعلك نفست ؛ قالت : قلت : نعم ؛ قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك .
قالت : فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً .
قالت : فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها . قالت : وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت .
شهداء خيبر من بني أمية :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى : عبدالله الهبيب ، ويقال : ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم .
من الأنصار :
ومن الأنصار ثم من بني سلمة : بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وفضيل بن النعمان . رجلان .
من زريق :
ومن بني زريق : مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق .
من الأوس :
ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل : محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة .
من بني عمرو :
ومن بني عمرو بن عوف : أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة .
من غفار :
ومن بني غفار : عمارة بن عقبة ، رمي بسهم .
من أسلم :
ومن أسلم : عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم .
قال ابن هشام : الأسود الراعي من أهل خيبر .
من بني زهرة :
ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة : مسعود بن ربيعة حليف لهم من القارة .
من الأنصار :
ومن الأنصار بني عمرو بن عوف : أوس بن قتادة .
أمر الأسود الراعي في حديث خيبر
إسلامه واستشهاده :
قال ابن إسحاق : وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود .
فقال : يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال
فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط .
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين .
قال ابن إسحاق : وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له : أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك .
أمر الحجاج بن علاط السلمي
حيلته في جمع ماله من مكة :
قال ابن إسحاق : ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال : إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال : قل .
قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز .
قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال : فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ؛ قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم .
قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم .
قال : قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك .
قال ابن هشام : ويقال : من فيء محمد .
العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً :
قال ابن إسحاق : قال : فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به . قال : وجئت صاحبتي فقلت : مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار .
قال : فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال : يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به
قال : فقلت : وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال : نعم قال : قلت : فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ . قال : حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت : احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال : افعل .
قلت : فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني : صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال : ما تقول يا حجاج ؟ قال : قلت : إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب
قال : حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا : يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا : من جاءك بهذا الخبر ؟
قال : الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا : يا لعباد الله ! انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال : ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك .
شعر حسان في يوم خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت :
بئسما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل
كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل
أمن الموت يهبوا فإن الموت * موت الهزال غير جميل
شعر حسان في عذر أيمن لتخلفه عن خيبر :
وقال حسان بن ثابت أيضاً ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، كان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه :
على حين أن قالت لأيمن أمه * جبنت ولم تشهد فوارس خيبر
وأيمن لم يجبن ولكن مهره * أضر به شرب المديد المخمر
ولولا الذي قد كان من شان مهره * لقاتل فيهم فارسا غير أعسر
ولكنه قد صده فعل مهره * وما كان منه عنده غير أيسر
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك ، وأنشدني :
ولكنه قد صده شأن مهره وما * وما كان لولا ذاكم بمقصر
شعر ناجية في يوم خيبر
قال ابن إسحاق : وقال ناجية بن جندب الأسلمي :
يا لعباد الله فيم يرغب * ما هو إلا مأكل ومشرب
وجنة فيها نعيم معجب *
وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضاً :
أنا لمن أنكرني ابن جندب * يا رب قرن في مكري أنكب
طاح بمغدي أنسر وثعلب *
قال ابن هشام : وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله : في مكرى ، وطاح بمغدي .
شعر كعب بن مالك في يوم خيبر :
وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري :
ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مذود
جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد
عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند
يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد
يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد
يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك الفوز والعز في غد
ذكرمقاسم خيبر وأموالها
الشق ونطاة والكتيبة :
قال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم .
عدة من قسمت عليهم خيبر :
وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع .
قال ابن هشام : وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين .
قسمة الأسهم على أربابها :
قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام .
قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .
قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس .
فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة .
ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي .
ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى .
ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق .
وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً .
ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً .
ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق .
بسم الله الرحمن الرحيم
عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم :
ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر : قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ولأم رميثة خمسة أوسق .
شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب .
ما أوصى به الرسول عند موته :
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال : لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر .
وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان .
أمرفدك في خبر خيبر
مصالحة الرسول أهل فدك :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .
تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
نسبهم :
وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام : تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن .
قال ابن هشام : ويقال : عزة بن مالك : وأخوه مران بن مالك .
قال ابن هشام : مروان بن مالك .
قال ابن إسحاق : وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله .
خرص ابن رواحة على أهل خيبر :
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا : تعديت علينا ، قال : إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود : بهذا قامت السماوات والأرض .
وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة .
مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله :
فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه .
قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها .
قال : فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكبر الكبر .
قال ابن هشام : ويقال : كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال : أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ؟
قالوا : يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة .
قال سهل : فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم : وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له : والله ما هكذا كان الشأن ! ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به
ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار : أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
قال بن إسحاق : وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه : دوه أو ائذنوا بحرب . فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر :
قال ابن إسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك .
فأخبرني ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال .
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته .
ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في وجعه الذي قبضه الله فيه : لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال : إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال : خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال : فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي .
فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت لا أدري ، قال : فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال : هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم .
عقوبة كنانة بن الربيع :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟
قال : نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه .
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة .
مصالحة الرسول أهل خيبر :
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين .
فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل .
وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها .
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .
أمر الشاة المسمومة :
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها .
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل .
قال ابن إسحاق : وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر .
قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة .
رجوع الرسول إلى المدينة :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة .
مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول :
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال : فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني .
قال ابن هشام : جذام ، أخو لخم .
قال : فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا : هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر .
قال : فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال : فقال : يقد لك مثلهما من النار .
ابن مغفل وجراب شحم أصابه :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال : أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي .
قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال : قلت : لا والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجاذبني الجراب .
قال : فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك ، خل بينه وبينه . قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه .
بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة :
قال ابن إسحاق : ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك .
فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني .
تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال : من آخر الليل : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ؟ قال بلال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك .
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي . ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟
قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال : صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال : إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( أقم الصلاة لذكري )
شعر لابن القيم في فتح خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر ، فقال ابن لقيم العبسي في خيبر :
رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار
صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار
جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح في الأسحار
ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد أشهل أو بني النجار
ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار
ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار
فرت يهود يوم ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار
تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
قال ابن هشام :فرت : كشفت ، كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها ؛ يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار ، يريد الأنصار .
شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية :
قال ابن إسحاق : وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم .
قال ابن إسحاق : حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن : يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال : على بركة الله .
قالت : فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله . قالت : فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها .
قالت : فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال : ما لك ؟ لعلك نفست ؛ قالت : قلت : نعم ؛ قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك .
قالت : فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً .
قالت : فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها . قالت : وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت .
شهداء خيبر من بني أمية :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى : عبدالله الهبيب ، ويقال : ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم .
من الأنصار :
ومن الأنصار ثم من بني سلمة : بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وفضيل بن النعمان . رجلان .
من زريق :
ومن بني زريق : مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق .
من الأوس :
ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل : محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة .
من بني عمرو :
ومن بني عمرو بن عوف : أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة .
من غفار :
ومن بني غفار : عمارة بن عقبة ، رمي بسهم .
من أسلم :
ومن أسلم : عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم .
قال ابن هشام : الأسود الراعي من أهل خيبر .
من بني زهرة :
ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة : مسعود بن ربيعة حليف لهم من القارة .
من الأنصار :
ومن الأنصار بني عمرو بن عوف : أوس بن قتادة .
أمر الأسود الراعي في حديث خيبر
إسلامه واستشهاده :
قال ابن إسحاق : وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود .
فقال : يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال
فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط .
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين .
قال ابن إسحاق : وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له : أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك .
أمر الحجاج بن علاط السلمي
حيلته في جمع ماله من مكة :
قال ابن إسحاق : ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال : إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال : قل .
قال الحجاج : فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا : الحجاج بن علاط - قال ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز .
قال : قلت : قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال : فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون : إيه يا حجاج ؛ قال : قلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم .
قال : فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا : قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم .
قال : قلت : أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك .
قال ابن هشام : ويقال : من فيء محمد .
العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً :
قال ابن إسحاق : قال : فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به . قال : وجئت صاحبتي فقلت : مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار .
قال : فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال : يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به
قال : فقلت : وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال : نعم قال : قلت : فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ . قال : حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت : احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال : افعل .
قلت : فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني : صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال : ما تقول يا حجاج ؟ قال : قلت : إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب
قال : حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا : يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال : كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا : من جاءك بهذا الخبر ؟
قال : الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا : يا لعباد الله ! انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال : ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك .
شعر حسان في يوم خيبر :
قال ابن إسحاق : وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت :
بئسما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل
كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل
أمن الموت يهبوا فإن الموت * موت الهزال غير جميل
شعر حسان في عذر أيمن لتخلفه عن خيبر :
وقال حسان بن ثابت أيضاً ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، كان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه :
على حين أن قالت لأيمن أمه * جبنت ولم تشهد فوارس خيبر
وأيمن لم يجبن ولكن مهره * أضر به شرب المديد المخمر
ولولا الذي قد كان من شان مهره * لقاتل فيهم فارسا غير أعسر
ولكنه قد صده فعل مهره * وما كان منه عنده غير أيسر
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك ، وأنشدني :
ولكنه قد صده شأن مهره وما * وما كان لولا ذاكم بمقصر
شعر ناجية في يوم خيبر
قال ابن إسحاق : وقال ناجية بن جندب الأسلمي :
يا لعباد الله فيم يرغب * ما هو إلا مأكل ومشرب
وجنة فيها نعيم معجب *
وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضاً :
أنا لمن أنكرني ابن جندب * يا رب قرن في مكري أنكب
طاح بمغدي أنسر وثعلب *
قال ابن هشام : وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله : في مكرى ، وطاح بمغدي .
شعر كعب بن مالك في يوم خيبر :
وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري :
ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مذود
جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد
عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند
يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد
يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد
يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك الفوز والعز في غد
ذكرمقاسم خيبر وأموالها
الشق ونطاة والكتيبة :
قال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم .
عدة من قسمت عليهم خيبر :
وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع .
قال ابن هشام : وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين .
قسمة الأسهم على أربابها :
قال ابن إسحاق : فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام .
قال ابن هشام : وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس .
قال ابن إسحاق : وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس .
فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة .
ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي .
ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى .
ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق .
وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً .
ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً .
ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق .
بسم الله الرحمن الرحيم
عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم :
ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر : قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ولأم رميثة خمسة أوسق .
شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب .
ما أوصى به الرسول عند موته :
قال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال : لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر .
وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان .
أمرفدك في خبر خيبر
مصالحة الرسول أهل فدك :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب .
تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
نسبهم :
وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام : تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن .
قال ابن هشام : ويقال : عزة بن مالك : وأخوه مران بن مالك .
قال ابن هشام : مروان بن مالك .
قال ابن إسحاق : وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله .
خرص ابن رواحة على أهل خيبر :
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا : تعديت علينا ، قال : إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود : بهذا قامت السماوات والأرض .
وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة .
مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله :
فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه .
قال ابن إسحاق : فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال : أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها .
قال : فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكبر الكبر .
قال ابن هشام : ويقال : كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ؟ قالوا : يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال : أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ؟
قالوا : يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة .
قال سهل : فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم : وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له : والله ما هكذا كان الشأن ! ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به
ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار : أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
قال بن إسحاق : وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه : دوه أو ائذنوا بحرب . فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده .
إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر :
قال ابن إسحاق : وسألت ابن شهاب الزهري : كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك .
فأخبرني ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال .
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته .
ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في وجعه الذي قبضه الله فيه : لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال : إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال : خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال : فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي .
فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني : من صنع هذا بك ؟ فقلت لا أدري ، قال : فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال : هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم .
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
تابع خيبر
قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عبدالله بن مكنف أخي بني حارثة قال : لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت ، وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان ، التي كانت عليها .
وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ولعبدالرحمن بن عوف خطر ، ولعمر بن أبي سلمة خطر ، ولعامر بن أبي ربيعة خطر ، ولعمرو بن سراقة خطر ، ولأشيم خطر .
قال ابن هشام : ويقال : ولأسلم ولبني جعفر خطر ، ولمعيقيب خطر ، ولعبدالله بن الأرقم خطر ، ولعبدالله وعبيد الله خطران ، ولابن عبدالله ابن جحش خطر ، ولابن البكير خطر ، ولمعتمر خطر ، ولزيد بن ثابت خطر ، ولأبي بن كعب خطر لمعاذ بن عفراء خطر ، ولأبي طلحة وحسن خطر ، ولجبار بن صخر خطر ، ولجابر بن عبدالله بن رئاب خطر ، ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبدالله بن عمرو خطر ولابن حضير خطر ، ولابن سعد بن معاذ خطر ، ولسلامة بن سلامة خطر ولعبدالرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ، ولأبي عبس بن جبر خطر ، ولمحمد بن مسلمة خطر ، ولعبادة بن طارق خطر .
قال ابن هشام :ويقال : لقتادة .
قال ابن إسحاق : ولجبر بن عتيك نصف خطر ، ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ، ولابن حزمة والضحاك خطر ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما .
قال ابن هشام :الخطر : النصيب ، ويقال : أخطر لي فلان خطراً
تم بعون الله الجزء الرابع من السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الخامس وأوله قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة والمهاجرين معه أعان الله على إتمامه
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة
فرح الرسول بقدوم جعفر :
قال ابن هشام :وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي : أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ، والتزمه وقال : ما أدري بأيهما أنا أسر : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر؟
مهاجرة الحبشة الذين قدم بهم عمرو بن أمية :
قال ابن إسحاق : وكان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فحملهم في سفينتين ، فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية .
من بني هاشم :
من بني هاشم بن عبد مناف : جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب معه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ؛ وابنه عبدالله بن جعفر ، وكانت ولدته بأرض الحبشة . قتل جعفر بمؤتة من أرض الشام أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجل .
من بني عبد شمس :
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد - قال ابن هشام :ويقال : همينة بنت خلف وابناه سعيد بن خالد ، وأمة بنت خالد ، ولدتهما بأرض الحبشة .
قتل خالد بمرج الصفر في خلافة أبي بكر الصديق بأرض الشام ؛ وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني هلكت بأرض الحبشة . قتل عمرو بأجنادين من أرض الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
شعر لسعيد بن العاص لابنه عمرو :
ولعمرو بن سعيد يقول أبوه سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة :
ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً * إذا شب واشتدت يداه وسلحا
أتترك أمر القوم فيه بلابل * تكشف غيظاً كان في الصدر موجحا
شعر أبان بن العاص لأخويه خالد وسعيد ، ورد خالد :
ولعمرو وخالد يقول : أخوهما أبان بن سعيد بن العاص ، حين أسلما ، وكان أبوهم سعيد بن العاص هلك بالظريبة ، من ناحية الطائف ، هلك في مال له بها :
ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد * لما يفتري في الدين عمرو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا * يعينان من أعدائنا من نكايد
فأجابه خالد بن سعيد فقال :
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه * ولا هو من سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره * ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتا قد مشى لسبيله * وأقبل على الأدنى الذي هو أفقر
ومعيقيب بن أبي فاطمة ، خازن عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين وكان إلى آل سعيد بن العاص ؛ وأبو موسى الأشعري عبدالله ابن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أربعة نفر .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي : الأسود بن نوفل بن خويلد . رجل .
من بني عبدالدار :
ومن بني عبدالدار بن قصي : جهم بن قيس بن عبد شرحبيل ، معه ابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم ، وكانت معه امرأته أم حرملة بنت عبدالأسود هلكت بأرض الحبشة ، وابناه لها . رجل .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة بن كلاب : عامر بن أبي وقاص ، وعتبة بن مسعود ، حليف لهم من هذيل . رجلان .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة بن كعب : الحارث بن خالد بن صخر ، وقد كانت معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بأرض الحبشة . رجل .
من بني جمح :
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن ربيعة بن أهبان . رجل .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : محمية بن الجزء ، حليف لهم من بني زبيد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعله على خمس المسلمين . رجل .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : معمر بن عبدالله بن نضلة . رجل .
من بني عامر :
ومن بن عامر بن لؤي بن غالب : أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ؛ ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس ، رجلان .
من بني الحارث :
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : الحارث بن عبد قيس بن لقيط . رجل . وقد كان حمل معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك هنالك من المسلمين .
عدة من حملهم مع عمرو بن أمية :
فهؤلاء الذين حمل النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري في السفينتين ، فجميع من قدم في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر رجلاً .
سائر مهاجرة الحبشة :
وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يقدم إلا بعد بدر ، ولم يحمل النجاشي في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن هلك بأرض الحبشة من مهاجرة الحبشة:
من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي أسد خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان وابنته حبيبة بنت عبيد الله ، وبها كانت تكنى أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكان اسمها رملة .
تنصر ابن جحش بالحبشة وخلف الرسول على امرأته :
خرج مع المسلمين مهاجراً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر بها وفارق الإسلام ، ومات هنالك نصرانياً ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته من بعده أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، قال : خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر ، قال : فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فتحنا وصأصأتم . أي : قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد .
وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ قبل ذلك ، فضرب ذلك له ولهم مثلاً : أي أنا قد فتحنا أعيننا فأبصرنا ، ولم تفتحوا أعينكم فتبصروا ، وأنتم تلتمسون ذلك .
قال ابن إسحاق : وقيس بن عبدالله ، رجل من بني أسد بن خزيمة ، وهو أبو أمية بنت قيس التي كانت مع أم حبيبة ، وامرأته بركة بنت يسار ، مولاة أبي سفيان بن حرب ، كانتا ظئري عبيد الله بن جحش ؛ وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فخرجا بهما معهما حين هاجرا إلى أرض الحبشة . رجلان .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدا لعزى بن قصي : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قتل يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ؛ وعمر بن أمية بن الحارث بن أسد ، هلك بأرض الحبشة . رجلان .
من بني عبدالدار :
ومن بني عبدالدار بن قصي : أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقة بن عبد مناف بن عبدالدار رجلان .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة بن كلاب بن مرة : المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، هلك بأرض الحبشة ، ولدت له هنالك عبدالله بن عبدالمطلب ، فكان يقال : إن كان لأول رجل ورث أباه في الإسلام ، رجل .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي : عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص . رجل .
من بني مخزوم :
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب : هبار بن سفيان بن عبدالأسد . قتل بأجنادين من أرض الشام ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وأخوه عبدالله بن سفيان ، قتل عام اليرموك بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشك فيه أقتل ثم أم لا ؛ وهشام بن أبي حذيفة ابن المغيرة . ثلاثة نفر .
من بني جمح
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابناه محمد والحارث ، معه امرأته فاطمة بنت المجلل .
هلك حاطب هنالك مسلماً ، فقدمت امرأته وابناه ، وهي أمهما ، في إحدى السفينتين وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ، هلك هنالك مسلما فقدمت امرأته فكيهة في إحدى السفينتين ،
وسفيان بن معمر بن حبيب ، وابناه جنادة وجابر ، وأمهما معه حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة ؛ وهلك سفيان وهلك ابناه جنادة وجابر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ستة نفر .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الشاعر ، هلك بأرض الحبشة ، وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وعبدالله بن حذافة بن قيس بن سعد بن سهم ، وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ؛ والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وأخ له من أمه من بني تميم يقال له : سعيد بن عمرو ، قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
وسعيد بن الحارث بن قيس ، قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والسائب بن الحارث بن قيس ، جرح بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتل يوم فحل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويقال : قتل يوم خيبر ، يشك فيه .
وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهمش بن سعد بن سهم ، قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد ، منصرفه من اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . أحد عشر رجلاً .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ، هلك بأرض الحبشة ، وعدي بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان ، هلك بأرض الحبشة . رجلان .
تولية عمر النعمان على ميسان ثم عزله :
وقد كان مع عدي ابنه النعمان بن عدي ، فقدم النعمان مع من قدم من المسلمين من أرض الحبشة ، فبقي حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فاستعمله على ميسان من أرض البصرة ، فقال أبياتاً من شعر ، وهي :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية * ورقاصة تجثو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني * ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغت أبياته عمر ، قال : نعم والله إن ذلك ليسوءني ، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وعزله .
فلما قدم عليه اعتذر إليه وقال : والله يا أمير المؤمنين ، ما صنعت شيئاً مما بلغك أني قلته قط ، ولكني كنت امرأ شاعراً ، وجدت فضلاً من قول ، فقلت فيما تقول الشعراء ؛ فقال له عمر : وأيم الله ، لا تعمل لي على عمل ما بقيت ، وقد قلت ما قلت .
من بني عامر :
ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وهو كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة . رجل .
من بني الحارث :
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد ؛ وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن فهر، وعياض بن زهير بن أبي شداد . ثلاثة نفر .
فجميع من تخلف عن بدر ، ولم يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ومن قدم بعد ذلك ، ومن لم يحمل النجاشي في السفينتين ، أربعة وثلاثون رجلاً .
الهالكون منهم :
وهذه تسمية جملة من هلك منهم ومن أبنائهم بأرض الحبشة :
من بني عبد شمس :
من بني عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب ، حليف بني أمية مات بها نصرانياً .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد
من بني جمح :
ومن بني جمح : حاطب بن الحارث ؛ وأخوه حطاب بن الحارث .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف ، وعدي بن نضلة سبعة نفر .
من الأبناء :
ومن أبنائهم من بني تيم بن مرة : موسى بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر . رجل .
مهاجرات الحبشة :
وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة من النساء ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ست عشرة امرأة ، سوى بناتهن اللاتي ولدن هنالك ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ومن خرج به معهن حين خرجن :
من قريش :
من قريش ، من بني هاشم : رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من بني أمية :
ومن بني أمية : أم حبيبة بنت أبي سفيان ، مع ابنتها حبيبة ، خرجت بها من مكة ورجعت بها معها .
ومن بني مخزوم :
ومن بني مخزوم : أم سلمة بنت أمية ، قدمت معها بزينب ابنتها من أبي سلمة ولدتها هنالك .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة : ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بالطريق ، وبنتان لها كانت ولدتهما هنالك : عائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ، هلكن جميعاً وأخوهن موسى بن الحارث ، من ماء شربوه في الطريق ، وقدمت بنت لها ولدتها هنالك ، فلم يبق من ولدها غيرها ، يقال لها : فاطمة .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو : رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم .
من بني عامر :
ومن بني عامر بن لؤي : سودة بنت زمعة بن قيس ؛ وسهلة بنت سهيل ابن عمرو وابنة المجلل ، وعمرة بنت السعدي بن وقدان ، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو .
من غرائب العرب :
ومن غرائب العرب : أسماء بنت عميس بن النعمان الخثعمية ؛ وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكنانية ، وفكيهة بنت يسار ، وبركة بنت يسار ، وحبيبة ، أم شرحبيل بن حسنة .
أبناؤهم بالحبشة :
وهذه تسمية من ولد من أبنائهم بأرض الحبشة .
من بني عبد شمس :
ومن بني عبد شمس : محمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد بن سعيد ، وأخته أمة بنت خالد .
من بني مخزوم :
ومن بني مخزوم : زينب بنت أبي سلمة بن الأسد .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة : عبدالله بن عبدالمطلب بن أزهر .
من بني تيم :
ومن بني تيم : موسى بن الحارث بن خالد ، وأخواته عائشة بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث .
الذكور منهم :
الرجال منهم خمسة : عبدالله بن جعفر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد وعبدالله بن عبدالمطلب ، وموسى بن الحارث .
الاناث منهم :
ومن النساء خمس : أمة بنت خالد ، وزينب بنت أبي سلمة ، وعائشة وزينب وفاطمة ، بنات الحارث بن خالد بن صخر
قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عبدالله بن مكنف أخي بني حارثة قال : لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت ، وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان ، التي كانت عليها .
وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ولعبدالرحمن بن عوف خطر ، ولعمر بن أبي سلمة خطر ، ولعامر بن أبي ربيعة خطر ، ولعمرو بن سراقة خطر ، ولأشيم خطر .
قال ابن هشام : ويقال : ولأسلم ولبني جعفر خطر ، ولمعيقيب خطر ، ولعبدالله بن الأرقم خطر ، ولعبدالله وعبيد الله خطران ، ولابن عبدالله ابن جحش خطر ، ولابن البكير خطر ، ولمعتمر خطر ، ولزيد بن ثابت خطر ، ولأبي بن كعب خطر لمعاذ بن عفراء خطر ، ولأبي طلحة وحسن خطر ، ولجبار بن صخر خطر ، ولجابر بن عبدالله بن رئاب خطر ، ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبدالله بن عمرو خطر ولابن حضير خطر ، ولابن سعد بن معاذ خطر ، ولسلامة بن سلامة خطر ولعبدالرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ، ولأبي عبس بن جبر خطر ، ولمحمد بن مسلمة خطر ، ولعبادة بن طارق خطر .
قال ابن هشام :ويقال : لقتادة .
قال ابن إسحاق : ولجبر بن عتيك نصف خطر ، ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ، ولابن حزمة والضحاك خطر ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما .
قال ابن هشام :الخطر : النصيب ، ويقال : أخطر لي فلان خطراً
تم بعون الله الجزء الرابع من السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الخامس وأوله قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة والمهاجرين معه أعان الله على إتمامه
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة
فرح الرسول بقدوم جعفر :
قال ابن هشام :وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي : أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ، والتزمه وقال : ما أدري بأيهما أنا أسر : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر؟
مهاجرة الحبشة الذين قدم بهم عمرو بن أمية :
قال ابن إسحاق : وكان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فحملهم في سفينتين ، فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية .
من بني هاشم :
من بني هاشم بن عبد مناف : جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب معه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ؛ وابنه عبدالله بن جعفر ، وكانت ولدته بأرض الحبشة . قتل جعفر بمؤتة من أرض الشام أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجل .
من بني عبد شمس :
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد - قال ابن هشام :ويقال : همينة بنت خلف وابناه سعيد بن خالد ، وأمة بنت خالد ، ولدتهما بأرض الحبشة .
قتل خالد بمرج الصفر في خلافة أبي بكر الصديق بأرض الشام ؛ وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني هلكت بأرض الحبشة . قتل عمرو بأجنادين من أرض الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
شعر لسعيد بن العاص لابنه عمرو :
ولعمرو بن سعيد يقول أبوه سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة :
ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً * إذا شب واشتدت يداه وسلحا
أتترك أمر القوم فيه بلابل * تكشف غيظاً كان في الصدر موجحا
شعر أبان بن العاص لأخويه خالد وسعيد ، ورد خالد :
ولعمرو وخالد يقول : أخوهما أبان بن سعيد بن العاص ، حين أسلما ، وكان أبوهم سعيد بن العاص هلك بالظريبة ، من ناحية الطائف ، هلك في مال له بها :
ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد * لما يفتري في الدين عمرو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا * يعينان من أعدائنا من نكايد
فأجابه خالد بن سعيد فقال :
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه * ولا هو من سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره * ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتا قد مشى لسبيله * وأقبل على الأدنى الذي هو أفقر
ومعيقيب بن أبي فاطمة ، خازن عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين وكان إلى آل سعيد بن العاص ؛ وأبو موسى الأشعري عبدالله ابن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أربعة نفر .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي : الأسود بن نوفل بن خويلد . رجل .
من بني عبدالدار :
ومن بني عبدالدار بن قصي : جهم بن قيس بن عبد شرحبيل ، معه ابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم ، وكانت معه امرأته أم حرملة بنت عبدالأسود هلكت بأرض الحبشة ، وابناه لها . رجل .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة بن كلاب : عامر بن أبي وقاص ، وعتبة بن مسعود ، حليف لهم من هذيل . رجلان .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة بن كعب : الحارث بن خالد بن صخر ، وقد كانت معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بأرض الحبشة . رجل .
من بني جمح :
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب : عثمان بن ربيعة بن أهبان . رجل .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : محمية بن الجزء ، حليف لهم من بني زبيد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعله على خمس المسلمين . رجل .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : معمر بن عبدالله بن نضلة . رجل .
من بني عامر :
ومن بن عامر بن لؤي بن غالب : أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ؛ ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس ، رجلان .
من بني الحارث :
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : الحارث بن عبد قيس بن لقيط . رجل . وقد كان حمل معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك هنالك من المسلمين .
عدة من حملهم مع عمرو بن أمية :
فهؤلاء الذين حمل النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري في السفينتين ، فجميع من قدم في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر رجلاً .
سائر مهاجرة الحبشة :
وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يقدم إلا بعد بدر ، ولم يحمل النجاشي في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن هلك بأرض الحبشة من مهاجرة الحبشة:
من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي أسد خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان وابنته حبيبة بنت عبيد الله ، وبها كانت تكنى أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكان اسمها رملة .
تنصر ابن جحش بالحبشة وخلف الرسول على امرأته :
خرج مع المسلمين مهاجراً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر بها وفارق الإسلام ، ومات هنالك نصرانياً ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته من بعده أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، قال : خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر ، قال : فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فتحنا وصأصأتم . أي : قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد .
وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ قبل ذلك ، فضرب ذلك له ولهم مثلاً : أي أنا قد فتحنا أعيننا فأبصرنا ، ولم تفتحوا أعينكم فتبصروا ، وأنتم تلتمسون ذلك .
قال ابن إسحاق : وقيس بن عبدالله ، رجل من بني أسد بن خزيمة ، وهو أبو أمية بنت قيس التي كانت مع أم حبيبة ، وامرأته بركة بنت يسار ، مولاة أبي سفيان بن حرب ، كانتا ظئري عبيد الله بن جحش ؛ وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فخرجا بهما معهما حين هاجرا إلى أرض الحبشة . رجلان .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدا لعزى بن قصي : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قتل يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ؛ وعمر بن أمية بن الحارث بن أسد ، هلك بأرض الحبشة . رجلان .
من بني عبدالدار :
ومن بني عبدالدار بن قصي : أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقة بن عبد مناف بن عبدالدار رجلان .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة بن كلاب بن مرة : المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، هلك بأرض الحبشة ، ولدت له هنالك عبدالله بن عبدالمطلب ، فكان يقال : إن كان لأول رجل ورث أباه في الإسلام ، رجل .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي : عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص . رجل .
من بني مخزوم :
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب : هبار بن سفيان بن عبدالأسد . قتل بأجنادين من أرض الشام ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وأخوه عبدالله بن سفيان ، قتل عام اليرموك بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشك فيه أقتل ثم أم لا ؛ وهشام بن أبي حذيفة ابن المغيرة . ثلاثة نفر .
من بني جمح
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابناه محمد والحارث ، معه امرأته فاطمة بنت المجلل .
هلك حاطب هنالك مسلماً ، فقدمت امرأته وابناه ، وهي أمهما ، في إحدى السفينتين وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ، هلك هنالك مسلما فقدمت امرأته فكيهة في إحدى السفينتين ،
وسفيان بن معمر بن حبيب ، وابناه جنادة وجابر ، وأمهما معه حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة ؛ وهلك سفيان وهلك ابناه جنادة وجابر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ستة نفر .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الشاعر ، هلك بأرض الحبشة ، وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وعبدالله بن حذافة بن قيس بن سعد بن سهم ، وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ؛ والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وأخ له من أمه من بني تميم يقال له : سعيد بن عمرو ، قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
وسعيد بن الحارث بن قيس ، قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والسائب بن الحارث بن قيس ، جرح بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتل يوم فحل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويقال : قتل يوم خيبر ، يشك فيه .
وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهمش بن سعد بن سهم ، قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد ، منصرفه من اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه . أحد عشر رجلاً .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ، هلك بأرض الحبشة ، وعدي بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان ، هلك بأرض الحبشة . رجلان .
تولية عمر النعمان على ميسان ثم عزله :
وقد كان مع عدي ابنه النعمان بن عدي ، فقدم النعمان مع من قدم من المسلمين من أرض الحبشة ، فبقي حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فاستعمله على ميسان من أرض البصرة ، فقال أبياتاً من شعر ، وهي :
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية * ورقاصة تجثو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني * ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغت أبياته عمر ، قال : نعم والله إن ذلك ليسوءني ، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وعزله .
فلما قدم عليه اعتذر إليه وقال : والله يا أمير المؤمنين ، ما صنعت شيئاً مما بلغك أني قلته قط ، ولكني كنت امرأ شاعراً ، وجدت فضلاً من قول ، فقلت فيما تقول الشعراء ؛ فقال له عمر : وأيم الله ، لا تعمل لي على عمل ما بقيت ، وقد قلت ما قلت .
من بني عامر :
ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر : سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وهو كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة . رجل .
من بني الحارث :
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك : عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد ؛ وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن فهر، وعياض بن زهير بن أبي شداد . ثلاثة نفر .
فجميع من تخلف عن بدر ، ولم يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ومن قدم بعد ذلك ، ومن لم يحمل النجاشي في السفينتين ، أربعة وثلاثون رجلاً .
الهالكون منهم :
وهذه تسمية جملة من هلك منهم ومن أبنائهم بأرض الحبشة :
من بني عبد شمس :
من بني عبد شمس بن عبد مناف : عبيد الله بن جحش بن رئاب ، حليف بني أمية مات بها نصرانياً .
من بني أسد :
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد
من بني جمح :
ومن بني جمح : حاطب بن الحارث ؛ وأخوه حطاب بن الحارث .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : عبدالله بن الحارث بن قيس .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي : عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف ، وعدي بن نضلة سبعة نفر .
من الأبناء :
ومن أبنائهم من بني تيم بن مرة : موسى بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر . رجل .
مهاجرات الحبشة :
وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة من النساء ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ست عشرة امرأة ، سوى بناتهن اللاتي ولدن هنالك ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ومن خرج به معهن حين خرجن :
من قريش :
من قريش ، من بني هاشم : رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من بني أمية :
ومن بني أمية : أم حبيبة بنت أبي سفيان ، مع ابنتها حبيبة ، خرجت بها من مكة ورجعت بها معها .
ومن بني مخزوم :
ومن بني مخزوم : أم سلمة بنت أمية ، قدمت معها بزينب ابنتها من أبي سلمة ولدتها هنالك .
من بني تيم :
ومن بني تيم بن مرة : ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بالطريق ، وبنتان لها كانت ولدتهما هنالك : عائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ، هلكن جميعاً وأخوهن موسى بن الحارث ، من ماء شربوه في الطريق ، وقدمت بنت لها ولدتها هنالك ، فلم يبق من ولدها غيرها ، يقال لها : فاطمة .
من بني سهم :
ومن بني سهم بن عمرو : رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم .
من بني عامر :
ومن بني عامر بن لؤي : سودة بنت زمعة بن قيس ؛ وسهلة بنت سهيل ابن عمرو وابنة المجلل ، وعمرة بنت السعدي بن وقدان ، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو .
من غرائب العرب :
ومن غرائب العرب : أسماء بنت عميس بن النعمان الخثعمية ؛ وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكنانية ، وفكيهة بنت يسار ، وبركة بنت يسار ، وحبيبة ، أم شرحبيل بن حسنة .
أبناؤهم بالحبشة :
وهذه تسمية من ولد من أبنائهم بأرض الحبشة .
من بني عبد شمس :
ومن بني عبد شمس : محمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد بن سعيد ، وأخته أمة بنت خالد .
من بني مخزوم :
ومن بني مخزوم : زينب بنت أبي سلمة بن الأسد .
من بني زهرة :
ومن بني زهرة : عبدالله بن عبدالمطلب بن أزهر .
من بني تيم :
ومن بني تيم : موسى بن الحارث بن خالد ، وأخواته عائشة بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث .
الذكور منهم :
الرجال منهم خمسة : عبدالله بن جعفر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد وعبدالله بن عبدالمطلب ، وموسى بن الحارث .
الاناث منهم :
ومن النساء خمس : أمة بنت خالد ، وزينب بنت أبي سلمة ، وعائشة وزينب وفاطمة ، بنات الحارث بن خالد بن صخر
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع
خروج الرسول معتمراً في ذي القعدة :
قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها .
ابن الأضبط على المدينة :
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي .
سبب تسميتها بعمرة القصاص :
ويقال لها عمرة القصاص ، لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست ، فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فدخل مكة في ذي القعدة ، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه ، من سنة سبع .
وبلغنا عن ابن عباس أنه قال : فأنزل الله في ذلك : ( والحرمات قصاص ) .
خروج المسلمين الذين صدوا أولا معه :
قال ابن إسحاق : وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك ، وهي سنة سبع ، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه ، وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسرة وجهد وشدة .
سبب الهرولة بين الصفا والمروة :
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس ، قال : صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ؛ فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ، وأخرج عضده اليمنى ، ثم قال : رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ، ثم استلم الركن ، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه ، حتى إذا واراه البيت منهم ، واستلم الركن اليماني ، مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ، ومشى سائرها .
فكان ابن عباس يقول : كان الناس يظنون أنها ليست عليهم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش الذي بلغه عنهم ، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها ، فمضت السنة بها .
ارتجاز ابن رواحة وهو يقود ناقة الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبدالله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيلة * أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن هشام : نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات ، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل .
زواج الرسول بميمونة :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام ، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب .
قال ابن هشام : وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل ، وكانت أم الفضل تحت العباس ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم .
إرسال قريش حويطباً إلى الرسول يطلب منه الخروج من مكة :
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً ، فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، في نفر من قريش في اليوم الثالث ، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ؛ فقالوا له : إنه قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم ، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه قالوا : لا حاجة لنا في طعامك ، فاخرج عنا . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة ، حتى أتاه بها بسرف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة .
ما نزل من القرآن في عمرة القضاء :
قال ابن هشام : فأنزل الله عز وجل عليه ، فيما حدثني أبو عبيدة : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ، فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ) يعني : خيبر .
ذكر غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ومقتل جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة
قال ابن إسحاق : فأقام بها بقية ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون ، والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة .
بعث الرسول إلى مؤتة واختياره الأمراء :
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبدالله ابن رواحة على الناس .
ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم .
بكاء ابن رواحة مخافة النار وشعره للرسول :
فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف ، فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فلما ودع عبدالله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى ؛ فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ، يذكر فيها النار ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؛ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ؛ فقال عبدالله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا
قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال :
فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * الله يعلم أني ثابت البصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات :
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن * في المرسلين ونصرا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * فراسة خالفت فيك الذي نظروا يعني المشركين ؛ وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبدالله بن رواحة :
خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل
تخوف الناس من لقاء هرقل وشعر ابن رواحة يشجعهم :
ثم مضوا حتى نزلوا معان ، في أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة ، يقال له : مالك بن زافلة .
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره ، فنمضي له .
تشجيع ابن رواحة للناس على القتال :
قال : فشجع الناس عبدالله بن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن التي تكرهون ، للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة .
قال : فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة . فمضى الناس فقال عبدالله بن رواحة في محبسهم ذلك :
جلبنا الخيل من أجإ وفرع * تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم
فلا وأبى مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم
فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها بريم
بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها والنجوم
فراضية المعيشة طلقتها * أسنتها فتنكح أو تئيم
قال ابن هشام : ويروى جلبنا الخيل من آجام قرح ، وقوله : فعبأنا أعنتها عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم ، قال : كنت يتيماً لعبدالله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله ، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه :
إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشام مشتهى الثواء
وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء
فلما سمعتهن منه بكيت . قال : فخفقني بالدرة ، وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل !
قال : ثم قال عبدالله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز :
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل
لقاء الروم :
قال ابن إسحاق : فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لها المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة ، يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له : عباية بن مالك .
قال ابن هشام : ويقال : عبادة بن مالك .
مقتل زيد بن حارثة :
قال ابن إسحاق : ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم .
إمارة جعفر ومقتله :
ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل . فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام .
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها
والروم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها *
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم : أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء . ويقال : إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة ، فقطعه بنصفين .
مقتل عبدالله بن رواحة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، قال : فلما قتل جعفر أخذ عبدالله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم قال :
أقسمت يا نفس لتنزلنه * لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه * ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال أيضاً :
يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت
يريد صاحبيه : زيداً وجعفراً ؛ ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل .
إمارة خالد وحسن تصرفه :
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل .
فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ؛ فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس .
الرسول يتنبأ بما حدث :
قال ابن إسحاق : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ قال : ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبدالله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً .
ثم قال : لقد رفعوا إلى الجنة ،فيما يرى النائم ، على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت : عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبدالله بعض التردد ، ثم مضى .
حزن الرسول على جعفر ووصيته بآله :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية ، عن أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا - قال ابن هشام : ويروى أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم .
قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتني ببني جعفر ؛ قالت : فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم ، أصيبوا هذا اليوم .
قالت : فقمت أصيح ، واجتمعت إلي النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال : لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
وحدثني عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن .
قالت : فدخل عليه رجل فقال : يا رسول الله ، إن النساء عنيننا وفتننا ؛ قال : فارجع إليهن فأسكتهن . قالت : فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك - قال : تقول وربما ضر التكلف أهله - قالت : قال : فاذهب فأسكتهن ، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب قالت : وقلت في نفسي : أبعدك الله ! فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب .
شعر قطبة في قتله ابن زافلة في غزوة مؤتة :
قال ابن إسحاق : وقد كان قطبة بن قتادة العذري ، الذي كان على ميمنة المسلمين ، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله ، فقال قطبة بن قتادة :
طعنت ابن زافلة بن الإرا * ش برمح مضى فيه ثم انحطم
ضربت على جيده ضربة * فمال كما مال غصن السلم
وسقنا نساء بني عمه * غداة رقوقين سوق النعم
قال ابن هشام : قوله : ابن الإراش عن غير ابن إسحاق .
والبيت الثالث عن خلاد بن قرة ؛ ويقال : مالك بن رافلة :
ما قالته كاهنة حدس :
قال ابن إسحاق : وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قد قالت لقومها من حدس ، وقومها بطن يقال لهم : بنو غنم أنذركم قوماً خزراً ، ينظرون شزراً ، ويقودون الخيل تترى ، ويهريقون دما عكراً فأخذوا بقولها ، واعتزلوا من بين لخم ؛ فلم تزل بعد أثرى حدس . وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة ، بطن من حدس ، فلم يزالوا قليلاً بعد . فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلاً .
الرسول يلتقي بالأبطال :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون .
قال : ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة ، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطوني ابن جعفر . فأتي بعبدالله فأخذه فحمله بين يديه .
قال : وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ، ويقولون : يا فرار ، فررتم في سبيل الله ! قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليسوا بالفرار ، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبدالله بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هشام : وهم أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟
قالت : والله ما يستطيع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس يا فرار ، فررتم في سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما خرج .
ما قيل من الشعر في غزوة مؤتة ما قاله ابن المسحر
قال ابن إسحاق : وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ، قيس بن المسحر اليعمري ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس .
فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل
وقفت بها لا مستجيرا فنافذا * ولا مانعا من كان حم له القتل
على أنني آسيت نفسي بخالد * ألا خالد في القوم ليس له مثل
وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل
وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عزل
فتبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره ، أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت ، وحقق انحياز خالد بمن معه .
قال ابن هشام : فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه : أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
حسان بن ثابت يبكي شهداء مؤتة
قال ابن إسحاق : وكان مما بكى به أصحاب مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان بن ثابت :
تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر
بلى إن فقدان الحبيب بلية * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر
رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوب وخلفا بعدهم يتأخر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبدالله حين تتابعوا * جميعاً وأسباب المنية تخطر
غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة مجسر
فطاعن حتى مال غير موسد * لمعترك فيه قنا متكسر
فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر
وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وأمراً حازماً حين يأمر
فما زال في الإسلام من آل هاشم * دعائم عز لا يزلن ومفخر
هم جبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يروق ويقهر
بها ليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم أحمد المتخير
وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر
بهم تفرج اللأواء في كل مأزق * عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
هم أولياء الله أنزل حكمه * عليهم ، وفيهم ذا الكتاب المطهر
شعر كعب بن مالك في غزوة مؤتة :
وقال كعب بن مالك :
نام العيون ودمع عينك يهمل * سحاً وكف الطباب المخضل
في ليلة وردت علي همومها * طورا أحن وتارة أتململ
واعتادني حزن فبت كأنني * ببنات نعش والسماك موكل
وكأنما بين الجوانح والحشى * مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا * يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى ا لإله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم * حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
فمضوا أمام المسلمين كأنهم * فنق عليهن الحديد المرفل
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم فنعم الأول
حتى تفرجت الصفوف وجعفر * حيث التقى وعث الصفوف مجدل
فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قرم علا بنيانه من هاشم * فرعا أشم وسؤدداً ما ينقل
قوم بهم عصم الإله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل
فضلوا المعاشر عزة وتكرما * وتغمدت أحلامهم من يجهل
لا يطلقون إلى السفاه حباهم * ويرى خطيبهم بحق يفصل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
يهديهم رضي الإله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل
حسان يبكي جعفراً بعد غزوة مؤتة :
وقال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه :
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر * حب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها
بالبيض حين تسل من أغمادها * ضربا وإنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر * خير البرية كلها وأجلها
رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً * وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل * كذباً ، وأنداها يداً وأقلها
فحشا ، وأكثرها إذا ما يجتدى * فضلاً ، وأبذلها ندى وأبلها
بالعرف غير محمد لا مثله * حي من أحياء البرية كلها
حسان يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة بعد مؤتة :
وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة :
عين جودي بدمعك المنزور * واذكري في الرخاء أهل القبور
واذكري مؤتة وما كان فيها * يوم راحوا في وقعة التغوير
حين راحوا وغادروا ثم زيداً * نعم مأوى الضريك والمأسور
حب خير الأنام طرا جميعا * سيد الناس حبه في الصدور
ذاكم أحمد الذي لا سواه * ذاك حزني له معا وسروري
إن زيدا قد كان منا بأمر * ليس أمر المكذب المغرور
ثم جودي للخزرجي بدمع * سيداً كان ثم غير نزور
قد أتانا من قتلهم ما كفانا * فبحزن نبيت غير سرور
قول أحد الشعراء بعد رجوعه من مؤتة :
وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة
كفى حزنا أني رجعت وجعفر * وزيد وعبدالله في رمس أقبر
قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم * وخلفت للبلوى مع المتغبر
ثلاثة رهط قدموا فتقدموا * إلى ورد مكروه من الموت أحمر
تسمية شهداء مؤتة :
وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة .
من بني هاشم :
من قريش ، ثم من بني هاشم : جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيد بن حارثة رضي الله عنه .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب : مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة .
من بني مالك :
ومن بني مالك بن حسل : وهب بن سعد بن أبي سرح .
من الأنصار :
ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج : عبدالله بن رواحة ، وعباد بن قيس
ومن بني غنم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة ابن عبد بن عوف بن غنم .
ومن بني مازن بن النجار : سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء .
من ذكرهم ابن هشام :
قال ابن هشام : وممن استشهد يوم مؤتة ، فيما ذكر ابن شهاب :
من بني مازن بن النجار : أبو كليب وجابر ، ابنا عمرو بن زيد بن عوف ابن مبذول وهما لأب وأم .
ومن بني مالك بن أفصى : عمرو وعامر ، ابنا سعد بن الحارث بن عباد ابن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى .
قال ابن هشام : ويقال : أبو كلاب وجابر ، ابنا عمرو .
خروج الرسول معتمراً في ذي القعدة :
قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها .
ابن الأضبط على المدينة :
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي .
سبب تسميتها بعمرة القصاص :
ويقال لها عمرة القصاص ، لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست ، فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فدخل مكة في ذي القعدة ، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه ، من سنة سبع .
وبلغنا عن ابن عباس أنه قال : فأنزل الله في ذلك : ( والحرمات قصاص ) .
خروج المسلمين الذين صدوا أولا معه :
قال ابن إسحاق : وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك ، وهي سنة سبع ، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه ، وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسرة وجهد وشدة .
سبب الهرولة بين الصفا والمروة :
قال ابن إسحاق : فحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس ، قال : صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ؛ فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ، وأخرج عضده اليمنى ، ثم قال : رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ، ثم استلم الركن ، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه ، حتى إذا واراه البيت منهم ، واستلم الركن اليماني ، مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ، ومشى سائرها .
فكان ابن عباس يقول : كان الناس يظنون أنها ليست عليهم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش الذي بلغه عنهم ، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها ، فمضت السنة بها .
ارتجاز ابن رواحة وهو يقود ناقة الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبدالله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيلة * أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن هشام : نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات ، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل .
زواج الرسول بميمونة :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام ، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب .
قال ابن هشام : وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل ، وكانت أم الفضل تحت العباس ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم .
إرسال قريش حويطباً إلى الرسول يطلب منه الخروج من مكة :
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً ، فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، في نفر من قريش في اليوم الثالث ، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ؛ فقالوا له : إنه قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم ، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه قالوا : لا حاجة لنا في طعامك ، فاخرج عنا . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة ، حتى أتاه بها بسرف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة .
ما نزل من القرآن في عمرة القضاء :
قال ابن هشام : فأنزل الله عز وجل عليه ، فيما حدثني أبو عبيدة : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ، فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ) يعني : خيبر .
ذكر غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ومقتل جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة
قال ابن إسحاق : فأقام بها بقية ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون ، والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة .
بعث الرسول إلى مؤتة واختياره الأمراء :
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبدالله ابن رواحة على الناس .
ومن بني عدي بن كعب : ليلى بنت أبي حثمة بن غانم .
بكاء ابن رواحة مخافة النار وشعره للرسول :
فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف ، فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم . فلما ودع عبدالله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى ؛ فقالوا : ما يبكيك يا ابن رواحة ؟ فقال : أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ، يذكر فيها النار ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً ) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؛ فقال المسلمون : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ؛ فقال عبدالله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا
قال ابن إسحاق : ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال :
فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * الله يعلم أني ثابت البصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات :
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن * في المرسلين ونصرا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * فراسة خالفت فيك الذي نظروا يعني المشركين ؛ وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : ثم خرج القوم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبدالله بن رواحة :
خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل
تخوف الناس من لقاء هرقل وشعر ابن رواحة يشجعهم :
ثم مضوا حتى نزلوا معان ، في أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة ، يقال له : مالك بن زافلة .
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره ، فنمضي له .
تشجيع ابن رواحة للناس على القتال :
قال : فشجع الناس عبدالله بن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن التي تكرهون ، للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة .
قال : فقال الناس : قد والله صدق ابن رواحة . فمضى الناس فقال عبدالله بن رواحة في محبسهم ذلك :
جلبنا الخيل من أجإ وفرع * تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم
فلا وأبى مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم
فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها بريم
بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها والنجوم
فراضية المعيشة طلقتها * أسنتها فتنكح أو تئيم
قال ابن هشام : ويروى جلبنا الخيل من آجام قرح ، وقوله : فعبأنا أعنتها عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم ، قال : كنت يتيماً لعبدالله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله ، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه :
إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشام مشتهى الثواء
وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء
فلما سمعتهن منه بكيت . قال : فخفقني بالدرة ، وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل !
قال : ثم قال عبدالله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز :
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل
لقاء الروم :
قال ابن إسحاق : فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لها المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة ، يقال له : قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له : عباية بن مالك .
قال ابن هشام : ويقال : عبادة بن مالك .
مقتل زيد بن حارثة :
قال ابن إسحاق : ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم .
إمارة جعفر ومقتله :
ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل . فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام .
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال : والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول :
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها
والروم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها *
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم : أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء . ويقال : إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة ، فقطعه بنصفين .
مقتل عبدالله بن رواحة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، قال : فلما قتل جعفر أخذ عبدالله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم قال :
أقسمت يا نفس لتنزلنه * لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه * ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال أيضاً :
يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت
يريد صاحبيه : زيداً وجعفراً ؛ ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال : وأنت في الدنيا ! ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل .
إمارة خالد وحسن تصرفه :
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل .
فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ؛ فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس .
الرسول يتنبأ بما حدث :
قال ابن إسحاق : ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ قال : ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبدالله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً .
ثم قال : لقد رفعوا إلى الجنة ،فيما يرى النائم ، على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت : عم هذا ؟ فقيل لي : مضيا وتردد عبدالله بعض التردد ، ثم مضى .
حزن الرسول على جعفر ووصيته بآله :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية ، عن أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت : لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا - قال ابن هشام : ويروى أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم .
قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتني ببني جعفر ؛ قالت : فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم ، أصيبوا هذا اليوم .
قالت : فقمت أصيح ، واجتمعت إلي النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال : لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم .
وحدثني عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن .
قالت : فدخل عليه رجل فقال : يا رسول الله ، إن النساء عنيننا وفتننا ؛ قال : فارجع إليهن فأسكتهن . قالت : فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك - قال : تقول وربما ضر التكلف أهله - قالت : قال : فاذهب فأسكتهن ، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب قالت : وقلت في نفسي : أبعدك الله ! فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب .
شعر قطبة في قتله ابن زافلة في غزوة مؤتة :
قال ابن إسحاق : وقد كان قطبة بن قتادة العذري ، الذي كان على ميمنة المسلمين ، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله ، فقال قطبة بن قتادة :
طعنت ابن زافلة بن الإرا * ش برمح مضى فيه ثم انحطم
ضربت على جيده ضربة * فمال كما مال غصن السلم
وسقنا نساء بني عمه * غداة رقوقين سوق النعم
قال ابن هشام : قوله : ابن الإراش عن غير ابن إسحاق .
والبيت الثالث عن خلاد بن قرة ؛ ويقال : مالك بن رافلة :
ما قالته كاهنة حدس :
قال ابن إسحاق : وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قد قالت لقومها من حدس ، وقومها بطن يقال لهم : بنو غنم أنذركم قوماً خزراً ، ينظرون شزراً ، ويقودون الخيل تترى ، ويهريقون دما عكراً فأخذوا بقولها ، واعتزلوا من بين لخم ؛ فلم تزل بعد أثرى حدس . وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة ، بطن من حدس ، فلم يزالوا قليلاً بعد . فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلاً .
الرسول يلتقي بالأبطال :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال : لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون .
قال : ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة ، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطوني ابن جعفر . فأتي بعبدالله فأخذه فحمله بين يديه .
قال : وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ، ويقولون : يا فرار ، فررتم في سبيل الله ! قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليسوا بالفرار ، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبدالله بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هشام : وهم أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟
قالت : والله ما يستطيع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس يا فرار ، فررتم في سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما خرج .
ما قيل من الشعر في غزوة مؤتة ما قاله ابن المسحر
قال ابن إسحاق : وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ، قيس بن المسحر اليعمري ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس .
فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل
وقفت بها لا مستجيرا فنافذا * ولا مانعا من كان حم له القتل
على أنني آسيت نفسي بخالد * ألا خالد في القوم ليس له مثل
وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل
وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عزل
فتبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره ، أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت ، وحقق انحياز خالد بمن معه .
قال ابن هشام : فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه : أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
حسان بن ثابت يبكي شهداء مؤتة
قال ابن إسحاق : وكان مما بكى به أصحاب مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان بن ثابت :
تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر
بلى إن فقدان الحبيب بلية * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر
رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوب وخلفا بعدهم يتأخر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبدالله حين تتابعوا * جميعاً وأسباب المنية تخطر
غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة مجسر
فطاعن حتى مال غير موسد * لمعترك فيه قنا متكسر
فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر
وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وأمراً حازماً حين يأمر
فما زال في الإسلام من آل هاشم * دعائم عز لا يزلن ومفخر
هم جبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يروق ويقهر
بها ليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم أحمد المتخير
وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر
بهم تفرج اللأواء في كل مأزق * عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
هم أولياء الله أنزل حكمه * عليهم ، وفيهم ذا الكتاب المطهر
شعر كعب بن مالك في غزوة مؤتة :
وقال كعب بن مالك :
نام العيون ودمع عينك يهمل * سحاً وكف الطباب المخضل
في ليلة وردت علي همومها * طورا أحن وتارة أتململ
واعتادني حزن فبت كأنني * ببنات نعش والسماك موكل
وكأنما بين الجوانح والحشى * مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا * يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى ا لإله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم * حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
فمضوا أمام المسلمين كأنهم * فنق عليهن الحديد المرفل
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم فنعم الأول
حتى تفرجت الصفوف وجعفر * حيث التقى وعث الصفوف مجدل
فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قرم علا بنيانه من هاشم * فرعا أشم وسؤدداً ما ينقل
قوم بهم عصم الإله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل
فضلوا المعاشر عزة وتكرما * وتغمدت أحلامهم من يجهل
لا يطلقون إلى السفاه حباهم * ويرى خطيبهم بحق يفصل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
يهديهم رضي الإله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل
حسان يبكي جعفراً بعد غزوة مؤتة :
وقال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه :
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر * حب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها
بالبيض حين تسل من أغمادها * ضربا وإنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر * خير البرية كلها وأجلها
رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً * وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل * كذباً ، وأنداها يداً وأقلها
فحشا ، وأكثرها إذا ما يجتدى * فضلاً ، وأبذلها ندى وأبلها
بالعرف غير محمد لا مثله * حي من أحياء البرية كلها
حسان يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة بعد مؤتة :
وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة :
عين جودي بدمعك المنزور * واذكري في الرخاء أهل القبور
واذكري مؤتة وما كان فيها * يوم راحوا في وقعة التغوير
حين راحوا وغادروا ثم زيداً * نعم مأوى الضريك والمأسور
حب خير الأنام طرا جميعا * سيد الناس حبه في الصدور
ذاكم أحمد الذي لا سواه * ذاك حزني له معا وسروري
إن زيدا قد كان منا بأمر * ليس أمر المكذب المغرور
ثم جودي للخزرجي بدمع * سيداً كان ثم غير نزور
قد أتانا من قتلهم ما كفانا * فبحزن نبيت غير سرور
قول أحد الشعراء بعد رجوعه من مؤتة :
وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة
كفى حزنا أني رجعت وجعفر * وزيد وعبدالله في رمس أقبر
قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم * وخلفت للبلوى مع المتغبر
ثلاثة رهط قدموا فتقدموا * إلى ورد مكروه من الموت أحمر
تسمية شهداء مؤتة :
وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة .
من بني هاشم :
من قريش ، ثم من بني هاشم : جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيد بن حارثة رضي الله عنه .
من بني عدي :
ومن بني عدي بن كعب : مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة .
من بني مالك :
ومن بني مالك بن حسل : وهب بن سعد بن أبي سرح .
من الأنصار :
ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج : عبدالله بن رواحة ، وعباد بن قيس
ومن بني غنم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة ابن عبد بن عوف بن غنم .
ومن بني مازن بن النجار : سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء .
من ذكرهم ابن هشام :
قال ابن هشام : وممن استشهد يوم مؤتة ، فيما ذكر ابن شهاب :
من بني مازن بن النجار : أبو كليب وجابر ، ابنا عمرو بن زيد بن عوف ابن مبذول وهما لأب وأم .
ومن بني مالك بن أفصى : عمرو وعامر ، ابنا سعد بن الحارث بن عباد ابن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى .
قال ابن هشام : ويقال : أبو كلاب وجابر ، ابنا عمرو .
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
ذكر الأسباب الموجبة للسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان
القتال بين بكر وخزاعة :
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا .
ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له : الوتير ، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة أن رجلاً من بني الحضرمي ، واسمه مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجراً ، فلما توسط أرض خزاعة ، عدوا عليه فقتلوه ، وأخذوا ماله .
فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزان الديلي - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم .
قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من بني الديل ، قال : كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين ، ونودي دية دية ، لفضلهم فينا .
قال ابن إسحاق : فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام ، وتشاغل الناس به . فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم .
كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وغيرهم من علمائنا : أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده .
قال ابن إسحاق : فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ، ماء لهم ، فأصابوا منهم رجلاًوتحاوزوا واقتتلوا .
ورفدت بني بكر قريش بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال : كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له : منبه .
وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له : تميم بن أسد ، وقال له منبه : يا تميم انج بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد أنبت فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكةلجئوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له : رافع فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره من منبه :
شعر تميم يعتذر من فراره عن منبه :
لما رأيت بني نفاثة أقبلوا * يغشون كل وتيرة وحجاب
صخراً ورزناً لا عريب سواهم * يزجون كل مقلص خناب
وذكرت ذحلاً عندنا متقادما * فيما مضى من سالف الأحقاب
ونشيت ريح الموت من تلقائهم * ورهبت وقع مهند قضاب
وعرفت أن من يثقفوه يتركوا * لحما لمجرية وشلو غراب
قومت رجلا لا أخاف عثارها * وطرحت بالمتن العراء ثيابي
ونجوت لا ينجو نجائي أحقب * علج أقب مشمر الأقراب
تلحى ولو شهدت لكان نكيرها * بولاً يبل مشافر القبقاب
القوم أعلم ما تركت منبها * عن طيب نفس فاسألي أصحابي
قال ابن هشام : وتروى لحبيب بن عبدالله الأعلم الهذلي . وبيته : وذكرت ذحلا عندنا متقادما ، عن أبي عبيدة ، وقوله : خناب ، وعلج أقب مشمر الأقراب عنه أيضاً .
شعر الأخزر فيما وقع بين خزاعة وبكر
قال ابن إسحاق : وقال الأخزر بن لعط الديلي ، فيما كان بين كنانة وخزاعة في تلك الحرب :
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل
حبسناهم في دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل
بدار الذليل الأخذ الضيم بعدما * شفينا النفوس منهم بالمناصل
حبسناهم حتى إذا طال يومهم * نفحنا لهم من كل شعب بوابل
نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود تبارى فيهم بالقواصل
هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم * وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل
كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * بفا ثور حفان النعام الجوافل
بديل بن عبد مناة يرد على الأخزر:
فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب ، وكان يقال له : بديل بن أم أصرم ، فقال :
تفاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيداً يندوهم غير نافل
أمن حنيفة القوم الألى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آئل
وفي كل يوم نحن نحبو حباءنا * لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
ونحن منعنا بين بيض وعتود * إلى خيف رضوى من مجر القنابل
ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل
أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون أن لم نقاتل
كذبتم وبيت الله ما إن قتلتم * ولكن تركنا أمركم في بلابل
قال ابن هشام : قوله : غير نافل ، وقوله : إلى خيف رضوى ، عن غير ابن إسحاق
شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة :
قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت في ذلك :
لحا الله قوما لم ندع من سراتهم * لهم أحدا يندوهم غير ناقب
أخصيي حمار مات بالأمس نوفلاً * متى كنت مفلاحاً عدو الحقائب
خزاعة تستنجد بالرسول :
قال ابن إسحاق : فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده وعهده ، خرج عمرو بن سالم الخزاعى ، ثم أحد بني كعب ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس ، فقال :
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعوا أحدا * وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا سجدا
يقول : قتلنا وقد أسلمنا .
قال ابن هشام : ويروى أيضاً :
فانصر هداك الله نصرا أيدا *
قال ابن هشام : ويروى أيضاً :
نحن ولدناك فكنت ولدا *
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم . ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء ، فقال : إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب .
ذهاب ابن ورقاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شاكياً وتعرف أبي سفيان أمره :
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة .
ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذين صنعوا .
فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ؛ قال : أو ما جئت محمداً ؟ قال : لا ؛ فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته ، فرأى فيه النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً .
خروج أبي إلى المدينة سفيان للصلح وإخفاقة :
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر .
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال : أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به .
ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى رسول الله ؛ فقال : ويحك يا أبا سفيان ! والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه .
فالتفت إلى فاطمة ، فقال : يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
قالت : والله ما بلغ بني ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني ؛ قال : والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال : أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ؟
قال : لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : أيها الناس إني أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا : ما وراءك ؟
قال : جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو
قال ابن هشام : أعدى العدو .
قال ابن إسحاق : ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ؛ قالوا : فهل أجاز لك محمد ؟ قال : لا ، قالوا : ويلك ! والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت . قال : لا والله ، ما وجدت غير ذلك .
الاستعداد لفتح مكة :
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : أي بنية : أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه
قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا والله ما أدري . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها . فتجهز الناس .
حسان يحث الناس على فتح مكة :
فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ، ويذكر مصاب رجال خزاعة :
عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو وخزها وعقابها
وصفوان عود حن من شفراسته * فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا بن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها
قال ابن هشام : قول حسان : بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ، يعني : قريشاً ؛ وابن أم مجالد ، يعني : عكرمة بن أبي جهل .
كتاب حاطب يحذر أهل مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم .
ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به .
الخبر من السماء بما فعل حاطب :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بني أبي أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً .
فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فلما رأت الجد منه ، قالت : أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه .
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً فقال : يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم .
فأنزل الله تعالى في حاطب : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) إلى قوله : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) . . . إلى آخر القصة .
خروج الرسول إلى مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم ، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر .
تلمس قريش أخباره عليه السلام :
قال ابن إسحاق : ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسبعت سليم ، وبعضهم يقول ألفت سليم ، وألفت مزينة ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف عنه منهم أحد .
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولايدرون ما هو فاعل
وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار ، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به ، وقد كان العباس بن عبدالمطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق .
هجرة العباس :
قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيماً بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري .
إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي أمية :
قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك ؛ قال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال .
قال : فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له . فقال : والله ليأذنن لي أو لأخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ؛ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما .
ما أنشده أبو سفيان في إسلامه :
وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى منه ، فقال :
لعمرك إني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدي وأهتدي
هداني هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد
أصد وأنأى جاهداً عن محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
هم ما هم من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأي يلم ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم أهد في كل مقعد
فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك : غيري أوعدي
فما كنت في الجيش الذي نال عامراً * وما كان عن جرا لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد
قال ابن هشام : ويروى : ودلني على الحق من طردت كل مطرد .
قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ونالني مع الله من طردت كل مطرد ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال : أنت طردتني كل مطرد .
إسلام أبي سفيان على يدي العباس بن عبدالمطلب :
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، قال العباس بن عبدالمطلب : فقلت : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر .
قال : فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، فخرجت عليها . قال : حتى جئت الأراك ، فقلت : لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة .
قال : فوالله إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً ، قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان : خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال : أبو الفضل ؟ قال : قلت : نعم ، قال : ما لك ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك ؛ قال : فركب خلفي ورجع صاحباه .
قال : فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها ، قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته .
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ، قال : أبا سفيان عدو الله ! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة ، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء .
قال : فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت برأسه ، فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل ؛ فلما أكثر عمر في شأنه ، قال : قلت : مهلاً يا عمر ، فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ؛ فقال : مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ؛ قال : فذهبت به إلى رحلي ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! والله قد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأ مي ، ما أحملك وأكرمك وأوصلك ! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً .
فقال له العباس : ويحك ! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم .
قال العباس : قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها .
قال : فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي ، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه .
عرض الجيش على أبي سفيان :
قال : ومرت القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال : يا عباس من هذه ؟ فأقول : سليم ، فيقول : ما لي ولسليم ، ثم تمر القبيلة فيقول : يا عباس ، من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ، حتى نفذت القبائل ، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها ، فإذا أخبرته بهم ، قال : ما لي ولبني فلان ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء .
كتيبته صلى الله عليه وسلم في فتح مكة :
قال ابن هشام : وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها .
قال الحارث بن حلزة اليشكري :
ثم حجرا أعنى ابن أم قطام * وله فارسية خضراء
يعنى : الكتيبة ، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال حسان بن ثابت الأنصاري :
لما رأى بدراً تسيل جلاهه * بكتيبة خضراء من بلخزرج
وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر .
قال ابن إسحاق : فيها المهاجرون والأنصار ، رضي الله عنهم ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، فقال : سبحان الله : يا عباس من هؤلاء ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ؛ والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً ، قال : قلت : يا أبا سفيان ، إنها النبوة ، قال : فنعم إذن .
أبو سفيان يحذر أهل مكة :
قال : قلت : النجاء إلى قومك ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم ! .
قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ؛ قالوا : قاتلك الله ! وما تغنى عنا دارك ؛ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد
وصوله عليه السلام إلى ذي طوى :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجراً بشقة برد حبرة حمراء ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل
القتال بين بكر وخزاعة :
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا .
ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له : الوتير ، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة أن رجلاً من بني الحضرمي ، واسمه مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجراً ، فلما توسط أرض خزاعة ، عدوا عليه فقتلوه ، وأخذوا ماله .
فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزان الديلي - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم .
قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من بني الديل ، قال : كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين ، ونودي دية دية ، لفضلهم فينا .
قال ابن إسحاق : فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام ، وتشاغل الناس به . فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم .
كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وغيرهم من علمائنا : أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده .
قال ابن إسحاق : فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ، ماء لهم ، فأصابوا منهم رجلاًوتحاوزوا واقتتلوا .
ورفدت بني بكر قريش بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال : كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له : منبه .
وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له : تميم بن أسد ، وقال له منبه : يا تميم انج بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد أنبت فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكةلجئوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له : رافع فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره من منبه :
شعر تميم يعتذر من فراره عن منبه :
لما رأيت بني نفاثة أقبلوا * يغشون كل وتيرة وحجاب
صخراً ورزناً لا عريب سواهم * يزجون كل مقلص خناب
وذكرت ذحلاً عندنا متقادما * فيما مضى من سالف الأحقاب
ونشيت ريح الموت من تلقائهم * ورهبت وقع مهند قضاب
وعرفت أن من يثقفوه يتركوا * لحما لمجرية وشلو غراب
قومت رجلا لا أخاف عثارها * وطرحت بالمتن العراء ثيابي
ونجوت لا ينجو نجائي أحقب * علج أقب مشمر الأقراب
تلحى ولو شهدت لكان نكيرها * بولاً يبل مشافر القبقاب
القوم أعلم ما تركت منبها * عن طيب نفس فاسألي أصحابي
قال ابن هشام : وتروى لحبيب بن عبدالله الأعلم الهذلي . وبيته : وذكرت ذحلا عندنا متقادما ، عن أبي عبيدة ، وقوله : خناب ، وعلج أقب مشمر الأقراب عنه أيضاً .
شعر الأخزر فيما وقع بين خزاعة وبكر
قال ابن إسحاق : وقال الأخزر بن لعط الديلي ، فيما كان بين كنانة وخزاعة في تلك الحرب :
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل
حبسناهم في دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل
بدار الذليل الأخذ الضيم بعدما * شفينا النفوس منهم بالمناصل
حبسناهم حتى إذا طال يومهم * نفحنا لهم من كل شعب بوابل
نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود تبارى فيهم بالقواصل
هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم * وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل
كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * بفا ثور حفان النعام الجوافل
بديل بن عبد مناة يرد على الأخزر:
فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب ، وكان يقال له : بديل بن أم أصرم ، فقال :
تفاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيداً يندوهم غير نافل
أمن حنيفة القوم الألى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آئل
وفي كل يوم نحن نحبو حباءنا * لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
ونحن منعنا بين بيض وعتود * إلى خيف رضوى من مجر القنابل
ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل
أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون أن لم نقاتل
كذبتم وبيت الله ما إن قتلتم * ولكن تركنا أمركم في بلابل
قال ابن هشام : قوله : غير نافل ، وقوله : إلى خيف رضوى ، عن غير ابن إسحاق
شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة :
قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت في ذلك :
لحا الله قوما لم ندع من سراتهم * لهم أحدا يندوهم غير ناقب
أخصيي حمار مات بالأمس نوفلاً * متى كنت مفلاحاً عدو الحقائب
خزاعة تستنجد بالرسول :
قال ابن إسحاق : فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده وعهده ، خرج عمرو بن سالم الخزاعى ، ثم أحد بني كعب ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس ، فقال :
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعوا أحدا * وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا سجدا
يقول : قتلنا وقد أسلمنا .
قال ابن هشام : ويروى أيضاً :
فانصر هداك الله نصرا أيدا *
قال ابن هشام : ويروى أيضاً :
نحن ولدناك فكنت ولدا *
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم . ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء ، فقال : إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب .
ذهاب ابن ورقاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شاكياً وتعرف أبي سفيان أمره :
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة .
ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذين صنعوا .
فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ؛ قال : أو ما جئت محمداً ؟ قال : لا ؛ فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته ، فرأى فيه النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً .
خروج أبي إلى المدينة سفيان للصلح وإخفاقة :
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟
قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر .
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال : أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به .
ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى رسول الله ؛ فقال : ويحك يا أبا سفيان ! والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه .
فالتفت إلى فاطمة ، فقال : يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟
قالت : والله ما بلغ بني ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني ؛ قال : والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال : أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ؟
قال : لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : أيها الناس إني أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا : ما وراءك ؟
قال : جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو
قال ابن هشام : أعدى العدو .
قال ابن إسحاق : ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ؟ قالوا : وبم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ؛ قالوا : فهل أجاز لك محمد ؟ قال : لا ، قالوا : ويلك ! والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت . قال : لا والله ، ما وجدت غير ذلك .
الاستعداد لفتح مكة :
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : أي بنية : أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه
قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا والله ما أدري . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها . فتجهز الناس .
حسان يحث الناس على فتح مكة :
فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ، ويذكر مصاب رجال خزاعة :
عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو وخزها وعقابها
وصفوان عود حن من شفراسته * فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا بن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها
قال ابن هشام : قول حسان : بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ، يعني : قريشاً ؛ وابن أم مجالد ، يعني : عكرمة بن أبي جهل .
كتاب حاطب يحذر أهل مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم .
ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به .
الخبر من السماء بما فعل حاطب :
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال : أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بني أبي أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً .
فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فلما رأت الجد منه ، قالت : أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه .
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً فقال : يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم .
فأنزل الله تعالى في حاطب : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) إلى قوله : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) . . . إلى آخر القصة .
خروج الرسول إلى مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم ، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر .
تلمس قريش أخباره عليه السلام :
قال ابن إسحاق : ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسبعت سليم ، وبعضهم يقول ألفت سليم ، وألفت مزينة ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف عنه منهم أحد .
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولايدرون ما هو فاعل
وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار ، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به ، وقد كان العباس بن عبدالمطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق .
هجرة العباس :
قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيماً بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري .
إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي أمية :
قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك ؛ قال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال .
قال : فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له . فقال : والله ليأذنن لي أو لأخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ؛ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما .
ما أنشده أبو سفيان في إسلامه :
وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى منه ، فقال :
لعمرك إني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدي وأهتدي
هداني هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد
أصد وأنأى جاهداً عن محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
هم ما هم من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأي يلم ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم أهد في كل مقعد
فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك : غيري أوعدي
فما كنت في الجيش الذي نال عامراً * وما كان عن جرا لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد
قال ابن هشام : ويروى : ودلني على الحق من طردت كل مطرد .
قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ونالني مع الله من طردت كل مطرد ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال : أنت طردتني كل مطرد .
إسلام أبي سفيان على يدي العباس بن عبدالمطلب :
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، قال العباس بن عبدالمطلب : فقلت : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر .
قال : فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، فخرجت عليها . قال : حتى جئت الأراك ، فقلت : لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة .
قال : فوالله إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً ، قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان : خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال : أبو الفضل ؟ قال : قلت : نعم ، قال : ما لك ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ فداك أبي وأمي ، قال : قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك ؛ قال : فركب خلفي ورجع صاحباه .
قال : فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها ، قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته .
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ، قال : أبا سفيان عدو الله ! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة ، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء .
قال : فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه .
قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت برأسه ، فقلت : والله لا يناجيه الليلة دوني رجل ؛ فلما أكثر عمر في شأنه ، قال : قلت : مهلاً يا عمر ، فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ؛ فقال : مهلا يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ؛ قال : فذهبت به إلى رحلي ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟
قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! والله قد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد ، قال : ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت وأ مي ، ما أحملك وأكرمك وأوصلك ! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً .
فقال له العباس : ويحك ! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم .
قال العباس : قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً قال : نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها .
قال : فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي ، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه .
عرض الجيش على أبي سفيان :
قال : ومرت القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال : يا عباس من هذه ؟ فأقول : سليم ، فيقول : ما لي ولسليم ، ثم تمر القبيلة فيقول : يا عباس ، من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : ما لي ولمزينة ، حتى نفذت القبائل ، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها ، فإذا أخبرته بهم ، قال : ما لي ولبني فلان ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء .
كتيبته صلى الله عليه وسلم في فتح مكة :
قال ابن هشام : وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها .
قال الحارث بن حلزة اليشكري :
ثم حجرا أعنى ابن أم قطام * وله فارسية خضراء
يعنى : الكتيبة ، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال حسان بن ثابت الأنصاري :
لما رأى بدراً تسيل جلاهه * بكتيبة خضراء من بلخزرج
وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر .
قال ابن إسحاق : فيها المهاجرون والأنصار ، رضي الله عنهم ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، فقال : سبحان الله : يا عباس من هؤلاء ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ؛ والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً ، قال : قلت : يا أبا سفيان ، إنها النبوة ، قال : فنعم إذن .
أبو سفيان يحذر أهل مكة :
قال : قلت : النجاء إلى قومك ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم ! .
قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ؛ قالوا : قاتلك الله ! وما تغنى عنا دارك ؛ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد
وصوله عليه السلام إلى ذي طوى :
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجراً بشقة برد حبرة حمراء ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
إسلام أبي قحافة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنه من أصغر ولده : أي بنية ، اظهري بي على أبي قبيس ؛ قالت : وقد كف بصره ؛ قالت : فأشرفت به عليه ، فقال : أي بنية ، ماذا ترين ؟
قالت : أرى سواداً مجتمعاً ، قال : تلك الخيل ؛ قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك مقبلاً ومدبراً ، قال : أي بنية ، ذلك الوازع ، يعني : الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ؛ ثم قالت : قد والله انتشر السواد .
قالت : فقال : قد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته ، قالت : وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها .
قالت : فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ودخل المسجد ، أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
قال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ؛ قال : قالت : فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له : أسلم ، فأسلم ؛ قال : فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره .
ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته ، وقال : أنشد الله والإسلام طوق أختي ، فلم يجبه أحد قالت : فقال : أي أخيه ، احتسبي طوقك ، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل .
دخول مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى ، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى ، وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء .
المهاجرون يخشون من شدة سعد بن عبادة على قريش :
قال ابن إسحاق : فزعم بعض أهل العلم أن سعداً حين وجه داخلاً ، قال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ؛ فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام : هو عمر بن الخطاب - فقال : يا رسول الله : اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : أدركه ، فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها .
طريق الفتح :
قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبدالله بن أبي نجيح في حديثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد ، فدخل من الليط ، أسفل مكة في بعض الناس وكان خالد على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب .
وأقبل أبو عبيدة بن الجراح يالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، ضربت له هنالك قبته .
من تعرض للمسلمين من أهل مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر : أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناساً بالخندمة ليقاتلوا ، وقد كان حماس بن قيس بن خالد ، أخو بني بكر ، يعد سلاحاً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصلح منه ؛ قالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ؛ قالت : والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء ؛ قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :
إن يقبلوا اليوم فما لي علة * هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السلة *
ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئاً من قتال ، فقتل كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم ، حليف بني منقذ ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً ، قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر فجعله كرز بن جابر بين رجليه ، ثم قاتل عنه حتى قتل ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت صفراء من بني فهر * نقية الوجه نقية الصدر
لأضربن اليوم عن أبي صخر*
قال هشام : وكان خنيس يكنى أبا صخر ، فقال ابن هشام : خنيس بن خالد من خزاعة .
ما قاله حماس من الشعر يوم الفتح :
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر ، قالا : وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء ، من خيل خالد بن الوليد ؛ وأصيب من المشركين ناس قريب من أثني عشر رجلاً ، أو ثلاثة عشر رجلاً ، ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ، ثم قال لامرأته : أغلقي علي بابي ؛ قالت : فأين ما كنت تقول ؟ فقال :
إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالموتمة * واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمة * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله : كالموتمه ، وتروى للرعاش الهذلي .
شعار المسلمين يوم فتح مكة :
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة و حنين والطائف ، شعار المهاجرين : يا بني عبدالرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبدالله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله .
من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبدالله بن سعد أخو بني عامر بن لؤي .
سبب أمر الرسول بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه :
وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركاً راجعاً إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة . فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صمت طويلاً ، ثم قال : نعم ، فلما انصرف عنه عثمان ، قال رسول الله : لمن حوله من أصحابه : لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال : إن النبي لا يقتل بالإشارة .
قال ابن هشام : ثم أسلم بعد ، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر .
قال ابن إسحاق : وعبدالله بن خطل ، رجل من بني تيم بن غالب : إنما أمر بقتله أنه كان مسلماً ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، وبعث معه رجلاً من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلماً ، فنزل منزلاً ، وأمر المولى أن يذبح له تيساً ، فيصنع له طعاماً ، فنام ، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركاً .
أسماء من أمر الرسول بقتلهم وسبب ذلك :
وكانت له قينتان : فرتنى وصاحبتها ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه .
والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان ممن يؤذيه بمكة .
قال ابن هشام : وكان العباس بن عبدالمطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ فرمى بهما إلى الأرض .
قال ابن إسحاق ومقيس بن حبابة : وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقتله لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ، ورجوعه إلى قريش مشركاً .
وسارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب . وعكرمة بن أبي جهل .
وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة ؛ فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرجت في طلبه إلى اليمن ، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
وأما عبدالله بن خطل ، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه .
وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبدالله ، رجل من قومه ، فقالت أخت مقيس في قتله :
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه * وفجع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينا من رأى مثل مقيس * إذا النفساء أصبحت لم تخرس
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى ، حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ، فأمنها .
وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها .
وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب .
قصة الرجلين اللذين أمنتهما أم هانئ وصلاة الفتح في بيتها :
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن أبي مرة ، مولى عقيل ابن أبي طالب ، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فر إلي رجلان من أحمائي ، من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي .
قالت : فدخل علي علي بن أبي طالب أخي ، فقال : والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل جفنة إن فيها لأثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره بثوبه ، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي .
فقال : مرحباً وأهلاً يا أم هانئ ، ما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال : قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما .
قال ابن هشام : هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة .
الرسول يدخل البيت الحرام :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبدالله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجم في يده ؛ فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلح ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد .
ما قاله عليه السلام على باب الكعبة :
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها .
يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ... الآية كلها .
ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
إقرار أمر السدانة لعثمان بن طلحة :
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده ، فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء .
قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون .
طمسه صلى الله عليه وسلم ما كان في الكعبة من الصور :
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح ، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال : قاتلهم الله ، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم والأزلام ! ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنفياً مسلماً ، وما كان من المشركين ) . ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست .
مكان صلاته عليه السلام من البيت :
قال ابن هشام : وحدثني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال ، فدخل عبدالله بن عمر على بلال ، فسأله : أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم يسأله كم صلى ؛ فكان ابن عمر إذا دخل البيت مشى قبل وجهه ، وجعل الباب قبل ظهره ، حتى يكون بينه وبين الجدار قدر ثلاث أذرع ، ثم يصلي ، يتوخى بذلك الموضع الذي قال له بلال .
إسلام عتاب والحارث بن هشام وسببه :
قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان : لا أقول شيئاً ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك .
خراش يقتل ابن الأثوع :
قال ابن إسحاق : حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي ، عن رجل من قومه ، قال : كان معنا رجل يقال له أحمر بأسا ، وكان رجلاً شجاعاً ، وكان إذا نام غط غطيطاً منكراً لا يخفى مكانه ، فكان إذا بات في حيه بات معتنزاً فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر ، فيثور مثل الأسد ، لا يقوم لسبيله شيء .
فأقبل غزي من هذيل يريدون حاضره ، حتى إذا دنوا من الحاضر ، قال ابن الأثوع الهذلي : لا تعجلوا علي حتى أنظر ، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم فإن له غطيطاً لا يخفى ، قال : فاستمع فلما سمع غطيطه مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ، ثم تحامل عليه حتى قتله ، ثم أغاروا على الحاضر ، فصرخوا يا أحمر ولا أحمر لهم .
فلما كان عام الفتح ، وكان الغد من يوم الفتح ، أتي ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس ، وهو على شركه ، فرأته خزاعة ، فعرفوه فأحطوا به وهو إلى جنب جدار من جدر مكة ، يقولون : أأنت قاتل أحمر ؟ قال : نعم ، أنا قاتل أحمر فمه ؟ قال : إذ أقبل خراش بن أمية مشتملاً على السيف ، فقال : هكذا عن الرجل ، ووالله ما نظن إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه .
فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه بالسيف في بطنه ، فوالله لكأني أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لترنقان في رأسه ، وهو : يقول أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ حتى انجعف فوقع .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر خزاعة ، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالرحمن بن حرملة الأسلمي ، عن سعيد بن المسيب قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية ، قال : إن خراشاً لقتال ؛ يعيبه بذلك
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنه من أصغر ولده : أي بنية ، اظهري بي على أبي قبيس ؛ قالت : وقد كف بصره ؛ قالت : فأشرفت به عليه ، فقال : أي بنية ، ماذا ترين ؟
قالت : أرى سواداً مجتمعاً ، قال : تلك الخيل ؛ قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك مقبلاً ومدبراً ، قال : أي بنية ، ذلك الوازع ، يعني : الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ؛ ثم قالت : قد والله انتشر السواد .
قالت : فقال : قد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته ، قالت : وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها .
قالت : فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ودخل المسجد ، أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟
قال أبو بكر : يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ؛ قال : قالت : فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له : أسلم ، فأسلم ؛ قال : فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره .
ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته ، وقال : أنشد الله والإسلام طوق أختي ، فلم يجبه أحد قالت : فقال : أي أخيه ، احتسبي طوقك ، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل .
دخول مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى ، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى ، وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء .
المهاجرون يخشون من شدة سعد بن عبادة على قريش :
قال ابن إسحاق : فزعم بعض أهل العلم أن سعداً حين وجه داخلاً ، قال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ؛ فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام : هو عمر بن الخطاب - فقال : يا رسول الله : اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : أدركه ، فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها .
طريق الفتح :
قال ابن إسحاق : وقد حدثني عبدالله بن أبي نجيح في حديثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد ، فدخل من الليط ، أسفل مكة في بعض الناس وكان خالد على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب .
وأقبل أبو عبيدة بن الجراح يالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، ضربت له هنالك قبته .
من تعرض للمسلمين من أهل مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر : أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناساً بالخندمة ليقاتلوا ، وقد كان حماس بن قيس بن خالد ، أخو بني بكر ، يعد سلاحاً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصلح منه ؛ قالت له امرأته : لماذا تعد ما أرى ؟ قال : لمحمد وأصحابه ؛ قالت : والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء ؛ قال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :
إن يقبلوا اليوم فما لي علة * هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السلة *
ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئاً من قتال ، فقتل كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم ، حليف بني منقذ ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً ، قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر فجعله كرز بن جابر بين رجليه ، ثم قاتل عنه حتى قتل ، وهو يرتجز ويقول :
قد علمت صفراء من بني فهر * نقية الوجه نقية الصدر
لأضربن اليوم عن أبي صخر*
قال هشام : وكان خنيس يكنى أبا صخر ، فقال ابن هشام : خنيس بن خالد من خزاعة .
ما قاله حماس من الشعر يوم الفتح :
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر ، قالا : وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء ، من خيل خالد بن الوليد ؛ وأصيب من المشركين ناس قريب من أثني عشر رجلاً ، أو ثلاثة عشر رجلاً ، ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ، ثم قال لامرأته : أغلقي علي بابي ؛ قالت : فأين ما كنت تقول ؟ فقال :
إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالموتمة * واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمة * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله : كالموتمه ، وتروى للرعاش الهذلي .
شعار المسلمين يوم فتح مكة :
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة و حنين والطائف ، شعار المهاجرين : يا بني عبدالرحمن ، وشعار الخزرج : يا بني عبدالله ، وشعار الأوس : يا بني عبيد الله .
من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم :
قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبدالله بن سعد أخو بني عامر بن لؤي .
سبب أمر الرسول بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه :
وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركاً راجعاً إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة . فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صمت طويلاً ، ثم قال : نعم ، فلما انصرف عنه عثمان ، قال رسول الله : لمن حوله من أصحابه : لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه . فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ قال : إن النبي لا يقتل بالإشارة .
قال ابن هشام : ثم أسلم بعد ، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر .
قال ابن إسحاق : وعبدالله بن خطل ، رجل من بني تيم بن غالب : إنما أمر بقتله أنه كان مسلماً ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، وبعث معه رجلاً من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلماً ، فنزل منزلاً ، وأمر المولى أن يذبح له تيساً ، فيصنع له طعاماً ، فنام ، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركاً .
أسماء من أمر الرسول بقتلهم وسبب ذلك :
وكانت له قينتان : فرتنى وصاحبتها ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه .
والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان ممن يؤذيه بمكة .
قال ابن هشام : وكان العباس بن عبدالمطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ فرمى بهما إلى الأرض .
قال ابن إسحاق ومقيس بن حبابة : وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقتله لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ، ورجوعه إلى قريش مشركاً .
وسارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب . وعكرمة بن أبي جهل .
وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة ؛ فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرجت في طلبه إلى اليمن ، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
وأما عبدالله بن خطل ، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه .
وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبدالله ، رجل من قومه ، فقالت أخت مقيس في قتله :
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه * وفجع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينا من رأى مثل مقيس * إذا النفساء أصبحت لم تخرس
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى ، حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ، فأمنها .
وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها .
وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب .
قصة الرجلين اللذين أمنتهما أم هانئ وصلاة الفتح في بيتها :
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن أبي مرة ، مولى عقيل ابن أبي طالب ، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فر إلي رجلان من أحمائي ، من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي .
قالت : فدخل علي علي بن أبي طالب أخي ، فقال : والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل جفنة إن فيها لأثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره بثوبه ، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي .
فقال : مرحباً وأهلاً يا أم هانئ ، ما جاء بك ؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال : قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما .
قال ابن هشام : هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة .
الرسول يدخل البيت الحرام :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبدالله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجم في يده ؛ فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلح ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد .
ما قاله عليه السلام على باب الكعبة :
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها .
يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ... الآية كلها .
ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
إقرار أمر السدانة لعثمان بن طلحة :
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده ، فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له فقال : هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء .
قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون .
طمسه صلى الله عليه وسلم ما كان في الكعبة من الصور :
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح ، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال : قاتلهم الله ، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم والأزلام ! ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنفياً مسلماً ، وما كان من المشركين ) . ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست .
مكان صلاته عليه السلام من البيت :
قال ابن هشام : وحدثني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال ، فدخل عبدالله بن عمر على بلال ، فسأله : أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم يسأله كم صلى ؛ فكان ابن عمر إذا دخل البيت مشى قبل وجهه ، وجعل الباب قبل ظهره ، حتى يكون بينه وبين الجدار قدر ثلاث أذرع ، ثم يصلي ، يتوخى بذلك الموضع الذي قال له بلال .
إسلام عتاب والحارث بن هشام وسببه :
قال ابن هشام : وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان : لا أقول شيئاً ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك .
خراش يقتل ابن الأثوع :
قال ابن إسحاق : حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي ، عن رجل من قومه ، قال : كان معنا رجل يقال له أحمر بأسا ، وكان رجلاً شجاعاً ، وكان إذا نام غط غطيطاً منكراً لا يخفى مكانه ، فكان إذا بات في حيه بات معتنزاً فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر ، فيثور مثل الأسد ، لا يقوم لسبيله شيء .
فأقبل غزي من هذيل يريدون حاضره ، حتى إذا دنوا من الحاضر ، قال ابن الأثوع الهذلي : لا تعجلوا علي حتى أنظر ، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم فإن له غطيطاً لا يخفى ، قال : فاستمع فلما سمع غطيطه مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ، ثم تحامل عليه حتى قتله ، ثم أغاروا على الحاضر ، فصرخوا يا أحمر ولا أحمر لهم .
فلما كان عام الفتح ، وكان الغد من يوم الفتح ، أتي ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس ، وهو على شركه ، فرأته خزاعة ، فعرفوه فأحطوا به وهو إلى جنب جدار من جدر مكة ، يقولون : أأنت قاتل أحمر ؟ قال : نعم ، أنا قاتل أحمر فمه ؟ قال : إذ أقبل خراش بن أمية مشتملاً على السيف ، فقال : هكذا عن الرجل ، ووالله ما نظن إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه .
فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه بالسيف في بطنه ، فوالله لكأني أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لترنقان في رأسه ، وهو : يقول أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ حتى انجعف فوقع .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر خزاعة ، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالرحمن بن حرملة الأسلمي ، عن سعيد بن المسيب قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية ، قال : إن خراشاً لقتال ؛ يعيبه بذلك
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أبو شريح يذكر عمرو بن الزبير بحرمة مكة :
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي ، قال : لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبدالله بن الزبير ، جئته ، فقلت له : يا هذا ، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين افتتح مكة ، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يسفك فيها دماً ، ولا يعضد فيها شجراً ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها . ألا ، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب
فمن قال لكم : إن رسول الله قد قاتل فيها ، فقولوا : إن الله قد أحلها لرسوله ، ولم يحللها لكم ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ، فلقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين : إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله .
ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة ؛ فقال عمرو لأبي شريح : انصرف أيها الشيخ ، فنحن أعلم بحرمتها منك ، إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع طاعة ، ولا مانع جزية ، فقال أبو شريح : إني كنت شاهداً وكنت غائباً لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك .
أول قتيل وداه عليه السلام يوم الفتح :
قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة .
تخوف الأنصار من بقاء الرسول بمكة :
قال ابن هشام : وبلغني عن يحيى بن سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها ، قام على الصفا يدعو الله ، وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ؟
فلما فرغ من دعائه قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ؛ فلما يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاذ الله ! المحيا محياكم والممات مماتكم .
كسر الأصنام :
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته ، فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبي صلى الله عيه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار إلى قفاه ، إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع ؛ فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك :
وفي الأصنام معتبر وعلم * لمن يرجوا الثواب أو العقابا
إسلام فضالة :
قال ابن هشام : وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح ؛ فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضالة ؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله ؛ قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟
قال : لا شيء ، كنت أذكر الله ؛ قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه ؛ فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه .
قال فضالة : فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلي الحديث ، فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام
الأمان لصفوان بن أمية :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير ، قال : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هارباً منك ، ليقذف نفسه في البحر فأمنه ، صلى الله عليك ؛ قال : هو آمن ؛ قال : يا رسول الله ، فأعطني آية يعرف بها أمانك .
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه ، وهو يريد أن يركب في البحر ، فقال : يا صفوان ، فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به ؛ قال : ويحك ! أغرب عني فلا تكلمني .
قال : أي صفوان ، فداك أبي وأمي ، أفضل الناس ، وأبر الناس ، وأحلم الناس وخير الناس ، ابن عمك ، عزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال : إني أخافه على نفسي ، قال : هو أحلم من ذاك وأكرم . فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك قد أمنتنى ، قال : صدق ؛ قال : فاجعلني فيه بالخيار شهرين ؛ قال : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر .
قال ابن هشام : وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان قال لعمير : ويحك ! اغرب عني ، فلا تكلمني ، فإنك كذاب ، لما كان صنع به ، وقد ذكرناه في آخر حديث يوم بدر .
إسلام عكرمة وصفوان :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري : أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وفاختة بنت الوليد - وكانت فاختة عند صفوان بن أمية ، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل أسلمتا ؛ فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعكرمة ، فأمنه فلحقت به باليمن ، فجاءت به ؛ فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله عليه سلم عندهما على النكاح الأول .
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت : قال : رمى حسان ابن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه :
لا تعدمن رجلاً أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم
فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فقال : حين أسلم :
يا رسول المليك إذ لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير
إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور
قال ابن إسحاق : وقال عبدالله بن الزبعري أيضاً حين أسلم :
منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرني بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الغواة وأمرهم مشئوم
فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة وانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللي فانك راحم مرحوم
وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرا وأروم
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له .
هبيرة يبقى على كفره وما قاله من الشعر في إسلام زوجته :
قال ابن إسحاق : وأما هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافراً ، كانت عنده أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ :
أشاقتك هند أم أتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها
وقد أرقت في رأس حصن ممنع * بنجران يسري بعد ليل خيالها
وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضلالها
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يردين إلا زيالها
فإني لمن قوم إذا جد جدهم * على أي حال أصبح اليوم حالها
وإني لحام من وراء عشيرتي * إذا كان من تحت العوالي مجالها
وصارت بأيديها السيوف كأنها * مخاريق ولدان ومنها ظلالها
وإني لأقلي الحاسدين وفعلهم * على الله رزقي نفسها وعيالها
وإن كلام المرء في غير كنهه * لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
فإن كنت قد تابعت دين محمد * وعطفت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها
قال ابن إسحاق : ويروى : وقطعت الأرحام منك حبالها .
عدة من فتح مكة :
قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف . من بني سليم سبع مائة . ويقول بعضهم : ألف ؛ ومن بني غفار : أربع مائة ، ومن أسلم : أربع مائة ، ومن مزينة : ألف وثلاثة نفر ، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد .
شعر حسان في فتح مكة :
وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت الأنصاري :
عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا ، ولكن من لطيف * يؤرقنى إذا ذهب العشاء
لشعثاء التي قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء
كأن خبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء
إذا ما الأشربات ذكرن يوماً * فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة إن ألمنا * إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا * وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصغيات * على أكتافها الأصل الظماء
تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبداً * يقول الحق إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه * فقلتهم لا نقوم ولا نشاء
وقال الله قد سيرت جنداً * هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء
ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبداً * وعبدالدار سادتها الإماء
هجوت محمداً وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركا براً حنيفاً * أمين الله شيعته الوفاء
أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ؟
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء
قال ابن هشام : قالها حسان يوم الفتح . ويروي : لساني صارم لا عتب فيه .
وبلغني عن الزهري أنه قال : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه .
أنس بن زنيم يعتذر مما قاله ابن سالم :
قال ابن إسحاق : وقال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي :
أأنت الذي تهدى معد بأمره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفي ذمة من محمد
أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد
تعلم رسول الله أنك مدركي * وأن وعيداً منك كالأخذ باليد
تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد
تعلم بأن الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد
ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذن يدي
سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد
أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي
فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا * بعبد بن عبدالله وابنة مهود
ذويب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فإلا تدمع العين أكمد
وسلمى ليس حي كمثله * وأخوته وهل ملوك كأعبد ؟
فإني لا دينا فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد
ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم :
فأجابه بديل بن عبد مناف ابن أم أصرم ، فقال :
بكى أنس رزنا فأعوله البكا * فألا عدياً إذ تطل وتبعد
بكيت أبا عبس لقرب دمائها * فتعذر إذ لا يوقد الحرب موقد
أصابهم يوم الخنادم فتية * كرام فسل ، منهم نضيل ومعبد
هنالك إن تسفح دموعك لا تلم * عليهم وإن لم تدمع العين فاكمدوا
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
شعر بجير بن زهير في يوم الفتح :
قال ابن إسحاق : وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح :
نفى أهل الحبلق كل فج * مزينة غدوة وبنو خفاف
ضربناهم بمكة يوم فتح النبي * الخير بالبيض الخفاف
صبحناهم بسبع من سليم * وألف من بنى عثمان واف
نطا أكتافهم ضربا وطعنا * ورشقا بالمريشة اللطاف
ترى بين الصفوف لها حفيفا * كما انصاع الفواق من الرصاف
فرحنا والجياد تجول فيهم * بأرماح مقومة الثقاف
فأبنا غانمين بما اشتهينا * وآبوا نادمين على الخلاف
وأعطينا رسول الله منا * مواثقنا على حسن التصافي
وقد سمعوا مقالتنا فهموا * غداة الروع منا بانصراف
شعر عباس بن مرداس في فتح مكة :
قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة :
منا بمكة يوم فتح محمد * ألف تسيل به البطاح مسوم
نصروا الرسول وشاهدوا أيامه * وشعارهم يوم اللقاء مقدم
في منزل ثبتت به أقدامهم * ضنك كأن الهام فيه الحنتم
جرت سنابكها بنجد قبلها * حتى استقاد لها الحجاز الأدهم
الله مكنه له وأذله * حكم السيوف لنا وجد مزحم
عود الرياسة شامخ عرنينه * متطلع ثغر المكارم خضرم
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي ، قال : لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبدالله بن الزبير ، جئته ، فقلت له : يا هذا ، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين افتتح مكة ، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً ، فقال : يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يسفك فيها دماً ، ولا يعضد فيها شجراً ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها . ألا ، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب
فمن قال لكم : إن رسول الله قد قاتل فيها ، فقولوا : إن الله قد أحلها لرسوله ، ولم يحللها لكم ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ، فلقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين : إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله .
ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة ؛ فقال عمرو لأبي شريح : انصرف أيها الشيخ ، فنحن أعلم بحرمتها منك ، إنها لا تمنع سافك دم ولا خالع طاعة ، ولا مانع جزية ، فقال أبو شريح : إني كنت شاهداً وكنت غائباً لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك .
أول قتيل وداه عليه السلام يوم الفتح :
قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة .
تخوف الأنصار من بقاء الرسول بمكة :
قال ابن هشام : وبلغني عن يحيى بن سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها ، قام على الصفا يدعو الله ، وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم : أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ؟
فلما فرغ من دعائه قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله ؛ فلما يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاذ الله ! المحيا محياكم والممات مماتكم .
كسر الأصنام :
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته ، فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبي صلى الله عيه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول : ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار إلى قفاه ، إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع ؛ فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك :
وفي الأصنام معتبر وعلم * لمن يرجوا الثواب أو العقابا
إسلام فضالة :
قال ابن هشام : وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح ؛ فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضالة ؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله ؛ قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟
قال : لا شيء ، كنت أذكر الله ؛ قال : فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه ؛ فكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه .
قال فضالة : فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلي الحديث ، فقلت : لا ، وانبعث فضالة يقول :
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام
الأمان لصفوان بن أمية :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير ، قال : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هارباً منك ، ليقذف نفسه في البحر فأمنه ، صلى الله عليك ؛ قال : هو آمن ؛ قال : يا رسول الله ، فأعطني آية يعرف بها أمانك .
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه ، وهو يريد أن يركب في البحر ، فقال : يا صفوان ، فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به ؛ قال : ويحك ! أغرب عني فلا تكلمني .
قال : أي صفوان ، فداك أبي وأمي ، أفضل الناس ، وأبر الناس ، وأحلم الناس وخير الناس ، ابن عمك ، عزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال : إني أخافه على نفسي ، قال : هو أحلم من ذاك وأكرم . فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك قد أمنتنى ، قال : صدق ؛ قال : فاجعلني فيه بالخيار شهرين ؛ قال : أنت بالخيار فيه أربعة أشهر .
قال ابن هشام : وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان قال لعمير : ويحك ! اغرب عني ، فلا تكلمني ، فإنك كذاب ، لما كان صنع به ، وقد ذكرناه في آخر حديث يوم بدر .
إسلام عكرمة وصفوان :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري : أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وفاختة بنت الوليد - وكانت فاختة عند صفوان بن أمية ، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل أسلمتا ؛ فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعكرمة ، فأمنه فلحقت به باليمن ، فجاءت به ؛ فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله عليه سلم عندهما على النكاح الأول .
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت : قال : رمى حسان ابن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه :
لا تعدمن رجلاً أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم
فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فقال : حين أسلم :
يا رسول المليك إذ لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير
إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور
قال ابن إسحاق : وقال عبدالله بن الزبعري أيضاً حين أسلم :
منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرني بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الغواة وأمرهم مشئوم
فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة وانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللي فانك راحم مرحوم
وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرا وأروم
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له .
هبيرة يبقى على كفره وما قاله من الشعر في إسلام زوجته :
قال ابن إسحاق : وأما هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافراً ، كانت عنده أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ :
أشاقتك هند أم أتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها
وقد أرقت في رأس حصن ممنع * بنجران يسري بعد ليل خيالها
وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضلالها
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يردين إلا زيالها
فإني لمن قوم إذا جد جدهم * على أي حال أصبح اليوم حالها
وإني لحام من وراء عشيرتي * إذا كان من تحت العوالي مجالها
وصارت بأيديها السيوف كأنها * مخاريق ولدان ومنها ظلالها
وإني لأقلي الحاسدين وفعلهم * على الله رزقي نفسها وعيالها
وإن كلام المرء في غير كنهه * لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
فإن كنت قد تابعت دين محمد * وعطفت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها
قال ابن إسحاق : ويروى : وقطعت الأرحام منك حبالها .
عدة من فتح مكة :
قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف . من بني سليم سبع مائة . ويقول بعضهم : ألف ؛ ومن بني غفار : أربع مائة ، ومن أسلم : أربع مائة ، ومن مزينة : ألف وثلاثة نفر ، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد .
شعر حسان في فتح مكة :
وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت الأنصاري :
عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا ، ولكن من لطيف * يؤرقنى إذا ذهب العشاء
لشعثاء التي قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء
كأن خبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء
إذا ما الأشربات ذكرن يوماً * فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة إن ألمنا * إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا * وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصغيات * على أكتافها الأصل الظماء
تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبداً * يقول الحق إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه * فقلتهم لا نقوم ولا نشاء
وقال الله قد سيرت جنداً * هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء
ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبداً * وعبدالدار سادتها الإماء
هجوت محمداً وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركا براً حنيفاً * أمين الله شيعته الوفاء
أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ؟
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء
قال ابن هشام : قالها حسان يوم الفتح . ويروي : لساني صارم لا عتب فيه .
وبلغني عن الزهري أنه قال : لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه .
أنس بن زنيم يعتذر مما قاله ابن سالم :
قال ابن إسحاق : وقال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي :
أأنت الذي تهدى معد بأمره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفي ذمة من محمد
أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد
تعلم رسول الله أنك مدركي * وأن وعيداً منك كالأخذ باليد
تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد
تعلم بأن الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد
ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذن يدي
سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد
أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي
فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا * بعبد بن عبدالله وابنة مهود
ذويب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فإلا تدمع العين أكمد
وسلمى ليس حي كمثله * وأخوته وهل ملوك كأعبد ؟
فإني لا دينا فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد
ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم :
فأجابه بديل بن عبد مناف ابن أم أصرم ، فقال :
بكى أنس رزنا فأعوله البكا * فألا عدياً إذ تطل وتبعد
بكيت أبا عبس لقرب دمائها * فتعذر إذ لا يوقد الحرب موقد
أصابهم يوم الخنادم فتية * كرام فسل ، منهم نضيل ومعبد
هنالك إن تسفح دموعك لا تلم * عليهم وإن لم تدمع العين فاكمدوا
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
شعر بجير بن زهير في يوم الفتح :
قال ابن إسحاق : وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح :
نفى أهل الحبلق كل فج * مزينة غدوة وبنو خفاف
ضربناهم بمكة يوم فتح النبي * الخير بالبيض الخفاف
صبحناهم بسبع من سليم * وألف من بنى عثمان واف
نطا أكتافهم ضربا وطعنا * ورشقا بالمريشة اللطاف
ترى بين الصفوف لها حفيفا * كما انصاع الفواق من الرصاف
فرحنا والجياد تجول فيهم * بأرماح مقومة الثقاف
فأبنا غانمين بما اشتهينا * وآبوا نادمين على الخلاف
وأعطينا رسول الله منا * مواثقنا على حسن التصافي
وقد سمعوا مقالتنا فهموا * غداة الروع منا بانصراف
شعر عباس بن مرداس في فتح مكة :
قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة :
منا بمكة يوم فتح محمد * ألف تسيل به البطاح مسوم
نصروا الرسول وشاهدوا أيامه * وشعارهم يوم اللقاء مقدم
في منزل ثبتت به أقدامهم * ضنك كأن الهام فيه الحنتم
جرت سنابكها بنجد قبلها * حتى استقاد لها الحجاز الأدهم
الله مكنه له وأذله * حكم السيوف لنا وجد مزحم
عود الرياسة شامخ عرنينه * متطلع ثغر المكارم خضرم
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
إسلام عباس بن مرداس
سبب إسلام ابن مرداس :
قال ابن هشام : وكان إسلام عباس بن مرداس ، فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده ، وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس : أي بني ، اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوماً عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار منادياً يقول :
قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم .
شعر جعدة في يوم الفتح :
قال ابن هشام : وقال جعدة بن عبدالله الخزاعي يوم فتح مكة :
أكعب بن عمرو دعوة غير باطل * لحين له يوم الحديد متاح
أتيحت له من أرضه وسمائه * لتقتله ليلا بغير سلاح
ونحن الألى سدت غزال خيولنا * ولفتا سددناه وفج طلاح
خطرنا وراء المسلمين بجحفل * ذوي عضد من خيلنا ورماح
وهذه الأبيات في أبيات له .
شعر بجيد في فتح مكة :
وقال بجيد بن عمران الخزاعي :
وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا * ركام صحاب الهيدب المتراكب
وهجرتنا في أرضنا عندنا بها * كتاب أتى من خير ممل وكاتب
ومن أجلنا حلت بمكة حرمة * لندرك ثأراً بالسيوف القواضب
مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد
وصاة الرسول له وما كان منه :
قال ابن إسحاق : وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم .
قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك :
فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما
قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها .
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب : سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة : قال : لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة ! إنه خالد والله ! ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبداً .
قال : فأخذه رجال من قومه ، فقالوا : يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس . فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد .
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد .
الرسول يتبرأ من فعل خالد :
قال ابن هشام :حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه .
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله .
قال ابن هشام : وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أنكر عليه أحد ؟ فقال : نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة .
إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك .
فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟
قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر : فقال : أصبت وأحسنت ! قال : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات .
معذرة خالد في قتال القوم :
قال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً : إنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام .
قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : لما أتاهم خالد ، قالوا : صبأنا صبأنا .
ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد :
قال ابن إسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة : يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه .
قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال : إنما ثأرت بأبيك .
فقال عبدالرحمن : كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته .
ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية :
وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن .
فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف فانطلقوا به .
وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب .
ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة :
وقد قال قائل من بني جذيمة ، ويعضهم يقول : امرأة يقال لها سلمى :
ولولا مقال القوم للقوم أسلموا * للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
لما صعهم بسر وأصحاب جحدم * ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا
فكائن ترى يوم الغمصياء من فتى * أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
ألظت بخطاب الأيامى وطلقت * غداتئذ منهن من كان ناكحا
قال ابن هشام : قوله : بسر ، وألظت بخطاب ، عن غير ابن إسحاق .
ما قاله عباس بن مرداس في الرد على ما قيل :
قال ابن إسحاق : فأجابه عباس بن مرداس ، ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي :
دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا * لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا
فخالد أولى بالتعذر منكم * غداة علا نهجا من الأمر واضحا
معانا بأمر الله يزجي إليكم * سوانح لا تكبو له وبوارحا
نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه * عوابس في كأبي الغبار كوالحا
فإن نك أثكلناك سلمى فمالك * تركتم عليه نائحات ونائحا
ما قاله الجحاف رداً على ما قيل أيضاً :
قال الجحاف بن حكيم السلمي :
شهدن مع النبي مسومات * حنينا وهي دامية الكلام
وغزوة خالد شهدت وجرت * سنابكهن بالبلد الحرام
نعرض للطعان إذا التقينا * وجوها لا تعرض للطام
ولست بخالع عني ثيابي * إذا هز الكماة ولا أرامي
ولكني يجول المهر تحتي * إلى العلوات بالعضب الحسام
خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي : فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت : ما تشاء ؟
قال : هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال : قلت : والله ليسير ما طلبت . فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال : اسمي حبيش على نفد من العيش :
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق
سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق
قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : قلت : وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى . قال : ثم انصرفت به فضربت عنقه .
قال ابن إسحاق : فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا : فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده .
شعر رجل من بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : وقال رجل من بني جذيمة :
جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت * جزاءة بؤسى حيث سارت وحلت
أقاموا على أقضاضنا يقسمونها * وقد نهلت فينا الرماح وعلت
فوالله لولا دين آل محمد * لقد هربت منهم خيول فشلت
وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة * كرجل جراد أرسلت فاشمعلت
فإما ينيبوا أو يثوبوا لأمرهم * فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت
ما أجابه به وهب الليثي :
فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال :
دعونا إلى الإسلام والحق عامراً * فما ذنبنا في عامر إذ تولت
وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم * لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت
شعر رجل من بني جذيمة :
وقال رجل من بني جذيمة :
ليهنئ بني كعب مقدم خالد * وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب
فلاترة يسعى بها ابن خويلد * وقد كنت مكفيا لو أنك غائب
فلا قومنا ينهون عنا غواتهم * ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب
شعر غلام جذمى هارب أمام خالد :
وقال غلام من بني جذيمة ، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد :
رخين أذيال المروط واربعن * مشي حييات كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن *
ما ارتجز به غلمة من جذيمة :
وقال غلمة من بني جذيمة ، يقال لهم : بنو مساحق ، يرتجزون حين سمعوا بخالد ، فقال أحدهم :
قد علمت صفراء بيضاء الإطل * يحوزها ذو ثلة وذو إبل
لأغنين اليوم ما أغنى رجل *
وقال الآخر :
قد علمت صفراء تلبي العرسا * لا تملأ الحيزوم منها نهسا
لأضربن اليوم ضربا وعسا * ضرب المجلين مخاضا قعسا
وقال الآخر :
أقسمت ما إن خادر ذو لبده * شثن البنان في غداة برده
جهم المحيا ذو سبال ورده * يرزم بين أيكة وجحده
ضار بتأكال الرجال وحده * بأصدق الغداة مني نجده
سبب إسلام ابن مرداس :
قال ابن هشام : وكان إسلام عباس بن مرداس ، فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده ، وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس : أي بني ، اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوماً عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار منادياً يقول :
قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم .
شعر جعدة في يوم الفتح :
قال ابن هشام : وقال جعدة بن عبدالله الخزاعي يوم فتح مكة :
أكعب بن عمرو دعوة غير باطل * لحين له يوم الحديد متاح
أتيحت له من أرضه وسمائه * لتقتله ليلا بغير سلاح
ونحن الألى سدت غزال خيولنا * ولفتا سددناه وفج طلاح
خطرنا وراء المسلمين بجحفل * ذوي عضد من خيلنا ورماح
وهذه الأبيات في أبيات له .
شعر بجيد في فتح مكة :
وقال بجيد بن عمران الخزاعي :
وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا * ركام صحاب الهيدب المتراكب
وهجرتنا في أرضنا عندنا بها * كتاب أتى من خير ممل وكاتب
ومن أجلنا حلت بمكة حرمة * لندرك ثأراً بالسيوف القواضب
مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد
وصاة الرسول له وما كان منه :
قال ابن إسحاق : وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم .
قال ابن هشام : وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك :
فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما
قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها .
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب : سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا .
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة : قال : لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم : ويلكم يا بني جذيمة ! إنه خالد والله ! ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبداً .
قال : فأخذه رجال من قومه ، فقالوا : يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ؟ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس . فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد .
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد .
الرسول يتبرأ من فعل خالد :
قال ابن هشام :حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه .
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله .
قال ابن هشام : وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أنكر عليه أحد ؟ فقال : نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة .
إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك .
فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ؟
قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر : فقال : أصبت وأحسنت ! قال : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات .
معذرة خالد في قتال القوم :
قال ابن إسحاق : وقد قال بعض من يعذر خالداً : إنه قال : ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام .
قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : لما أتاهم خالد ، قالوا : صبأنا صبأنا .
ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد :
قال ابن إسحاق : وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة : يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه .
قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام . فقال : إنما ثأرت بأبيك .
فقال عبدالرحمن : كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته .
ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية :
وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن .
فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف فانطلقوا به .
وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب .
ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة :
وقد قال قائل من بني جذيمة ، ويعضهم يقول : امرأة يقال لها سلمى :
ولولا مقال القوم للقوم أسلموا * للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
لما صعهم بسر وأصحاب جحدم * ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا
فكائن ترى يوم الغمصياء من فتى * أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
ألظت بخطاب الأيامى وطلقت * غداتئذ منهن من كان ناكحا
قال ابن هشام : قوله : بسر ، وألظت بخطاب ، عن غير ابن إسحاق .
ما قاله عباس بن مرداس في الرد على ما قيل :
قال ابن إسحاق : فأجابه عباس بن مرداس ، ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي :
دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا * لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا
فخالد أولى بالتعذر منكم * غداة علا نهجا من الأمر واضحا
معانا بأمر الله يزجي إليكم * سوانح لا تكبو له وبوارحا
نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه * عوابس في كأبي الغبار كوالحا
فإن نك أثكلناك سلمى فمالك * تركتم عليه نائحات ونائحا
ما قاله الجحاف رداً على ما قيل أيضاً :
قال الجحاف بن حكيم السلمي :
شهدن مع النبي مسومات * حنينا وهي دامية الكلام
وغزوة خالد شهدت وجرت * سنابكهن بالبلد الحرام
نعرض للطعان إذا التقينا * وجوها لا تعرض للطام
ولست بخالع عني ثيابي * إذا هز الكماة ولا أرامي
ولكني يجول المهر تحتي * إلى العلوات بالعضب الحسام
خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي : فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت : ما تشاء ؟
قال : هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال : قلت : والله ليسير ما طلبت . فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال : اسمي حبيش على نفد من العيش :
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق
سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق
قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال : قلت : وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى . قال : ثم انصرفت به فضربت عنقه .
قال ابن إسحاق : فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا : فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده .
شعر رجل من بني جذيمة :
قال ابن إسحاق : وقال رجل من بني جذيمة :
جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت * جزاءة بؤسى حيث سارت وحلت
أقاموا على أقضاضنا يقسمونها * وقد نهلت فينا الرماح وعلت
فوالله لولا دين آل محمد * لقد هربت منهم خيول فشلت
وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة * كرجل جراد أرسلت فاشمعلت
فإما ينيبوا أو يثوبوا لأمرهم * فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت
ما أجابه به وهب الليثي :
فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال :
دعونا إلى الإسلام والحق عامراً * فما ذنبنا في عامر إذ تولت
وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم * لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت
شعر رجل من بني جذيمة :
وقال رجل من بني جذيمة :
ليهنئ بني كعب مقدم خالد * وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب
فلاترة يسعى بها ابن خويلد * وقد كنت مكفيا لو أنك غائب
فلا قومنا ينهون عنا غواتهم * ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب
شعر غلام جذمى هارب أمام خالد :
وقال غلام من بني جذيمة ، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد :
رخين أذيال المروط واربعن * مشي حييات كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن *
ما ارتجز به غلمة من جذيمة :
وقال غلمة من بني جذيمة ، يقال لهم : بنو مساحق ، يرتجزون حين سمعوا بخالد ، فقال أحدهم :
قد علمت صفراء بيضاء الإطل * يحوزها ذو ثلة وذو إبل
لأغنين اليوم ما أغنى رجل *
وقال الآخر :
قد علمت صفراء تلبي العرسا * لا تملأ الحيزوم منها نهسا
لأضربن اليوم ضربا وعسا * ضرب المجلين مخاضا قعسا
وقال الآخر :
أقسمت ما إن خادر ذو لبده * شثن البنان في غداة برده
جهم المحيا ذو سبال ورده * يرزم بين أيكة وجحده
ضار بتأكال الرجال وحده * بأصدق الغداة مني نجده
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
مسير خالد بن الوليد لهدم العزى
خالد يهدم العزى
ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول :
أيا عز شدي لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري
يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة .
قال ابن إسحاق : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان .
غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح
اجتماع هوازن :
قال ابن إسحاق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم .
وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم ، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري .
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به .
ما أشار به دريد بن الصمة :
فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس ، قال : نعم مجال الخيل ! لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟
قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال : أين مالك ؟ قيل : هذا مالك ودعي له ، فقال : يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟
قال : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال : ولم ذاك ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال : فأنقض به ، ثم قال : راعي ضأن والله ! وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك .
ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال : والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا : أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني :
ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع
قال ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله :
يا ليتني فيها جذع *
الملائكة وعيون مالك بن عوف :
قال ابن إسحاق : ثم قال : مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .
قال : وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث : أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال : ويلكم ! ما شأنكم ؟ فقالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة :
قال ابن إسحاق : ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم .
فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر : كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد : إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني .
فقال عمر : يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر .
استعارة الرسول أدراع صفوان :
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك .
فقال : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال : ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل .
من أمره عليه السلام على مكة :
قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن .
قصيدة ابن مرداس :
فقال عباس بن مرداس السلمي :
أصابت العام رعلاً غول قومهم * وسط البيوت ولون الغول ألوان
يا لهف أم كلاب إذ تبيتهم * خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان
لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكم * أن ابن عمكم سعد ودهمان
لن ترجعوها وإن كانت مجللة * ما دام في النعم المأخوذ ألبان
شنعاء جلل من سوآتها حضن * وسال ذو شوغر منها وسلوان
ليست بأطيب مما يشتوي حذف * إذ قال :كل شواء العير جوفان
وفي هوازن قوم غير أن بهم * داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا
فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم * ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا
أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان
أني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الأرض أركان
فيهم أخوكم سليم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان
وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والأجربان بنو عبس وذبيان
تكاد ترجف منه الأرض رهبته * وفي مقدمه أوس وعثمان
قال ابن إسحاق : أوس وعثمان : قبيلا مزينة .
قال ابن هشام : من قوله : أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ، إلى آخرها في هذا اليوم وما قبل ذلك في غير هذا اليوم ، وهما مفصولتان ، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة
قصة ذات أنواط :
قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي ، أن الحارث بن مالك ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال : فسرنا معه إلى حنين ، قال : وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها : ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوماً .
قال : فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة ، قال : فتنادينا من جنبات الطريق : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ) . إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم .
ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن :
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد .
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال : أين أيها الناس ؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله .
قال : فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته .
من ثبت معه صلى الله عليه وسلم :
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ .
قال ابن هشام :اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه .
أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين :
قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته .
وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام : كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا بطل السحر اليوم ! فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن .
حسان يهجو كلدة :
قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة :
رأيت سواداً من بعيد فراعني * أبو حنبل ينزو على أم حنبل
كأن الذي ينزو به فوق بطنها * ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل
أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه .
شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت : اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله : لن نغلب اليوم من قلة .
قال ابن إسحاق : وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها .
النصر للمسلمين :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال : وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت .
قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس : أين أيها الناس ؟ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال : يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار : يا معشر أصحاب السمرة ، قال : فأجابوا : لبيك لبيك ! قال : فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت : يا للأنصار . ثم خلصت أخيراً : يا للخزرج .
وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه . فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال : الآن حمي الوطيس .
قتل علي صاحب راية هوازن :
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال : فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا ابن أمك يا رسول الله .
أم سليم في المعركة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان : وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أم سليم ؟
قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو يكفي الله يا أم سليم ؟ قال : ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة : ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ؟ قالت : خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال : يقول أبو طلحة : ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء .
شعر مالك بن عوف يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه :
أقدم محاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمى ويكر
إذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر
كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقذى بالسبر
حين يذم المستكين المنجحر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر
لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر
وثعلب العامل فيها منكسر * يا زيد يا بن همهم أين تفر
قد نفد الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر
أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاصن من تحت الستر
وقال مالك بن عوف أيضاً :
أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره *
قال ابن هشام : وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم .
من قتل قتيلاً فله سلبه :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال : وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا : قال أبو قتادة : رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان : مسلماً ومشركاً ، قال : وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم .
قال : فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى : ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه .
فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت : يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل مكة : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ،
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ! اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق اردد عليه سلبه . فقال أبو قتادة : فأخذته منه ، فبعته فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً .
الملائكة تحضر القتال :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم .
هزيمة هوازن :
قال ابن إسحاق : ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين :
قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر :
غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات
قال ابن إسحاق : فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل .
قال ابن إسحاق : وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال : أبعده الله ! فإنه كان يبغض قريشاً .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال : فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل . قال : فصاح بأعلى صوته : يا معشر العرب : يعلم الله أن ثقيفا غرل .
قال المغيرة بن شعبة : فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت : لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني . قال : ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له : ألا تراهم مختنين كما ترى !
هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين : رجل من غيرة ، يقال له : وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له : الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح : قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس .
شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه :
فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت :
ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف - إخال - يأتيه الخبير
وعروة إنما أهدى جوابا * وقولاً غير قولكما يسير
بأن محمداً عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجور
وجدناه نبياً مثل موسى * فكل فتى يخايره مخير
وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذ تقسمت الأمور
أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور
فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير
يؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير
وأقسم لو هم مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا
فكنا أسد لية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور
ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور
من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور
قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو مكير
أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الأمور
فأفلتمن نجا منهم جريضاً * وقتل منهم بشر كثير
ولا يغني الأمور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور
أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور
بنو عوف تميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير
فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور
ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير
أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير
فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير
وإن لم يسلموا فهم أذان * بحرب الله ليس لهم نصير
كما حكت بني سعد وحرب * برهط بني غزية عنقفير
كأن بني معاوية بن بكر * إلى الإسلام ضائنة تخور
فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الإحن الصدور
كأن القوم إذ جاءوا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور
قال ابن هشام : غيلان : غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة : عروة بن مسعود الثقفي .
مقتل دريد :
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا .
فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له : ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال : ابن لذعة فيما قال ابن هشام : - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام !
فقال له دريد : ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك ، قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال : بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك .
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً .
شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها :
فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً :
لعمرك ما خشيت على دريد * ببطن سميرة جيش العناق
جزى عنه الإله بني سليم * وعقتهم بما فعلوا عقاق
وأسقانا إذا قدنا إليهم * دماء خيارهم عند التلاقي
فرب عظيمة دافعت عنهم * وقد بلغت نفوسهم التراقي
ورب كريمة أعتقت منهم * وأخرى قد فككت من الوثاق
ورب منوه بك من سليم * أجبت وقد دعاك بلا رماق
فكان جزاؤنا منهم عقوقا * وهما ماع منه مخ ساقي
عفت آثار خيلك بعد أين * بذي بقر إلى فيف النهاق
وقالت عمرة بنت دريد أيضاً :
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر
لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف تأتمر
إذن لصبحهم غباً وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
قال ابن هشام : ويقال اسم الذي قتل دريداً : عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة .
استشهاد أبي عامر الأشعري :
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال :
إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه *
دعاء الرسول لبني رئاب :
وسمادير : أمه .
واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال : يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب .
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اجبر مصيبتهم .
شعر لمالك بن عوف يوم حنين :
وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك
ولولا كرتان على محاج * لضاق على العضاريط الطريق
ولولا كر دهمان بن نصر * لدى النخلات مندفع الشديق
لآبت جعفر وبنو هلال * خزايا محقبين على شقوق
قال ابن هشام : هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم . ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث : ما فعلت كعب وكلاب ؟ فقالوا له : لم يشهدها منهم أحد . وجعفر بن كلاب . وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات : لآبت جعفر وبنو هلال
خالد يهدم العزى
ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول :
أيا عز شدي لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري
يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة .
قال ابن إسحاق : وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان .
غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح
اجتماع هوازن :
قال ابن إسحاق : ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم .
وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم ، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري .
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به .
ما أشار به دريد بن الصمة :
فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس ، قال : نعم مجال الخيل ! لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟
قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم . قال : أين مالك ؟ قيل : هذا مالك ودعي له ، فقال : يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟
قال : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال : ولم ذاك ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال : فأنقض به ، ثم قال : راعي ضأن والله ! وهل يرد المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك .
ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال : والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري . وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا : أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني :
ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع
قال ابن هشام : أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله :
يا ليتني فيها جذع *
الملائكة وعيون مالك بن عوف :
قال ابن إسحاق : ثم قال : مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .
قال : وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث : أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال : ويلكم ! ما شأنكم ؟ فقالوا : رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة :
قال ابن إسحاق : ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم .
فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر : كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد : إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني .
فقال عمر : يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر .
استعارة الرسول أدراع صفوان :
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك .
فقال : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال : ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل .
من أمره عليه السلام على مكة :
قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن .
قصيدة ابن مرداس :
فقال عباس بن مرداس السلمي :
أصابت العام رعلاً غول قومهم * وسط البيوت ولون الغول ألوان
يا لهف أم كلاب إذ تبيتهم * خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان
لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكم * أن ابن عمكم سعد ودهمان
لن ترجعوها وإن كانت مجللة * ما دام في النعم المأخوذ ألبان
شنعاء جلل من سوآتها حضن * وسال ذو شوغر منها وسلوان
ليست بأطيب مما يشتوي حذف * إذ قال :كل شواء العير جوفان
وفي هوازن قوم غير أن بهم * داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا
فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم * ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا
أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان
أني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الأرض أركان
فيهم أخوكم سليم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان
وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والأجربان بنو عبس وذبيان
تكاد ترجف منه الأرض رهبته * وفي مقدمه أوس وعثمان
قال ابن إسحاق : أوس وعثمان : قبيلا مزينة .
قال ابن هشام : من قوله : أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ، إلى آخرها في هذا اليوم وما قبل ذلك في غير هذا اليوم ، وهما مفصولتان ، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة
قصة ذات أنواط :
قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي ، أن الحارث بن مالك ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال : فسرنا معه إلى حنين ، قال : وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها : ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوماً .
قال : فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة ، قال : فتنادينا من جنبات الطريق : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ) . إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم .
ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن :
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد .
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال : أين أيها الناس ؟ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله .
قال : فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته .
من ثبت معه صلى الله عليه وسلم :
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ .
قال ابن هشام :اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه .
أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين :
قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته .
وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام : كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا بطل السحر اليوم ! فقال له صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن .
حسان يهجو كلدة :
قال ابن هشام : وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة :
رأيت سواداً من بعيد فراعني * أبو حنبل ينزو على أم حنبل
كأن الذي ينزو به فوق بطنها * ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل
أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه .
شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت : اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال : فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله : لن نغلب اليوم من قلة .
قال ابن إسحاق : وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها .
النصر للمسلمين :
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال : وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت .
قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس : أين أيها الناس ؟ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال : يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار : يا معشر أصحاب السمرة ، قال : فأجابوا : لبيك لبيك ! قال : فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت : يا للأنصار . ثم خلصت أخيراً : يا للخزرج .
وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه . فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال : الآن حمي الوطيس .
قتل علي صاحب راية هوازن :
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال : بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال : فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا ابن أمك يا رسول الله .
أم سليم في المعركة :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان : وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أم سليم ؟
قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو يكفي الله يا أم سليم ؟ قال : ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة : ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ؟ قالت : خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال : يقول أبو طلحة : ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء .
شعر مالك بن عوف يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه :
أقدم محاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمى ويكر
إذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر
كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقذى بالسبر
حين يذم المستكين المنجحر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر
لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر
وثعلب العامل فيها منكسر * يا زيد يا بن همهم أين تفر
قد نفد الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر
أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاصن من تحت الستر
وقال مالك بن عوف أيضاً :
أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره *
قال ابن هشام : وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم .
من قتل قتيلاً فله سلبه :
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال : وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا : قال أبو قتادة : رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان : مسلماً ومشركاً ، قال : وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم .
قال : فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى : ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه .
فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت : يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ؟ فقال رجل من أهل مكة : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ،
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ! اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق اردد عليه سلبه . فقال أبو قتادة : فأخذته منه ، فبعته فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً .
الملائكة تحضر القتال :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم .
هزيمة هوازن :
قال ابن إسحاق : ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين :
قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات
قال ابن هشام : أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر :
غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات
قال ابن إسحاق : فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل .
قال ابن إسحاق : وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال : أبعده الله ! فإنه كان يبغض قريشاً .
قال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس : أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال : فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل . قال : فصاح بأعلى صوته : يا معشر العرب : يعلم الله أن ثقيفا غرل .
قال المغيرة بن شعبة : فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت : لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني . قال : ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له : ألا تراهم مختنين كما ترى !
هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين : رجل من غيرة ، يقال له : وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له : الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح : قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس .
شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه :
فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت :
ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف - إخال - يأتيه الخبير
وعروة إنما أهدى جوابا * وقولاً غير قولكما يسير
بأن محمداً عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجور
وجدناه نبياً مثل موسى * فكل فتى يخايره مخير
وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذ تقسمت الأمور
أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور
فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير
يؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير
وأقسم لو هم مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا
فكنا أسد لية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور
ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور
من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور
قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو مكير
أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الأمور
فأفلتمن نجا منهم جريضاً * وقتل منهم بشر كثير
ولا يغني الأمور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور
أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور
بنو عوف تميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير
فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور
ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير
أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير
فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير
وإن لم يسلموا فهم أذان * بحرب الله ليس لهم نصير
كما حكت بني سعد وحرب * برهط بني غزية عنقفير
كأن بني معاوية بن بكر * إلى الإسلام ضائنة تخور
فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الإحن الصدور
كأن القوم إذ جاءوا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور
قال ابن هشام : غيلان : غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة : عروة بن مسعود الثقفي .
مقتل دريد :
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا .
فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له : ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال : ابن لذعة فيما قال ابن هشام : - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام !
فقال له دريد : ماذا تريد بي ؟ قال : أقتلك ، قال : ومن أنت ؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال : بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك .
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً .
شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها :
فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً :
لعمرك ما خشيت على دريد * ببطن سميرة جيش العناق
جزى عنه الإله بني سليم * وعقتهم بما فعلوا عقاق
وأسقانا إذا قدنا إليهم * دماء خيارهم عند التلاقي
فرب عظيمة دافعت عنهم * وقد بلغت نفوسهم التراقي
ورب كريمة أعتقت منهم * وأخرى قد فككت من الوثاق
ورب منوه بك من سليم * أجبت وقد دعاك بلا رماق
فكان جزاؤنا منهم عقوقا * وهما ماع منه مخ ساقي
عفت آثار خيلك بعد أين * بذي بقر إلى فيف النهاق
وقالت عمرة بنت دريد أيضاً :
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر
لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف تأتمر
إذن لصبحهم غباً وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
قال ابن هشام : ويقال اسم الذي قتل دريداً : عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة .
استشهاد أبي عامر الأشعري :
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال :
إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه *
دعاء الرسول لبني رئاب :
وسمادير : أمه .
واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال : يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب .
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اجبر مصيبتهم .
شعر لمالك بن عوف يوم حنين :
وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه : قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم . فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك
ولولا كرتان على محاج * لضاق على العضاريط الطريق
ولولا كر دهمان بن نصر * لدى النخلات مندفع الشديق
لآبت جعفر وبنو هلال * خزايا محقبين على شقوق
قال ابن هشام : هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم . ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث : ما فعلت كعب وكلاب ؟ فقالوا له : لم يشهدها منهم أحد . وجعفر بن كلاب . وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات : لآبت جعفر وبنو هلال
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
لقاء الزبير بعض المنهزمين :
قال ابن هشام : وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ فقالوا : نرى قوماً واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم ؛ فقال : هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي .
ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ؛ فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى قوماً عارضي رماحهم أغفالاً على خيلهم ؛ فقال : هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم .
فلما انتهوا إلى الثنية سلكوا طريق بني سليم . ثم طلع فارس ؛ فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى فارساً طويل الباد ، واضعاً رمحه على عاتقه ، عاصباً رأسه بملاءة حمراء فقال : هذا الزبير بن العوام واحلف باللات ليخالطنكم ، فاثبتوا له . فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها .
شعر سلمة بن دريد في فراره يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم :
نسيتني ما كنت غير مصابة * ولقد عرفت غداة نعف الأظرب
أني منعتك والركوب محبب * ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب
إذ فر كل مهذب ذي لمة * عن أمه وخليله لم يعقب
من حديث أبي عامر الأشعري ومقتله يوم حنين :
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه : أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر : ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال : هذا شريد أبي عامر .
ورمى أبا عامر أخوان : العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه . وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما :
إن الرزية قتل العلاء * وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا
فلم تر في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا
نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال : ما هذا ؟ فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه : أدرك خالداً ، فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً .
الشيماء أخت الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض بني سعد بن بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين : تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إكرامه عليه السلام أخته الشيماء :
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال : فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال : وما علامة ذلك ؟
قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال : إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي .
فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها . فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية .
ما أنزل الله في حنين :
قال ابن هشام : وأنزل الله عز وجل في يوم حنين : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله : ( وذلك جزاء الكافرين ) .
شهداء حنين :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين :
من قريش : ثم من بني هاشم : أيمن بن عبيد .
ومن بني أسد بني عبدالعزى : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل .
ومن الأنصار : سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان .
ومن الأشعريين : أبو عامر الأشعري .
سبايا حنين وأموالها :
ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها .
شعر بجير يوم حنين :
وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين :
لولا الإله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان
بالجزع يوم حبا لنا أقراننا * وسوابح يكبون للأذقان
من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان
والله أكرمنا وأظهر ديننا * و أعزنا بعبادة الرحمن
والله أهلكهم وفرق جمعهم * و أذلهم بعبادة الشيطان
قال ابن هشام : ويروى فيها بعض الرواة :
إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون يا لكتيبة الإيمان
أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان
شعر لعباس بن مرداس يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس في يوم حنين :
إني والسوابح يوم جمع * وما يتلو الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب
هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب
هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحكت بركها ببني رئاب
وصرما من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب
ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي
ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الأورال تنحط بالنهاب
بذى لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب
قال ابن هشام : قوله : تعفر بالتراب : عن غير ابن إسحاق .
عطية بن عفيف النصري يرد على شعر عباس بن مرداس :
فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال :
أفاخرة رفاعة في حنين * وعباس ابن راضعة اللجاب
فإنك والفجار كذات مرط * لربتها وترفل في الإهاب
قال ابن إسحاق : قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين . ورفاعة من جهينة .
شعر آخر لابن مرداس في يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمداً سماكا
ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا
رجلاً به ذرب السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا
يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغى رضا الرحمن ثم رضاكا
أنبيك أني قد رأيت مكرة * تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طوراً يعانق باليدين وتارة * يفرى الجماجم صارما بتاكا
يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا
وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
إما ترى يا أم فروة خيلنا * منها معطلة تقاد وظلع
أوهى مقارعة الأعادي دمها * فيها نوافذ من جراح تنبع
فلرب قائلة كفاها وقعنا * أزم الحروب فسربها لا يفزع
لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا * سببا بحبل محمد لا يقطع
وفد أبو قطن حزابة منهم * وأبو الغيوث وواسع والمقنع
والقائد المائة التي وفى بها * تسع المئين فتم ألف أقرع
جمعت بنو عوف ورهط مخاشن * ستا وأحلب من خفاف أربع
فهناك إذ نصر النبي بألفنا * عقد النبي لنا لواء يلمع
فزنا برايته وأورث عقده * مجد الحياة وسودداً لا ينزع
وغداة نحن مع النبي جناحه * ببطاح مكة والقنا يتهزع
كانت إجابتنا لداعى ربنا * بالحق منا حاسر ومقنع
في كل سابغة تخير سردها * داود إذ نسج الحديد وتبع
ولنا على بئري حنين موكب * دمغ النفاق وهضبة ما تقلع
نصر النبي بنا وكنا معشرا * في كل نائبة نضر وننفع
ذدنا غداتئذ هوازن بالقنا * والخيل يغمرها عجاج يسطع
إذ خاف حدهم النبي وأسندوا * جمعا تكاد الشمس منه تخشع
تدعى بنو جشم وتدعى وسطه * أفناء نصر والأسنة شرع
حتى إذا قال الرسول محمد * أبني سليم قد وفيتم فارفعوا
رحنا ولولا نحن أجحف بأسهم * بالمؤمنين وأحرزوا ما جمعوا
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلا أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدار للحي جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع
دعاني إليهم خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع
عدنية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لا معض
عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالاً لكنا الأقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لأمر حمه الله دافع
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا
وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا
فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا
وسوف ينبيها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا
وأنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا
بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا
خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن النسيج الشهب والبيض ملبس * أسوداً تلاقت في مراصدها غضفا
بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا
بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا
على شخص الأبصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزفا
غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا
بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زجمة إلا التذامر والنقفا
ببيض تطير الهام عن مستقرها * ونقطف أعناق الكماة بها قطفا
فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا
رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعا وما يخفى
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طوراً وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة * تقطع السلك منه فهو مئتثر
يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لأهل الفخر مفتخر
قوم هم نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * لا تخاور في مشتاهم البقر
إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الأخطار والعكر
تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأزق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشراً قلوا ولا كثروا * إلا قد أصبح منا فيهم أثر
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس
إما أتيت على النبي فقل له * حقاً عليك إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطي ومشى * فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس
إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس
حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الأشوس
من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * وتخاله أسداً إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس
وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس
كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها : يا احبسوا
تدعو هوازن بالأخاوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس
قال ابن هشام : أنشدني خلف الأحمر قوله : وقيل منها يا احبسوا .
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
نصرنا رسول الله من غضب له * بألف كمي لا تعد حواسره
جملنا له في عامل الرمح راية * يذود بها في حومة الموت ناصره
ونحن خضبناها دما فهو لونها * غداة حنين يوم صفوان شاجره
وكنا على الإسلام ميمنة له * وكان لنا عقد اللواء وشاهره
وكنا له دون الجنود بطانة * يشاورنا في أمره ونشاوره
دعانا فسمانا الشعار مقدما * وكنا له عونا على من يناكره
جزى الله خيرا من نبي محمداً * وأيده بالنصر والله ناصره
قال ابن هشام : أنشدني من قوله : وكنا على الإسلام . إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ، ولم يعرف البيت الذي أوله : حملنا له في عامل الرمح راية ، وأنشدني بعد قوله : وكان لنا عقد اللواء وشاهره ، ونحن خضبناه دما فهو لونه .
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
من مبلغ الأقوام أن محمدا * رسول الإله راشد حيث يمما
دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما
سرينا وواعدنا قديداً محمداً * يؤم بنا أمراً من الله محكما
تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما
على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الأتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما
وجند من الأنصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما
فإن تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما
حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفا من الخيل ملجما
وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما
وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما
أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى * وكل تراه عن أخيه قد أحجما
لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوافعه دما
إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما
وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما
شعر ضمضم بن الحارث في يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له ، وهما من ثقيف :
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب * إلى جرش من أهل زيان والفم
نقتل أشبال الأسود ونبتغي * طواغي كانت قبلنا لم تهدم
فإن تفخروا بابن الشريد فإنني * تركت بوج مأتما بعد مأتم
أباتهما بابن الشريد وغره * جواركم وكان غير مذمم
تصيب رجالاً من ثقيف رماحنا * وأسيافنا يكلمنهم كل مكلم
وقال ضمضم بن الحارث أيضاً :
أبلغ لديك ذوي الحلائل آية * لا تأمنن الدهر ذات خمار
بعد التي قالت لجارة بيتها * قد كنت لو لبث الغزي بدار
لما رأت رجلا تسفع لونه * وغر المصيفة والعظام عواري
مشط العظام تراه آخر ليله * متسربلا في درعه لغوار
إذ لا أزال على رحالة نهدة * جرداء تلحق بالنجاد إزاري
يوما على أثر النهاب وتارة * كتبت مجاهدة مع الأنصار
وزهاء كل خميلة أزهقتها * مهلاً تمهله وكل خبار
كيما أغير ما بها من حاجة * وتود أني لا أؤوب فجار
شعر أبي خراش يرثي ابن عمه زهير بن العجوة :
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة ، قال : أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف ، فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له : أأنت الماشي لنا بالمغايظ ؟ فضرب عنقه ؛ فقال أبو خراش الهذلي يرثيه ، وكان ابن عمه :
عجف أضيافي جميل بن معمر * بذي فجر تأوي إليه الأرامل
طويل نجاد السيف ليس بجيدر * إذا اهتز واسترخت عليه الحمائل
تكاد يداه تسلمان إزاره * من الجود لما أذلقته الشمائل
إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا * ومستنبح بالي الدريسين عائل
تروح مقرورا وهبت عشية * لها حدب تحتثه فيوائل
فما بال أهل الدار لم يتصدعوا * وقد بان منها اللوذعي الحلاحل
فأقسم لو لاقيته غير موثق * لآبك بالنعف الضباع الجيائل
وإنك لو واجهته إذ لقيته * فنازلته أو كنت ممن ينازل
لظل جميل أفحش القوم صرعة * ولكن قرن الظهر للمرء شاغل
فليس كعهد الدار يا أم ثابت * ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل * سوى الحق شيئا واستراح العواذل
وأصبح إخوان الصفا كأنما * أهال عليهم جانب الترب هائل
فلا تحسبي أني نسيت لياليا * بمكة إذا لم نعد عما نحاول
إذ الناس ناس والبلاد بغرة * وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل
شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره :
منع الرقاد فما أغمض ساعة * نعم بأجزاع الطريق مخضرم
سائل هوازن هل أضر عدوها * وأعين غارمها إذا ما يغرم
وكتيبة لبستها بكتيبة * فئتين منها حاسر وملأم
ومقدم تعيا النفوس لضيقه * قدمته وشهود قومي أعلم
فوردته وتركت إخوانا له * يردون غمرته وغمرته الدم
فإذا انجلت غمراته أورثنني * مجد الحياة ومجد غنم يقسم
كلفتموني ذنب آل محمد * والله أعلم من أعق وأظلم
وخذلتموني إذ أقاتل واحداً * وخذلتموني إذ تقاتل خثعم
وإذا بنيت المجد يهدم بعضكم * لا يستوي بان وآخر يهدم
وأقب مخماص الشتاء مسارع * في المجد ينمى للعلى متكرم
أكرهت فيه ألة يزنية * سمحاء يقدمها سنان سلجم
وتركت حنته ترد وليه * وتقول ليس على فلانة مقدم
ونصبت نفسي للرماح مدججا * مثل الدرية تستحل وتشرم
شعر لرجل من هوازن يذكر سلام قومه بعد الهزيمة :
قال ابن إسحاق : وقال قائل في هوازن أيضاً ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه :
أذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا * ومالك فوقه الرايات تختفق
ومالك مالك ما فوقه أحد * يوم حنين عليه التاج يأتلق
حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم * عليهم البيض والأبدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً * حول النبي وحتى جنه الغسق
ثمت أنزل جبريل بنصرهم * من السماء فمهزوم ومعتنق
منا ولو غير جبريل يقاتلنا * لمنعتنا إذن أسيافنا العتق
وفاتنا عمر الفاروق إذ هزموا * بطعنة بل منها سرجه العلق
شعر امرأة من جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين :
وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين :
أعيني جودا على مالك * معا والعلاء ولا تجمدا
هم القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى مجسد * ينوء نزيفا وما وسدا
شعر زيد بن صحار في هجاء قريش :
وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر :
ألا هل أتاك أن غلبت قريش * هوازن والخطوب لها شروط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * يجيء من الغضاب دم عبيط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * كأن أنوفنا فيها سعوط
فأصبحنا تسوقنا قريش * سياق العير يحدوها النبيط
فلا أنا إن سئلت الخسف آب * ولا أنا إن ألين لهم نشيط
سينقل لحمها في كل فج * وتكتب في مسامعها القطوط
ويروى : الخطوط ، وهذا البيت في رواية أبي سعد .
قال ابن هشام : ويقال : أبو ثواب زياد بن ثواب . وأنشدني خلف الأحمر قوله : يجيء من الغضاب دم عبيط ، وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
عبدالله بن وهب يرد على شعر ابن أبي ثواب :
قال ابن إسحاق : فأجابه عبدالله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسيد ، فقال
بشرط الله نضرب من لقينا * كأفضل ما رأيت من الشروط
وكنا يا هوازن حين نلقى * نبل الهام من علق عبيط
بجمعكم وجمع بني قسي * نحك البرك كالورق الخبيط
أصبنا من سراتكم وملنا * بقتل في المباين والخليط
به الملتاث مفترش يديه * يمج الموت كالبكر النحيط
فإن تك قيس عيلان غضابا * فلا ينفك يرغمهم سعوطي
شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين :
وقال خديج بن العوجاء النصري :
لما دنونا من حنين ومائه * رأينا سوادا منكر اللون أخصفا
بملمومة شهباء لو قذفوا بها * شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم * إذن لما لقينا المعارض المتكشفا
إذن ما لقينا جند آل محمد * ثمانين ألفا واستمدوا بخندفا
قال ابن هشام : وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ فقالوا : نرى قوماً واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم ؛ فقال : هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي .
ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ؛ فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى قوماً عارضي رماحهم أغفالاً على خيلهم ؛ فقال : هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم .
فلما انتهوا إلى الثنية سلكوا طريق بني سليم . ثم طلع فارس ؛ فقال لأصحابه : ماذا ترون ؟ قالوا : نرى فارساً طويل الباد ، واضعاً رمحه على عاتقه ، عاصباً رأسه بملاءة حمراء فقال : هذا الزبير بن العوام واحلف باللات ليخالطنكم ، فاثبتوا له . فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها .
شعر سلمة بن دريد في فراره يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم :
نسيتني ما كنت غير مصابة * ولقد عرفت غداة نعف الأظرب
أني منعتك والركوب محبب * ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب
إذ فر كل مهذب ذي لمة * عن أمه وخليله لم يعقب
من حديث أبي عامر الأشعري ومقتله يوم حنين :
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه : أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر : ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول : اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل : اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال : هذا شريد أبي عامر .
ورمى أبا عامر أخوان : العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه . وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما :
إن الرزية قتل العلاء * وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا
فلم تر في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا
نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال : ما هذا ؟ فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه : أدرك خالداً ، فقل له : إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً .
الشيماء أخت الرسول :
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض بني سعد بن بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ : إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين : تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إكرامه عليه السلام أخته الشيماء :
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال : فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال : وما علامة ذلك ؟
قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال : إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي .
فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها . فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية .
ما أنزل الله في حنين :
قال ابن هشام : وأنزل الله عز وجل في يوم حنين : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله : ( وذلك جزاء الكافرين ) .
شهداء حنين :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين :
من قريش : ثم من بني هاشم : أيمن بن عبيد .
ومن بني أسد بني عبدالعزى : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل .
ومن الأنصار : سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان .
ومن الأشعريين : أبو عامر الأشعري .
سبايا حنين وأموالها :
ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها .
شعر بجير يوم حنين :
وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين :
لولا الإله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان
بالجزع يوم حبا لنا أقراننا * وسوابح يكبون للأذقان
من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان
والله أكرمنا وأظهر ديننا * و أعزنا بعبادة الرحمن
والله أهلكهم وفرق جمعهم * و أذلهم بعبادة الشيطان
قال ابن هشام : ويروى فيها بعض الرواة :
إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون يا لكتيبة الإيمان
أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان
شعر لعباس بن مرداس يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس في يوم حنين :
إني والسوابح يوم جمع * وما يتلو الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب
هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب
هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحكت بركها ببني رئاب
وصرما من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب
ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي
ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الأورال تنحط بالنهاب
بذى لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب
قال ابن هشام : قوله : تعفر بالتراب : عن غير ابن إسحاق .
عطية بن عفيف النصري يرد على شعر عباس بن مرداس :
فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال :
أفاخرة رفاعة في حنين * وعباس ابن راضعة اللجاب
فإنك والفجار كذات مرط * لربتها وترفل في الإهاب
قال ابن إسحاق : قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين . ورفاعة من جهينة .
شعر آخر لابن مرداس في يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمداً سماكا
ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا
رجلاً به ذرب السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا
يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغى رضا الرحمن ثم رضاكا
أنبيك أني قد رأيت مكرة * تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طوراً يعانق باليدين وتارة * يفرى الجماجم صارما بتاكا
يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا
وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
إما ترى يا أم فروة خيلنا * منها معطلة تقاد وظلع
أوهى مقارعة الأعادي دمها * فيها نوافذ من جراح تنبع
فلرب قائلة كفاها وقعنا * أزم الحروب فسربها لا يفزع
لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا * سببا بحبل محمد لا يقطع
وفد أبو قطن حزابة منهم * وأبو الغيوث وواسع والمقنع
والقائد المائة التي وفى بها * تسع المئين فتم ألف أقرع
جمعت بنو عوف ورهط مخاشن * ستا وأحلب من خفاف أربع
فهناك إذ نصر النبي بألفنا * عقد النبي لنا لواء يلمع
فزنا برايته وأورث عقده * مجد الحياة وسودداً لا ينزع
وغداة نحن مع النبي جناحه * ببطاح مكة والقنا يتهزع
كانت إجابتنا لداعى ربنا * بالحق منا حاسر ومقنع
في كل سابغة تخير سردها * داود إذ نسج الحديد وتبع
ولنا على بئري حنين موكب * دمغ النفاق وهضبة ما تقلع
نصر النبي بنا وكنا معشرا * في كل نائبة نضر وننفع
ذدنا غداتئذ هوازن بالقنا * والخيل يغمرها عجاج يسطع
إذ خاف حدهم النبي وأسندوا * جمعا تكاد الشمس منه تخشع
تدعى بنو جشم وتدعى وسطه * أفناء نصر والأسنة شرع
حتى إذا قال الرسول محمد * أبني سليم قد وفيتم فارفعوا
رحنا ولولا نحن أجحف بأسهم * بالمؤمنين وأحرزوا ما جمعوا
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلا أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدار للحي جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع
دعاني إليهم خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع
عدنية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لا معض
عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالاً لكنا الأقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لأمر حمه الله دافع
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين :
تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا
وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا
فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا
وسوف ينبيها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا
وأنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا
بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا
خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن النسيج الشهب والبيض ملبس * أسوداً تلاقت في مراصدها غضفا
بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا
بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا
على شخص الأبصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزفا
غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا
بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زجمة إلا التذامر والنقفا
ببيض تطير الهام عن مستقرها * ونقطف أعناق الكماة بها قطفا
فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا
رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعا وما يخفى
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طوراً وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة * تقطع السلك منه فهو مئتثر
يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لأهل الفخر مفتخر
قوم هم نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * لا تخاور في مشتاهم البقر
إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الأخطار والعكر
تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأزق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشراً قلوا ولا كثروا * إلا قد أصبح منا فيهم أثر
وقال عباس بن مرداس أيضاً :
يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس
إما أتيت على النبي فقل له * حقاً عليك إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطي ومشى * فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس
إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس
حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الأشوس
من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * وتخاله أسداً إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس
وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس
كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها : يا احبسوا
تدعو هوازن بالأخاوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس
قال ابن هشام : أنشدني خلف الأحمر قوله : وقيل منها يا احبسوا .
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
نصرنا رسول الله من غضب له * بألف كمي لا تعد حواسره
جملنا له في عامل الرمح راية * يذود بها في حومة الموت ناصره
ونحن خضبناها دما فهو لونها * غداة حنين يوم صفوان شاجره
وكنا على الإسلام ميمنة له * وكان لنا عقد اللواء وشاهره
وكنا له دون الجنود بطانة * يشاورنا في أمره ونشاوره
دعانا فسمانا الشعار مقدما * وكنا له عونا على من يناكره
جزى الله خيرا من نبي محمداً * وأيده بالنصر والله ناصره
قال ابن هشام : أنشدني من قوله : وكنا على الإسلام . إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ، ولم يعرف البيت الذي أوله : حملنا له في عامل الرمح راية ، وأنشدني بعد قوله : وكان لنا عقد اللواء وشاهره ، ونحن خضبناه دما فهو لونه .
قال ابن إسحاق : وقال عباس بن مرداس أيضاً :
من مبلغ الأقوام أن محمدا * رسول الإله راشد حيث يمما
دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما
سرينا وواعدنا قديداً محمداً * يؤم بنا أمراً من الله محكما
تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما
على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الأتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما
وجند من الأنصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما
فإن تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما
حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفا من الخيل ملجما
وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما
وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما
أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى * وكل تراه عن أخيه قد أحجما
لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوافعه دما
إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما
وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما
شعر ضمضم بن الحارث في يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له ، وهما من ثقيف :
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب * إلى جرش من أهل زيان والفم
نقتل أشبال الأسود ونبتغي * طواغي كانت قبلنا لم تهدم
فإن تفخروا بابن الشريد فإنني * تركت بوج مأتما بعد مأتم
أباتهما بابن الشريد وغره * جواركم وكان غير مذمم
تصيب رجالاً من ثقيف رماحنا * وأسيافنا يكلمنهم كل مكلم
وقال ضمضم بن الحارث أيضاً :
أبلغ لديك ذوي الحلائل آية * لا تأمنن الدهر ذات خمار
بعد التي قالت لجارة بيتها * قد كنت لو لبث الغزي بدار
لما رأت رجلا تسفع لونه * وغر المصيفة والعظام عواري
مشط العظام تراه آخر ليله * متسربلا في درعه لغوار
إذ لا أزال على رحالة نهدة * جرداء تلحق بالنجاد إزاري
يوما على أثر النهاب وتارة * كتبت مجاهدة مع الأنصار
وزهاء كل خميلة أزهقتها * مهلاً تمهله وكل خبار
كيما أغير ما بها من حاجة * وتود أني لا أؤوب فجار
شعر أبي خراش يرثي ابن عمه زهير بن العجوة :
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة ، قال : أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف ، فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له : أأنت الماشي لنا بالمغايظ ؟ فضرب عنقه ؛ فقال أبو خراش الهذلي يرثيه ، وكان ابن عمه :
عجف أضيافي جميل بن معمر * بذي فجر تأوي إليه الأرامل
طويل نجاد السيف ليس بجيدر * إذا اهتز واسترخت عليه الحمائل
تكاد يداه تسلمان إزاره * من الجود لما أذلقته الشمائل
إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا * ومستنبح بالي الدريسين عائل
تروح مقرورا وهبت عشية * لها حدب تحتثه فيوائل
فما بال أهل الدار لم يتصدعوا * وقد بان منها اللوذعي الحلاحل
فأقسم لو لاقيته غير موثق * لآبك بالنعف الضباع الجيائل
وإنك لو واجهته إذ لقيته * فنازلته أو كنت ممن ينازل
لظل جميل أفحش القوم صرعة * ولكن قرن الظهر للمرء شاغل
فليس كعهد الدار يا أم ثابت * ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل * سوى الحق شيئا واستراح العواذل
وأصبح إخوان الصفا كأنما * أهال عليهم جانب الترب هائل
فلا تحسبي أني نسيت لياليا * بمكة إذا لم نعد عما نحاول
إذ الناس ناس والبلاد بغرة * وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل
شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين :
قال ابن إسحاق : وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره :
منع الرقاد فما أغمض ساعة * نعم بأجزاع الطريق مخضرم
سائل هوازن هل أضر عدوها * وأعين غارمها إذا ما يغرم
وكتيبة لبستها بكتيبة * فئتين منها حاسر وملأم
ومقدم تعيا النفوس لضيقه * قدمته وشهود قومي أعلم
فوردته وتركت إخوانا له * يردون غمرته وغمرته الدم
فإذا انجلت غمراته أورثنني * مجد الحياة ومجد غنم يقسم
كلفتموني ذنب آل محمد * والله أعلم من أعق وأظلم
وخذلتموني إذ أقاتل واحداً * وخذلتموني إذ تقاتل خثعم
وإذا بنيت المجد يهدم بعضكم * لا يستوي بان وآخر يهدم
وأقب مخماص الشتاء مسارع * في المجد ينمى للعلى متكرم
أكرهت فيه ألة يزنية * سمحاء يقدمها سنان سلجم
وتركت حنته ترد وليه * وتقول ليس على فلانة مقدم
ونصبت نفسي للرماح مدججا * مثل الدرية تستحل وتشرم
شعر لرجل من هوازن يذكر سلام قومه بعد الهزيمة :
قال ابن إسحاق : وقال قائل في هوازن أيضاً ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه :
أذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا * ومالك فوقه الرايات تختفق
ومالك مالك ما فوقه أحد * يوم حنين عليه التاج يأتلق
حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم * عليهم البيض والأبدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً * حول النبي وحتى جنه الغسق
ثمت أنزل جبريل بنصرهم * من السماء فمهزوم ومعتنق
منا ولو غير جبريل يقاتلنا * لمنعتنا إذن أسيافنا العتق
وفاتنا عمر الفاروق إذ هزموا * بطعنة بل منها سرجه العلق
شعر امرأة من جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين :
وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين :
أعيني جودا على مالك * معا والعلاء ولا تجمدا
هم القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى مجسد * ينوء نزيفا وما وسدا
شعر زيد بن صحار في هجاء قريش :
وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر :
ألا هل أتاك أن غلبت قريش * هوازن والخطوب لها شروط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * يجيء من الغضاب دم عبيط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * كأن أنوفنا فيها سعوط
فأصبحنا تسوقنا قريش * سياق العير يحدوها النبيط
فلا أنا إن سئلت الخسف آب * ولا أنا إن ألين لهم نشيط
سينقل لحمها في كل فج * وتكتب في مسامعها القطوط
ويروى : الخطوط ، وهذا البيت في رواية أبي سعد .
قال ابن هشام : ويقال : أبو ثواب زياد بن ثواب . وأنشدني خلف الأحمر قوله : يجيء من الغضاب دم عبيط ، وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
عبدالله بن وهب يرد على شعر ابن أبي ثواب :
قال ابن إسحاق : فأجابه عبدالله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسيد ، فقال
بشرط الله نضرب من لقينا * كأفضل ما رأيت من الشروط
وكنا يا هوازن حين نلقى * نبل الهام من علق عبيط
بجمعكم وجمع بني قسي * نحك البرك كالورق الخبيط
أصبنا من سراتكم وملنا * بقتل في المباين والخليط
به الملتاث مفترش يديه * يمج الموت كالبكر النحيط
فإن تك قيس عيلان غضابا * فلا ينفك يرغمهم سعوطي
شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين :
وقال خديج بن العوجاء النصري :
لما دنونا من حنين ومائه * رأينا سوادا منكر اللون أخصفا
بملمومة شهباء لو قذفوا بها * شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم * إذن لما لقينا المعارض المتكشفا
إذن ما لقينا جند آل محمد * ثمانين ألفا واستمدوا بخندفا
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان
فلول ثقيف :
ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال .
المتخلفون عن حنين والطائف :
و لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ، ولا غيدن بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور .
شعر كعب بن مالك في غزوة الطائف :
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ؛ فقال كعب بن مالك ، حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف :
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن : دوسا أو ثقيفا
فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا
وننتزع العروش ببطن وج * وتصبح دوركم منكم خلوفا
ويأتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا
إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا
بأيديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوفا
كأمثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا
تخال جدية الأبطال فيهم * غداة الزحف جادياً مدوفا
أجدهم أليس لهم نصيح * من الأقوام كان بنا عريفا
يخبرهم بأنا قد جمعنا * عناق الخيل والنجب الطروفا
وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا
رشيد الأمر ذو حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا
نطيع نبينا ونطيع رباً * هو الرحمن كان بنا رءوفا
فإن تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الإسلام إذعانا مضيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا
وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والأنوفا
بكل مهند لين صقيل * يسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله والإسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنفيا
وتنسى اللات والعزى وود * ونسلبها القلائد والشنوفا
فأمسوا قد أقروا واطمأنوا * ومن لا يمتنع يقبل خشوفا
كنانة بن عبد ياليل يرد على كعب بن مالك :
فأجابه كنانة ابن عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فقال :
من كان يبغينا يريد قتالنا * فإنا بدار معلم لانريمها
وجدنا بها الأباء من قبل ما ترى * وكانت لنا أطواؤها وكرومها
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر * فأخبرها ذو رأيها وحليمها
وقد علمت إن قالت الحق أننا * إذا ما أبت صعر الخدود نقيمها
نقومها حتى يلين شريسها * ويعرف للحق المبين ظلومها
علينا دلاص من تراث محرق * كلون السماء زينتها نجومها
نرفهها عنا ببيض صوارم * إذا جردت في غمرة لا نشيمها
شعر شداد بن عارض في المسير إلى الطائف :
قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف :
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر
إن التي حرقت بالسد فاشتعلت * ولم يقاتل لدى أحجارها هدر
إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر
الطريق إلى الطائف :
قال ابن إسحاق : فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجداً فصلى فيه .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب : أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء ، حين نزلها ، بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتلته به .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بلية ، بحصن مالك بن عوف فهدم ، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال : ما اسم هذه الطريق ؟
فقيل له : الضيقة ، فقال : بل هي اليسرى ، ثم خرج منها على نخب ، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة : قريباً من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما أن تخرج ، وإما أن نخرب عليك حائطك ؛ فأبى أن يخرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرابه .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف ، فضرب به عسكره ، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل ، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، وكانت النبل تنالهم ، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم ؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة .
قال ابن هشام : ويقال : سبع عشرة ليلة .
قال ابن إسحاق : ومعه امرأتان من نسائه ، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ، فضرب لهما قبتين ، ثم صلى بين القبتين .
ثم أقام ، فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب ابن مالك مسجداً ، وكانت في ذلك المسجد سارية ، في ما يزعمون ، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل .
أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام :
قال ابن هشام : ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق .
حدثني من أثق به ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق ، رمى أهل الطائف .
يوم الشدخة :
قال ابن إسحاق : حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالاً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون .
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف :
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناد يا ثقيفاً : أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهن السباء ، فأبين ، منهن آمنة بنت أبي سفيان ، كانت عند عروة بن مسعود ، له منها داود بن عروة .
قال ابن هشام : ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، كانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود ، فولدت له داود بن مرة .
قال ابن إسحاق : والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبدالرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسي أمية بن قلع ؛ فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود : يا أبا سفيان ويا مغيرة ، ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مؤنة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً فكلماه فليأخذ لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم ، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم .
أبو بكر يفسر رؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم :
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق : وهو محاصر ثقيفاً : يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبداً ، فنقرها ديك ، فهراق ما فيها . فقال أبو بكر : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا لا أرى ذلك .
ارتحال المسلمين عن الطائف :
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ، وهي امرأة عثمان قالت : يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة ، أو حلي الفارعة بنت عقيل ، وكانتا من أحلى نساء ثقيف .
فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ؟ فخرجت خويلة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : ما حديث حدثتنيه خويلة ، زعمت أنك قتله ؟ قال : قد قلته ؛ قال : أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا . قال : أفلا أؤذن بالرحيل ؟ قال : بلى . قال : فأذن عمر بالرحيل .
عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف :
فلما استقام الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج : ألا إن الحي مقيم . قال : يقول عيينة بن حصن : أجل ، والله مجدة كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين : قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فقال : إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً قوم مناكير .
عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين :
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصراً بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عتقاء ثقيف :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مكدم ، عن رجال من ثقيف قالوا : لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، أولئك عتقاء الله ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة .
قال ابن هشام : وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد .
شعر للضحاك بن سفيان وسببه :
قال ابن إسحاق : وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي ، وكان قد أسلم ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف ، فزعمت ثقيف ، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس : خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه ، فلقي أبي بن مالك القشيري فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله ، فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكلم ثقيفاً حتى أرسلوا أهل مروان ، وأطلق لهم أبي بن مالك ، فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك :
أتنسى بلائي يا أبي بن مالك * غداة الرسول معرض عنك أشوس
يقودك مروان بن قيس بحبله * ذليلا كما قيد الذلول المخيس
فعادت عليك من ثقيف عصابة * متى يأتهم مستقبس الشر يقبسوا
فكانوا هم المولى فعادت حلومهم * عليك وقد كادت بك النفس تيأس
قال ابن هشام : يقبسوا عن غير ابن إسحاق .
الشهداء يوم الطائف :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف .
من قريش :
من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة بن جناب ، حليف لهم ، من الأسد بن الغوث .
قال ابن هشام : ويقال : ابن حباب .
قال ابن إسحاق : ومن بني تيم بن مرة : عبدالله بن أبي بكر الصديق ، رمى بسهمفمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن بنى مخزوم : عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ .
ومن بني عدي بن كعب : عبدالله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم .
ومن بني سهم بن عمرو : السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبدالله بن الحارث .
ومن بني سعد بن ليث : جليحة بن عبدالله .
واستشهد من الأنصار : من بني سلمة : ثابت بن الجذع .
ومن بني مازن بن النجار : الحارث بن سهل بن أبي صعصعة .
ومن بني ساعدة : المنذر بن عبدالله .
ومن الأوس : رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية .
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث .
قصيدة بجير بن زهير في حنين والطائف :
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار ، قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف :
كانت علالة يوم بطن حنين * وغداة أوطاس ويوم الأبرق
جمعت بإغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق
لم يمنعوا منا مقاما واحداً * إلا جدارهم وبطن الخندق
ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فتحصنوا منا بباب مغلق
ترتد حسرانا إلى رجراجة * شهباء تلمع بالمنايا فيلق
ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حضنا لظل كأنه لم يخلق
مشى الضراء على الهراس كأننا * قدر تفرق في القياد وتلتقى
في كل سابغة إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق
جدل تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف :
أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها :
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ، ومعه من هوازن سبي كثير ، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف : يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد ثقيفا وأت بهم .
وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو : أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا : يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك . فامنن علينا ، من الله عليك ، قال : وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير يكنى أبا صرد ، فقال : يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين .
قال ابن هشام :ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن عمرو قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم
فقالوا : يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم : أما ما كان ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر ، بالناس فقوموا : فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم .
فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا .
فقالت بنو سليم : بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : يقول : عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي ، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه .
قال ابن إسحاق : فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، قال : بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها .
قال : فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ، فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا : رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها فأخذوها .
عيينة والعجوز التي أخذها
قال ابن إسحاق : وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها : أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها .
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد : خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد ، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال : إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفا وثيرة
فلول ثقيف :
ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال .
المتخلفون عن حنين والطائف :
و لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ، ولا غيدن بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور .
شعر كعب بن مالك في غزوة الطائف :
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ؛ فقال كعب بن مالك ، حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف :
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن : دوسا أو ثقيفا
فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا
وننتزع العروش ببطن وج * وتصبح دوركم منكم خلوفا
ويأتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا
إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا
بأيديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوفا
كأمثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا
تخال جدية الأبطال فيهم * غداة الزحف جادياً مدوفا
أجدهم أليس لهم نصيح * من الأقوام كان بنا عريفا
يخبرهم بأنا قد جمعنا * عناق الخيل والنجب الطروفا
وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا
رشيد الأمر ذو حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا
نطيع نبينا ونطيع رباً * هو الرحمن كان بنا رءوفا
فإن تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الإسلام إذعانا مضيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا
وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والأنوفا
بكل مهند لين صقيل * يسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله والإسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنفيا
وتنسى اللات والعزى وود * ونسلبها القلائد والشنوفا
فأمسوا قد أقروا واطمأنوا * ومن لا يمتنع يقبل خشوفا
كنانة بن عبد ياليل يرد على كعب بن مالك :
فأجابه كنانة ابن عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فقال :
من كان يبغينا يريد قتالنا * فإنا بدار معلم لانريمها
وجدنا بها الأباء من قبل ما ترى * وكانت لنا أطواؤها وكرومها
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر * فأخبرها ذو رأيها وحليمها
وقد علمت إن قالت الحق أننا * إذا ما أبت صعر الخدود نقيمها
نقومها حتى يلين شريسها * ويعرف للحق المبين ظلومها
علينا دلاص من تراث محرق * كلون السماء زينتها نجومها
نرفهها عنا ببيض صوارم * إذا جردت في غمرة لا نشيمها
شعر شداد بن عارض في المسير إلى الطائف :
قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف :
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر
إن التي حرقت بالسد فاشتعلت * ولم يقاتل لدى أحجارها هدر
إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر
الطريق إلى الطائف :
قال ابن إسحاق : فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجداً فصلى فيه .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب : أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء ، حين نزلها ، بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتلته به .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بلية ، بحصن مالك بن عوف فهدم ، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال : ما اسم هذه الطريق ؟
فقيل له : الضيقة ، فقال : بل هي اليسرى ، ثم خرج منها على نخب ، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة : قريباً من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما أن تخرج ، وإما أن نخرب عليك حائطك ؛ فأبى أن يخرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرابه .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف ، فضرب به عسكره ، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل ، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، وكانت النبل تنالهم ، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم ؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة .
قال ابن هشام : ويقال : سبع عشرة ليلة .
قال ابن إسحاق : ومعه امرأتان من نسائه ، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ، فضرب لهما قبتين ، ثم صلى بين القبتين .
ثم أقام ، فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب ابن مالك مسجداً ، وكانت في ذلك المسجد سارية ، في ما يزعمون ، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل .
أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام :
قال ابن هشام : ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق .
حدثني من أثق به ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق ، رمى أهل الطائف .
يوم الشدخة :
قال ابن إسحاق : حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالاً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون .
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف :
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناد يا ثقيفاً : أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهن السباء ، فأبين ، منهن آمنة بنت أبي سفيان ، كانت عند عروة بن مسعود ، له منها داود بن عروة .
قال ابن هشام : ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، كانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود ، فولدت له داود بن مرة .
قال ابن إسحاق : والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبدالرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسي أمية بن قلع ؛ فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود : يا أبا سفيان ويا مغيرة ، ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مؤنة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً فكلماه فليأخذ لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم ، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم .
أبو بكر يفسر رؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم :
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق : وهو محاصر ثقيفاً : يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبداً ، فنقرها ديك ، فهراق ما فيها . فقال أبو بكر : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا لا أرى ذلك .
ارتحال المسلمين عن الطائف :
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ، وهي امرأة عثمان قالت : يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة ، أو حلي الفارعة بنت عقيل ، وكانتا من أحلى نساء ثقيف .
فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ؟ فخرجت خويلة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله : ما حديث حدثتنيه خويلة ، زعمت أنك قتله ؟ قال : قد قلته ؛ قال : أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا . قال : أفلا أؤذن بالرحيل ؟ قال : بلى . قال : فأذن عمر بالرحيل .
عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف :
فلما استقام الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج : ألا إن الحي مقيم . قال : يقول عيينة بن حصن : أجل ، والله مجدة كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين : قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم !
فقال : إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً قوم مناكير .
عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين :
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصراً بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عتقاء ثقيف :
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مكدم ، عن رجال من ثقيف قالوا : لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، أولئك عتقاء الله ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة .
قال ابن هشام : وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد .
شعر للضحاك بن سفيان وسببه :
قال ابن إسحاق : وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي ، وكان قد أسلم ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف ، فزعمت ثقيف ، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس : خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه ، فلقي أبي بن مالك القشيري فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله ، فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكلم ثقيفاً حتى أرسلوا أهل مروان ، وأطلق لهم أبي بن مالك ، فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك :
أتنسى بلائي يا أبي بن مالك * غداة الرسول معرض عنك أشوس
يقودك مروان بن قيس بحبله * ذليلا كما قيد الذلول المخيس
فعادت عليك من ثقيف عصابة * متى يأتهم مستقبس الشر يقبسوا
فكانوا هم المولى فعادت حلومهم * عليك وقد كادت بك النفس تيأس
قال ابن هشام : يقبسوا عن غير ابن إسحاق .
الشهداء يوم الطائف :
قال ابن إسحاق : وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف .
من قريش :
من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة بن جناب ، حليف لهم ، من الأسد بن الغوث .
قال ابن هشام : ويقال : ابن حباب .
قال ابن إسحاق : ومن بني تيم بن مرة : عبدالله بن أبي بكر الصديق ، رمى بسهمفمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن بنى مخزوم : عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ .
ومن بني عدي بن كعب : عبدالله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم .
ومن بني سهم بن عمرو : السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبدالله بن الحارث .
ومن بني سعد بن ليث : جليحة بن عبدالله .
واستشهد من الأنصار : من بني سلمة : ثابت بن الجذع .
ومن بني مازن بن النجار : الحارث بن سهل بن أبي صعصعة .
ومن بني ساعدة : المنذر بن عبدالله .
ومن الأوس : رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية .
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث .
قصيدة بجير بن زهير في حنين والطائف :
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار ، قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف :
كانت علالة يوم بطن حنين * وغداة أوطاس ويوم الأبرق
جمعت بإغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق
لم يمنعوا منا مقاما واحداً * إلا جدارهم وبطن الخندق
ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فتحصنوا منا بباب مغلق
ترتد حسرانا إلى رجراجة * شهباء تلمع بالمنايا فيلق
ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حضنا لظل كأنه لم يخلق
مشى الضراء على الهراس كأننا * قدر تفرق في القياد وتلتقى
في كل سابغة إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق
جدل تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف :
أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها :
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ، ومعه من هوازن سبي كثير ، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف : يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد ثقيفا وأت بهم .
وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو : أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا : يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك . فامنن علينا ، من الله عليك ، قال : وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير يكنى أبا صرد ، فقال : يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين .
قال ابن هشام :ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر .
قال ابن إسحاق : فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن عمرو قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم
فقالوا : يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم : أما ما كان ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر ، بالناس فقوموا : فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم .
فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا .
فقالت بنو سليم : بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : يقول : عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي ، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه .
قال ابن إسحاق : فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، قال : بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها .
قال : فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ، فقلت : ما شأنكم ؟ قالوا : رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت : تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها فأخذوها .
عيينة والعجوز التي أخذها
قال ابن إسحاق : وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها : أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها .
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد : خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد ، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال : إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفا وثيرة
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أمر مالك بن عوف وإسلامه وشعره في ذلك
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ؟ فقالوا : هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله . وأعطيته مائة من الإبل .
فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال ، فيحبسوه ، فأمر براحلته فهيئت له ، وأمر بفرس له ، فأتى به إلى الطائف ، فخرج ليلاً ، فجلس على فرسه فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس ، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ؛ فقال مالك بن عوف حين أسلم :
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل : ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم ؛ فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي :
هابت الأعداء جانبنا * ثم تغزونا بنو سلمة
وأتانا مالك بهم * ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا * ولقد كنا أولى نقمه
تقسيم الفيء
قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون : يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال : أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال :
أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة .
قال : فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال : يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال :أما نصيبي منها فلك قال : أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده .
لا غلول في المغنم
قال ابن هشام :وذكر زيد بن أسلم عن أبيه :
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة وسيفه متلطخ دماً ، فقالت : إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال : دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط
فرجع عقيل ، فقال : ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم .
إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم
قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير .
قال ابن هشام :نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً .
قال ابن إسحاق : وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين .
وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ،
قال ابن هشام :واسمه عدي بن قيس .
شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى
قال ابن هشام :وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيا ولم أمنع
إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام :أنشدني يونس النحوي .
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجتمع
إرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي . فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام :وحدثني بعض أهل العلم :
أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت القائل :
فأصبح نهبي ونهب العبيـ * ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر الصديق : بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هما واحد ، فقال أبو بكر : أشهد أنك كما قال الله: ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) .
توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش :
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين .
من بني أمية بن عبد شمس : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية .
ومن بني عبدالدار بن قصي : شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار .
ومن بني مخزوم بن يقظة : زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
ومن بني عدي بن كعب : مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم .
ومن بني جمح بن عمرو : صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف .
ومن بني سهم : عدي بن قيس بن حذافة .
ومن بني عمر بن لؤي : حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب .
ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل :
ومن أفناء القبائل : من بني بكر بن مناة بن كنانة : نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل .
ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب .
ومن بني عامر بن ربيعة : خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو .
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع
ومن بني سليم بن منصور : عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم .
ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة : عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر .
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة : الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم .
لماذا لم يعط جعيل بن سراقة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي :
أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه : يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه .
اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال :
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال : نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال : يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل فكيف رأيت ؟ فقال : لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله ؟ فقال : لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة وسماه ذا الخويصرة .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك .
شعر حسان بن ثابت في حرمان الأنصار :
قال ابن هشام :ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك :
زادت هموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر
وجداً بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا دنس فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله اعترفوا * للنائبات وما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف أطراف القنا وزر
نخالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع من توحي به السور
ولا تهمر جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حربت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا
وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال ابن هشام :حدثني زياد بن عبدالله ،قال : حدثنا ابن إسحاق قال : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال :
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه .
عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار :
فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء .
قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم .
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم !
قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ الله ولرسوله المن والفضل .
قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم .
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ؟ فقالوا : هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله . وأعطيته مائة من الإبل .
فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال ، فيحبسوه ، فأمر براحلته فهيئت له ، وأمر بفرس له ، فأتى به إلى الطائف ، فخرج ليلاً ، فجلس على فرسه فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس ، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ؛ فقال مالك بن عوف حين أسلم :
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل : ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم ؛ فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي :
هابت الأعداء جانبنا * ثم تغزونا بنو سلمة
وأتانا مالك بهم * ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا * ولقد كنا أولى نقمه
تقسيم الفيء
قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون : يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال : أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال :
أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة .
قال : فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال : يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال :أما نصيبي منها فلك قال : أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده .
لا غلول في المغنم
قال ابن هشام :وذكر زيد بن أسلم عن أبيه :
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة وسيفه متلطخ دماً ، فقالت : إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال : دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط
فرجع عقيل ، فقال : ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم .
إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم
قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير .
قال ابن هشام :نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً .
قال ابن إسحاق : وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين .
وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ،
قال ابن هشام :واسمه عدي بن قيس .
شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى
قال ابن هشام :وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيا ولم أمنع
إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام :أنشدني يونس النحوي .
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجتمع
إرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي . فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام :وحدثني بعض أهل العلم :
أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت القائل :
فأصبح نهبي ونهب العبيـ * ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر الصديق : بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هما واحد ، فقال أبو بكر : أشهد أنك كما قال الله: ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) .
توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش :
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين .
من بني أمية بن عبد شمس : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية .
ومن بني عبدالدار بن قصي : شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار .
ومن بني مخزوم بن يقظة : زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
ومن بني عدي بن كعب : مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم .
ومن بني جمح بن عمرو : صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف .
ومن بني سهم : عدي بن قيس بن حذافة .
ومن بني عمر بن لؤي : حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب .
ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل :
ومن أفناء القبائل : من بني بكر بن مناة بن كنانة : نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل .
ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب .
ومن بني عامر بن ربيعة : خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو .
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع
ومن بني سليم بن منصور : عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم .
ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة : عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر .
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة : الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم .
لماذا لم يعط جعيل بن سراقة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي :
أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه : يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه .
اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال :
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال : نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال : يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل فكيف رأيت ؟ فقال : لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله ؟ فقال : لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة وسماه ذا الخويصرة .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك .
شعر حسان بن ثابت في حرمان الأنصار :
قال ابن هشام :ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك :
زادت هموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر
وجداً بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا دنس فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله اعترفوا * للنائبات وما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف أطراف القنا وزر
نخالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع من توحي به السور
ولا تهمر جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حربت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا
وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال ابن هشام :حدثني زياد بن عبدالله ،قال : حدثنا ابن إسحاق قال : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال :
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه .
عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار :
فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء .
قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم .
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم !
قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ الله ولرسوله المن والفضل .
قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم .
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني
اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة
قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ، ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء .
رزق عتاب بن أسيد والي مكة
قال ابن هشام :وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال :
لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً فقام فخطب الناس ، فقال :
أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد .
زمان هذه العمرة
قال ابن إسحاق : وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة .
قال ابن هشام :وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني .
قال ابن إسحاق : وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ، ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع .
أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف
تخويف بجير على أخيه كعب ونصيحته له :
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ، ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض ؛ وكان كعب بن زهير قد قال :
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوما أبا له * عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعالكا
سقاك بها المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال ابن هشام :ويروي ( المأمور ) . وقوله ( فبين لنا ) عن غير ابن إسحاق .
و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه :
من مبلغ عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعته * على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعا لكا
قال : وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت يجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما سمع ( سقاك بها المأمون ) صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون . ولما سمع ( على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ) قال : أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .
ثم قال بجير لكعب :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجوا إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم ينجو وليس بمفلت * من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه * ودين أبي سلمى علي محرم
قال ابن إسحاق : وإنما يقول كعب : ( المأمون ) ويقال : ( المأمور ) في قول ابن هشام ، لقول قريش الذي كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
كعب بن زهير وقصيدته الشهيرة بانت سعاد
قال ابن إسحاق : فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا : هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً ، قال قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكر فيها خوفه ، وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه .
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه ، فوضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة :
أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه عنك ، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه قال : فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه * من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها * فجع وولع وأخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة * لها على الأين إرقال وتبغيل
من كل نضاخة الذفري إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي النجاد بعيني مفرد لهق * إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة * في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم ما يؤيسه * طلح بضاحية المتنين مهزول
حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل
يمشي القزاد عليها ثم يزلقه * منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما فات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل * في غارز لم تخونه الأحاليل
قنواء في حرتيها للبصير بها * عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تخدي على يسرات وهي لاحقة * ذوابل مسهن الأرض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما * لم يقهن رءوس الأكم تنعيل
كأن أوب ذراعيها وقد عرقت * وقد تلفع بالقور العساقيل
يوما يظل به الحرباء مصطخدا * كأن ضاحيه بالشمس مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
شد النهار ذراعا عيطل نصف * قامت فجاوبها نكد مثاكيل
نواحة رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا بن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن * فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به * أرى واسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له * من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه * في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل
إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * حزب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل
قال ابن هشام :قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وبيته ( حرف أخوها أبوها ) وبيته ( يمشي القراد ) وبيته ( عيرانة قذفت ) وبيته ( تمر مثل عسيب النخل ) وبيته ( تفري اللبان ) وبيته ( إذا يساور قرنا ) وبيته ( ولا يزال بواديه ) : عن غير ابن إسحاق
كعب يسترضي الأنصار بمدحهم
قال ابن إسحاق : وقال عاصم بن عمر بن قتادة :
فلما قال كعب ( إذا عرد السود التنابيل ) وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته ، غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعهم من اليمن
من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر * إن الخيار هم بنو الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع * كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار
والذائدين الناس عن أديانهم * بالمشرفي وبالقنا الخطار
يتطهرون يرونه نسكا لهم * بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية * غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت ليمنعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار
ضربوا عليا يوم بدر ضربة * دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله * فيهم لصدقني الذين أماري
قوم إذا حوت النجوم فإنهم * للطارقين النازلين مقاري
في الغر من غسان من جرثومة * أعيت محافرها على المنقار
قال ابن هشام :ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد ( فقلبي اليوم متبول ) لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات ، وهي في قصيدة له .
قال ابن هشام :وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال :
أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد :
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول )
اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة
قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ، ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء .
رزق عتاب بن أسيد والي مكة
قال ابن هشام :وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال :
لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً فقام فخطب الناس ، فقال :
أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد .
زمان هذه العمرة
قال ابن إسحاق : وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة .
قال ابن هشام :وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني .
قال ابن إسحاق : وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ، ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع .
أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف
تخويف بجير على أخيه كعب ونصيحته له :
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ، ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض ؛ وكان كعب بن زهير قد قال :
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوما أبا له * عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعالكا
سقاك بها المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال ابن هشام :ويروي ( المأمور ) . وقوله ( فبين لنا ) عن غير ابن إسحاق .
و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه :
من مبلغ عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعته * على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعا لكا
قال : وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت يجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما سمع ( سقاك بها المأمون ) صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون . ولما سمع ( على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ) قال : أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .
ثم قال بجير لكعب :
من مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجوا إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم ينجو وليس بمفلت * من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه * ودين أبي سلمى علي محرم
قال ابن إسحاق : وإنما يقول كعب : ( المأمون ) ويقال : ( المأمور ) في قول ابن هشام ، لقول قريش الذي كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
كعب بن زهير وقصيدته الشهيرة بانت سعاد
قال ابن إسحاق : فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا : هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً ، قال قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكر فيها خوفه ، وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه .
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه ، فوضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة :
أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه عنك ، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه قال : فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه * من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها * فجع وولع وأخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة * لها على الأين إرقال وتبغيل
من كل نضاخة الذفري إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي النجاد بعيني مفرد لهق * إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة * في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم ما يؤيسه * طلح بضاحية المتنين مهزول
حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل
يمشي القزاد عليها ثم يزلقه * منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما فات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل * في غارز لم تخونه الأحاليل
قنواء في حرتيها للبصير بها * عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تخدي على يسرات وهي لاحقة * ذوابل مسهن الأرض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما * لم يقهن رءوس الأكم تنعيل
كأن أوب ذراعيها وقد عرقت * وقد تلفع بالقور العساقيل
يوما يظل به الحرباء مصطخدا * كأن ضاحيه بالشمس مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
شد النهار ذراعا عيطل نصف * قامت فجاوبها نكد مثاكيل
نواحة رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا بن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن * فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به * أرى واسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له * من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه * في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل
إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * حزب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل
قال ابن هشام :قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وبيته ( حرف أخوها أبوها ) وبيته ( يمشي القراد ) وبيته ( عيرانة قذفت ) وبيته ( تمر مثل عسيب النخل ) وبيته ( تفري اللبان ) وبيته ( إذا يساور قرنا ) وبيته ( ولا يزال بواديه ) : عن غير ابن إسحاق
كعب يسترضي الأنصار بمدحهم
قال ابن إسحاق : وقال عاصم بن عمر بن قتادة :
فلما قال كعب ( إذا عرد السود التنابيل ) وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته ، غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعهم من اليمن
من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر * إن الخيار هم بنو الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع * كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار
والذائدين الناس عن أديانهم * بالمشرفي وبالقنا الخطار
يتطهرون يرونه نسكا لهم * بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية * غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت ليمنعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار
ضربوا عليا يوم بدر ضربة * دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله * فيهم لصدقني الذين أماري
قوم إذا حوت النجوم فإنهم * للطارقين النازلين مقاري
في الغر من غسان من جرثومة * أعيت محافرها على المنقار
قال ابن هشام :ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد ( فقلبي اليوم متبول ) لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات ، وهي في قصيدة له .
قال ابن هشام :وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال :
أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد :
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول )
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
غزوة تبوك في رجب سنة تسع
التهيؤ للغزو :
قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم . وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبدالله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا ، كل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لا يحدث : بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان من عسرة الناس ، وشدة من الحر ، وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلاكنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له ، إلا ما كان من غزوة تبوك ، فإنه بينها للناس لبعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم .
ائذن لي ولا تفتني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة : يا جد ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد أذنت لك .
ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ). أي : إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر ، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر ، بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرغبة بنفسه عن نفسه ، يقول تعالى : وإن جهنم لمن ورائه .
شأن المنافقين :
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، زهادة في الجهاد وشكا في الحق ، وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم : ( وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) .
قال ابن هشام :وحدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبدالرحمن ، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة عن ، أبيه عن جده ، قال :
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، وكان بيته عند جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت ، فانكسرت رجله ، واقتحم أصحابه فافلتوا . فقال الضحاك في ذلك :
كادت وبيت الله نار محمد * يشيط بها الضحاك وابن أبيرق
وظلت وقد طبقت كبس سويلم * أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي
سلام عليكم لا أعود لمثلها * أخاف ومن تشمل به النار يحرق
حض الأغنياء على النفقة
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره ، وأمر الناس بالجهاز والانكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة ، لم ينفق أحد مثلها .
ما أنفقه عثمان :
قال ابن هشام :حدثني من أثق به :
أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض .
البكاءون والمعذرون والمخلفون :
قال ابن إسحاق : ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف : سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد أخو بن حارثة ، وأبو ليلى عبدالرحمن بن كعب ، وأخو بني مازن بن النجار ، وعمرو بن حمام بن الجموح ، أخو بني سلمة ، عبدالله بن المغفل المزني ، - وبعض الناس يقول : بل هو عبدالله بن عمرو المزني - وهرمي بن عبدالله أخو بني واقف ، وعرباض بن سارية الفزاري ، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه . فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون .
قال ابن إسحاق :
فبلغني أن ابن يامين بن عمر بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبدالرحمن بن كعب وعبدالله بن مغفل وهما يبكيان ، فقال : ما يبكيكما ؟ قالا : جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه ؛ فأعطاهما ناضجا له فارتحلاه ، وزودهما شيئا من تمر ، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وجاءه المعذرون من الأعراب ، فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله تعالى ، وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار .
ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره ، وأجمع السير وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تخلفوا عنه عن غير شك ولا ارتياب ؛ منهم كعب بن مالك بن أبي كعب ، أخو بني سلمة ومرارة بن الربيع ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أمية ، أخو بن واقف وأبو خيثمة ، أخو بني سالم بن عوف ، وكانوا نفر صدق ، لا يتهمون في إسلامهم .
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع .
قال ابن هشام :واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري .
وذكر عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن أبيه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة ، مخرجه إلى تبوك ، سباع بن عرفطة .
تخلف المنافقين عن تبوك :
قال ابن إسحاق : وضرب عبدالله ابن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين .
فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبدالله بن أبي . فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب .
المنافقون يرجفون بعلي
وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، إلى أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون ،وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه ، فلما قال ذلك المنافقون : أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ، ثم خرج حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فقال : يا نبي الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني أنك استثقلتني ، وتخففت مني ؛ فقال : كذبوا . ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد :
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة .
قال ابن إسحاق : ثم رجع المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره
أبو خيثمة وعمير بن وهب يلحقان بالرسول
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف .
ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أدركه حين نزل بتبوك ، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق ، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنباً ، فلا عليك أن تخلف عني حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ، حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة ؛ فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة ، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولى لك يا أبا خيثمة . ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له بخير .
قال ابن هشام :وقال أبو خيثمة في ذلك شعراً ، واسمه مالك بن قيس :
لما رأيت الناس في الدين نافقوا * أتيت التي كانت أعف وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمد * فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة * صفايا كراما بسرها قد تحمما
وكنت إذا شك المنافق أسمحت * إلى الدين نفسي شطره حيث يمما
ما حدث بالحجر
قال ابن إسحاق :
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها ، واستقى الناس من بئرها . فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ، ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له .
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعير له ، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ؛ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ .فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه فشفي ، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ ، فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة .
والحديث عن الرجلين عن عبدالله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وقد حدثني عبدالله بن أبي بكر أن قد سمى له العباس الرجلين ، ولكنه استودعه إياهما ،فأبى عبدالله أن يسميهما لي .
قال ابن هشام :بلغني عن الزهري أنه قال :
لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه ، واستحث راحلته ، ثم قال : لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون ، خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم .
قال ابن إسحاق :
فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله سبحانه سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من بني عبدالأشهل ، قال : قلت لمحمود :
هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال : نعم ، والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته ، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك ، ثم قال محمود : لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه ، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار ، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا ، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس ، قالوا : أقبلنا عليه نقول : ويحك . هل بعد هذا شيء ! قال : سحابة مارة .
تقول ابن اللصيت
قال ابن إسحاق :
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبياً بدرياً ، وهو عم بني عمرو بن حزم وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي ، وكان منافقا .
قال ابن هشام :ويقال ابن لصيب بالباء .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من بني عبدالأشهل قالوا :
فقال زيد بن اللصيت ، وهو في رحل عمارة ، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده : إن رجلا قال :
هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، وهي في الوادي ، في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها ، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله ، فقال : والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، للذي قال زيد بن اللصيت ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول : إلي عباد الله ، إن في رحلي لداهية وما أشعر ، أخرج أي عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني .
قال ابن إسحاق : فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك ، وقال بعض الناس لم يزل متهما بشر حتى هلك .
خبر أبي ذر في غزوة تبوك
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، حتى قيل : يا رسول الله ، قد تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره ؛ فقال : فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، وتلوم أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه ، أخذ متاعه فحمله على ظهره .
ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً ، ونزل رسول الله في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر . فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
موت أبي ذر ودفنه في الربذة :
قال ابن إسحاق : فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي عن عبدالله بن مسعود ، قال :
لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه ، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق .
وأقبل عبدالله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها ، وقام إليهم الغلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه .
قال : فاستهل عبدالله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك .
ثم نزل هو أصحابه فواروه ، ثم حدثهم عبدالله بن مسعود حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك .
تخويف المنافقين المسلمين :
قال ابن إسحاق : قد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو بن عوف ، ومنهم رجل من أشجع ، حليف لبني سلمة ، يقال له : مخشن بن حمير .
قال ابن هشام :ويقال مخشي - يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ! والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر : أدرك القوم فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا . فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته ، فجعل يقول وهو أخذ بحقبها : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ؛ فأنزل الله عز وجل : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) .
وقال مخشن بن حمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي ، وكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشن بن حمير ، فتسمى عبدالرحمن ، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر .
الصلح مع صاحب أيلة
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة ، صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جرباء وأذرح ، فأعطوه الجزية ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فهو عندهم .
كتابه لصاحب أيلة
فكتب ليحنة بن رؤبة .
بسم الله الرحمن الرحيم : هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ، ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة ، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر : لهم ذمة الله ، وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقا يريدونه ، من بر أو بحر .
خالد يأسر أكيدر دومة
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد ، فبعثه إلى أكيدر دومة وهو : أكيدر بن عبدالملك رجل من كندة كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد :
إنك ستجده يصيد البقر .
فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأته ، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر ، فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله ! قالت : فمن يترك هذه ؟ قال : لا أحد .
فنزل فأمر بفرسه ، فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ يقال له حسان ، فركب وخرجوا معه بمطاردهم .
فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته ، وقتلوا أخاه وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب ، فاستلبه خالد ، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه .
من نعيم الجنة :
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال :
رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل المسلمون يلمسونه ، بأيديهم ويتعجبون منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده ، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا .
قال ابن إسحاق : ثم إن خالداً قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته ، فقال رجل من طيئ : يقال له بجير بن بجرة ، يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر ، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته ، لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تبارك سائق البقرات إني * رأيت الله يهدي كل هادى
فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فإنا قد أمرنا بالجهاد
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة .
وادي المشقق وماؤه
وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، ما يروي الراكب والركبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه ، قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين ، فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف عليه فلم ير فيه شيئا .
فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ، فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : ألم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ! ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق .
فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن بقيتم أو من بقي منكم ، لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .
ذو البجادين ودفنه وتسميته :
قال : وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي ، أن عبدالله بن مسعود كان يحدث ، قال :
قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال : فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، قال : فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه ، وهو يقول : أدنيا إلى أخاكما ، فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال
اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه . قال : يقول عبدالله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة .
قال ابن هشام :وإنما سمي ذا البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام ، فيمنعه قومه من ذلك ، ويضيقون عليه ، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره ، والبجاد : الكساء الغليظ الجافي .
فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد ، واشتمل بالآخر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : ذو البجادين لذلك ، والبجاد أيضا : المسح .
قال ابن هشام :قال امرؤ القيس :
كأن أبانا في عرانين ودقة * كبير أناس في بجاد مزمل
حديث أبي رهم في تبوك
قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن ابن أكيمة الليثي ، عن ابن أخي أبي رهم الغفاري ، أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ، يقول :
غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فسرت ذات ليلة معه ونحن بالأخضر قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى الله علينا النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفزعني دنوها منه ، مخافة أن أصيب رجله في الغرز ، فطفقت أحوز راحلتي عنه ، حتى غلبتني عيني في بعض الطريق ونحن في بعض الليل فزاحمت راحلتي راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجله في الغرز ، فما استيقظت إلا بقوله : حس ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي .
فقال : سر ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني عمن تخلف من بني غفار ، فأخبره به ، فقال وهو يسألني : ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط . فحدثته بتخلفهم . قال : فما فعل النفر السود الجعاد القصار ؟ قال : قلت : والله ما أعرف هؤلاء منا . قال : بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ ، فتذكرتهم في بني غفار ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا ، فقلت : يا رسول الله أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل علي بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله ، إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم .
أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك :
قال ابن إسحاق :
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا ، فتصلي لنا فيه ؛ فقال إني على جناح سفر ، وحال شغل ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم ، فصلينا لكم فيه .
فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي ، أو أخاه عاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فأهدماه وحرقاه ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله ، فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وتفرقوا عنه ، ونزل فيهم من القرآن ما نزل :( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين ) إلى آخر القصة .
وكان الذين بنوه أثنى عشر رجلا : خزام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة ابن حاطب من بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف وجارية بن عامر ، وابناه مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ، ونبتل بن الحارث من بني ضبيعة ، وبحزج ، من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان ، من بني ضبيعة ووديعة بن ثابت ، وهو من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن عبدالمنذر .
مساجد الرسول صلى الله عليه وسلم :
وكانت مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة : مسجد بتبوك ، ومسجد بثينة مدران ، ومسجد بذات الزراب ، ومسجد بالأخضر ، ومسجد بذات الخطمي ، ومسجد بألاء ، ومسجد بطرف البتراء ،من ذنب كواكب ، ومسجد بالشق ، شق تارا ، ومسجد بذي الجيفة ، ومسجد بصدر حوضى ، ومسجد بالحجر ، ومسجد بالصعيد ، ومسجد بالوادي ، اليوم ، وادي القرى ، ومسجد بالرقعة من الشقة ، شقة بني عذرة ، ومسجد بذي المروة ومسجد بالفيفاء ، ومسجد بذي خشب.
التهيؤ للغزو :
قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم . وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبدالله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا ، كل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لا يحدث : بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان من عسرة الناس ، وشدة من الحر ، وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلاكنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له ، إلا ما كان من غزوة تبوك ، فإنه بينها للناس لبعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم .
ائذن لي ولا تفتني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة : يا جد ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد أذنت لك .
ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ). أي : إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر ، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر ، بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرغبة بنفسه عن نفسه ، يقول تعالى : وإن جهنم لمن ورائه .
شأن المنافقين :
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، زهادة في الجهاد وشكا في الحق ، وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم : ( وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ) .
قال ابن هشام :وحدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبدالرحمن ، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة عن ، أبيه عن جده ، قال :
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، وكان بيته عند جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت ، فانكسرت رجله ، واقتحم أصحابه فافلتوا . فقال الضحاك في ذلك :
كادت وبيت الله نار محمد * يشيط بها الضحاك وابن أبيرق
وظلت وقد طبقت كبس سويلم * أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي
سلام عليكم لا أعود لمثلها * أخاف ومن تشمل به النار يحرق
حض الأغنياء على النفقة
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره ، وأمر الناس بالجهاز والانكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة ، لم ينفق أحد مثلها .
ما أنفقه عثمان :
قال ابن هشام :حدثني من أثق به :
أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض .
البكاءون والمعذرون والمخلفون :
قال ابن إسحاق : ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف : سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد أخو بن حارثة ، وأبو ليلى عبدالرحمن بن كعب ، وأخو بني مازن بن النجار ، وعمرو بن حمام بن الجموح ، أخو بني سلمة ، عبدالله بن المغفل المزني ، - وبعض الناس يقول : بل هو عبدالله بن عمرو المزني - وهرمي بن عبدالله أخو بني واقف ، وعرباض بن سارية الفزاري ، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه . فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون .
قال ابن إسحاق :
فبلغني أن ابن يامين بن عمر بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبدالرحمن بن كعب وعبدالله بن مغفل وهما يبكيان ، فقال : ما يبكيكما ؟ قالا : جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه ؛ فأعطاهما ناضجا له فارتحلاه ، وزودهما شيئا من تمر ، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وجاءه المعذرون من الأعراب ، فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله تعالى ، وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار .
ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره ، وأجمع السير وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تخلفوا عنه عن غير شك ولا ارتياب ؛ منهم كعب بن مالك بن أبي كعب ، أخو بني سلمة ومرارة بن الربيع ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أمية ، أخو بن واقف وأبو خيثمة ، أخو بني سالم بن عوف ، وكانوا نفر صدق ، لا يتهمون في إسلامهم .
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع .
قال ابن هشام :واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري .
وذكر عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن أبيه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة ، مخرجه إلى تبوك ، سباع بن عرفطة .
تخلف المنافقين عن تبوك :
قال ابن إسحاق : وضرب عبدالله ابن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين .
فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبدالله بن أبي . فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب .
المنافقون يرجفون بعلي
وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، إلى أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون ،وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه ، فلما قال ذلك المنافقون : أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ، ثم خرج حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فقال : يا نبي الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني أنك استثقلتني ، وتخففت مني ؛ فقال : كذبوا . ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد :
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة .
قال ابن إسحاق : ثم رجع المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره
أبو خيثمة وعمير بن وهب يلحقان بالرسول
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف .
ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أدركه حين نزل بتبوك ، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق ، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنباً ، فلا عليك أن تخلف عني حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ، حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا خيثمة ؛ فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة ، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولى لك يا أبا خيثمة . ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له بخير .
قال ابن هشام :وقال أبو خيثمة في ذلك شعراً ، واسمه مالك بن قيس :
لما رأيت الناس في الدين نافقوا * أتيت التي كانت أعف وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمد * فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة * صفايا كراما بسرها قد تحمما
وكنت إذا شك المنافق أسمحت * إلى الدين نفسي شطره حيث يمما
ما حدث بالحجر
قال ابن إسحاق :
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها ، واستقى الناس من بئرها . فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ، ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له .
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعير له ، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ؛ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ .فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه فشفي ، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ ، فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة .
والحديث عن الرجلين عن عبدالله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وقد حدثني عبدالله بن أبي بكر أن قد سمى له العباس الرجلين ، ولكنه استودعه إياهما ،فأبى عبدالله أن يسميهما لي .
قال ابن هشام :بلغني عن الزهري أنه قال :
لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه ، واستحث راحلته ، ثم قال : لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون ، خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم .
قال ابن إسحاق :
فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله سبحانه سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من بني عبدالأشهل ، قال : قلت لمحمود :
هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال : نعم ، والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته ، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك ، ثم قال محمود : لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه ، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار ، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا ، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس ، قالوا : أقبلنا عليه نقول : ويحك . هل بعد هذا شيء ! قال : سحابة مارة .
تقول ابن اللصيت
قال ابن إسحاق :
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبياً بدرياً ، وهو عم بني عمرو بن حزم وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي ، وكان منافقا .
قال ابن هشام :ويقال ابن لصيب بالباء .
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من بني عبدالأشهل قالوا :
فقال زيد بن اللصيت ، وهو في رحل عمارة ، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده : إن رجلا قال :
هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، وهي في الوادي ، في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها ، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله ، فقال : والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، للذي قال زيد بن اللصيت ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي .
فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول : إلي عباد الله ، إن في رحلي لداهية وما أشعر ، أخرج أي عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني .
قال ابن إسحاق : فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك ، وقال بعض الناس لم يزل متهما بشر حتى هلك .
خبر أبي ذر في غزوة تبوك
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، حتى قيل : يا رسول الله ، قد تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره ؛ فقال : فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، وتلوم أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه ، أخذ متاعه فحمله على ظهره .
ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً ، ونزل رسول الله في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر . فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
موت أبي ذر ودفنه في الربذة :
قال ابن إسحاق : فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي عن عبدالله بن مسعود ، قال :
لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه ، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق .
وأقبل عبدالله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها ، وقام إليهم الغلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه .
قال : فاستهل عبدالله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك .
ثم نزل هو أصحابه فواروه ، ثم حدثهم عبدالله بن مسعود حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك .
تخويف المنافقين المسلمين :
قال ابن إسحاق : قد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو بن عوف ، ومنهم رجل من أشجع ، حليف لبني سلمة ، يقال له : مخشن بن حمير .
قال ابن هشام :ويقال مخشي - يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ! والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشن بن حمير :
والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر : أدرك القوم فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا . فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته ، فجعل يقول وهو أخذ بحقبها : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ؛ فأنزل الله عز وجل : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) .
وقال مخشن بن حمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي ، وكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشن بن حمير ، فتسمى عبدالرحمن ، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر .
الصلح مع صاحب أيلة
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة ، صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جرباء وأذرح ، فأعطوه الجزية ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فهو عندهم .
كتابه لصاحب أيلة
فكتب ليحنة بن رؤبة .
بسم الله الرحمن الرحيم : هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ، ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة ، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر : لهم ذمة الله ، وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقا يريدونه ، من بر أو بحر .
خالد يأسر أكيدر دومة
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد ، فبعثه إلى أكيدر دومة وهو : أكيدر بن عبدالملك رجل من كندة كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد :
إنك ستجده يصيد البقر .
فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأته ، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر ، فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله ! قالت : فمن يترك هذه ؟ قال : لا أحد .
فنزل فأمر بفرسه ، فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ يقال له حسان ، فركب وخرجوا معه بمطاردهم .
فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته ، وقتلوا أخاه وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب ، فاستلبه خالد ، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه .
من نعيم الجنة :
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال :
رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل المسلمون يلمسونه ، بأيديهم ويتعجبون منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعجبون من هذا ؟ فوالذي نفسي بيده ، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا .
قال ابن إسحاق : ثم إن خالداً قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته ، فقال رجل من طيئ : يقال له بجير بن بجرة ، يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد البقر ، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته ، لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تبارك سائق البقرات إني * رأيت الله يهدي كل هادى
فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فإنا قد أمرنا بالجهاد
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة .
وادي المشقق وماؤه
وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، ما يروي الراكب والركبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه ، قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين ، فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف عليه فلم ير فيه شيئا .
فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ، فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : ألم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ! ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق .
فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن بقيتم أو من بقي منكم ، لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه .
ذو البجادين ودفنه وتسميته :
قال : وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي ، أن عبدالله بن مسعود كان يحدث ، قال :
قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال : فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، قال : فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه ، وهو يقول : أدنيا إلى أخاكما ، فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال
اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه . قال : يقول عبدالله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة .
قال ابن هشام :وإنما سمي ذا البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام ، فيمنعه قومه من ذلك ، ويضيقون عليه ، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره ، والبجاد : الكساء الغليظ الجافي .
فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد ، واشتمل بالآخر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : ذو البجادين لذلك ، والبجاد أيضا : المسح .
قال ابن هشام :قال امرؤ القيس :
كأن أبانا في عرانين ودقة * كبير أناس في بجاد مزمل
حديث أبي رهم في تبوك
قال ابن إسحاق : وذكر ابن شهاب الزهري ، عن ابن أكيمة الليثي ، عن ابن أخي أبي رهم الغفاري ، أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ، يقول :
غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فسرت ذات ليلة معه ونحن بالأخضر قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى الله علينا النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفزعني دنوها منه ، مخافة أن أصيب رجله في الغرز ، فطفقت أحوز راحلتي عنه ، حتى غلبتني عيني في بعض الطريق ونحن في بعض الليل فزاحمت راحلتي راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجله في الغرز ، فما استيقظت إلا بقوله : حس ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي .
فقال : سر ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني عمن تخلف من بني غفار ، فأخبره به ، فقال وهو يسألني : ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط . فحدثته بتخلفهم . قال : فما فعل النفر السود الجعاد القصار ؟ قال : قلت : والله ما أعرف هؤلاء منا . قال : بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ ، فتذكرتهم في بني غفار ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا ، فقلت : يا رسول الله أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل علي بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله ، إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم .
أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك :
قال ابن إسحاق :
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا ، فتصلي لنا فيه ؛ فقال إني على جناح سفر ، وحال شغل ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم ، فصلينا لكم فيه .
فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي ، أو أخاه عاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فأهدماه وحرقاه ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل إلى أهله ، فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وتفرقوا عنه ، ونزل فيهم من القرآن ما نزل :( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين ) إلى آخر القصة .
وكان الذين بنوه أثنى عشر رجلا : خزام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة ابن حاطب من بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف وجارية بن عامر ، وابناه مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ، ونبتل بن الحارث من بني ضبيعة ، وبحزج ، من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان ، من بني ضبيعة ووديعة بن ثابت ، وهو من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن عبدالمنذر .
مساجد الرسول صلى الله عليه وسلم :
وكانت مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة : مسجد بتبوك ، ومسجد بثينة مدران ، ومسجد بذات الزراب ، ومسجد بالأخضر ، ومسجد بذات الخطمي ، ومسجد بألاء ، ومسجد بطرف البتراء ،من ذنب كواكب ، ومسجد بالشق ، شق تارا ، ومسجد بذي الجيفة ، ومسجد بصدر حوضى ، ومسجد بالحجر ، ومسجد بالصعيد ، ومسجد بالوادي ، اليوم ، وادي القرى ، ومسجد بالرقعة من الشقة ، شقة بني عذرة ، ومسجد بذي المروة ومسجد بالفيفاء ، ومسجد بذي خشب.
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك
نهي الرسول عن كلام الثلاثة المتخلفين
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين ، وتخلف أولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق ، كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية .
فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة ، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعذرهم الله ولا رسوله ، واعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة .
حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه
قال ابن إسحاق : فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك : أن أباه عبدالله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره ، قال : سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وحديث صاحبيه قال :
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط ، غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر ، وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها .
قال : كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، ووالله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً واستقبل غزوة عدو كثير ، فجلى للناس أمرهم ، ليتأهبوا لذلك أهبته ، وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ، والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني بذلك الديوان ، يقول : لا يجمعهم ديوان مكتوب .
قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفي له ذلك ما لم ، ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ، حين طابت الثمار ، وأحبت الظلال ، فالناس إليها صعر ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتجهز المسلمون معه ، وجعلت أغدو لأتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض حاجة ، فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ، والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً ، فقلت :
أتجهز بعده بيوم أو يومين ، ثم ألحق بهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفرط الغزو ، فهممت أن أرتحل ، فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم أفعل وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم ، فيحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ،
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك :
ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، حبسه برداه والنظر في عطفيه .
فقال له معاذ بن جبل : بئس ما قلت ! والله يا رسول الله ، ما علمنا منه إلا خيراً فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرن بثي فجعلت أتذكر الكذب ، وأقول :
بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ، وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق ، فأجمعت أن أصدقه .
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وإيمانهم ، ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
حتى جئت فسلمت عليه ؛ فتبسم ، تبسم المغضب ، ثم قال لي : تعاله ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ، ألم تكن ابتعت ظهرك ، قال : قلت : إني يا رسول الله ، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلاً ، لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذباً لترضين عني ، وليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديثاً صدقاً تجد علي فيه ، إني لأرجو عقباي من الله فيه ، ولا والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدقت فيه ، فقم حتى يقضي الله فيك .
فقمت ، وثار معي رجال من بني سلمة ، فاتبعوني ، فقالوا لي :والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ، فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم :
هل لقي هذا أحد غيري ؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل مقالتك ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ، قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، من بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أبي أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين ، فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ، من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي والأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني
حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين ، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة . وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام
فقلت : يا أبا قتادة : أنشدك بالله ، هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ، ثم غدوت إلى السوق فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة ، يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فجعل الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ، وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه :
( أما بعد : فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ، ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ).
قال : قلت حين قرأتها ، وهذا من البلاء أيضا ، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ، قال : فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها .
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا رسول رسول الله يأتيني ، فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، قال : قلت : أطلقها أم ماذا ؟ قال : لا ، بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض
قال : وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع ، لا خادم له ، أفتكره أن أخدمه ؟ قال :
لا ، ولكن لا يقربنك ؛ قالت : والله يا رسول الله ، ما به من حركة إلي ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ، ولقد تخوفت على بصره .
قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله لامرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، قال : فقلت : والله لا أستأذنه فيها ، ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي في ذلك إذا استأذنته فيها ، وأنا رجل شاب .
قال : فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة ، من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ، ثم صليت الصبح ، صبح خمسين ليلة وعلى ظهر بيت من بيوتنا ، على الحال التي ذكر الله منا ، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وضاقت علي نفسي ، وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع ، فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى على ظهر سلع ، يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر ، قال : فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء الفرج .
توبة الله على المخلفين :
قال : وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب نحو صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلى فرساً وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس .
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ، بشارة والله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة ، يقولون :
ليهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله ، فحياني وهنأني ، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره . قال : فكان كعب بن مالك لا ينساها لطلحة .
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لي ووجهه يبرق من السرور : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ، قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟
قال : بل من عند الله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر ، قال : وكنا نعرف ذلك منه .
قال : فلما جلست بين يديه ، قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي إلى الله عز وجل أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك ، قال قلت إني ممسك سهمي الذي بخيبر .
وقلت يا رسول الله ، إن الله قد نجاني بالصدق ، وإن من توبتي إلى الله ، أن لا أحدث إلا صدقاً ما حييت ، والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أفضل مما أبلاني الله ، والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ،وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي .
ما نزل في ساعة العسرة والمخلفين
وأنزل الله تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) إلى قوله : ( وكونوا مع الصادقين ) .
ما نزل في المعذرين
قال كعب : فوالله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد : قال ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
قال : وكان خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين حلفوا له ليعذرهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، حتى قضى الله فيه ما قضى فبذلك قال الله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )
وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة ، ولكن لتخليفه إيانا ، وإرجائه أمرنا عمن حلف له ، واعتذر إليه فقبل منه .
أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع
قدوم عروة بن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم مسلما
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم ، اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يتحدث قومه : إنهم قاتلوك ، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم ، فقال عروة : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم .
قال ابن هشام :ويقال من أبصارهم .
دعوة قومه إلى الإسلام وقتلهم إياه :
قال ابن إسحاق : وكان فيهم كذلك محبباً مطاعاً ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه ، لمنزلته فيهم ، فلما أشرف لهم على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام ، وأظهر لهم دينه ، رموه بالنبل من كل وجه ، فأصابه سهم فقتله ، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم ، يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم ، من بني عتاب بن مالك ، يقال له ، وهب بن جابر فقيل لعروة : ما ترى في دمك قال :
كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : إن مثله في قومه لكمثل صاحب ياسين في قومه .
إرسال ثقيف وفدا إليه صلى الله عليه وسلم
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا .
حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس :
أن عمرو بن أمية ، أخا بني علاج ، كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو ، الذي بينهما شيء ، وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب ، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره .
ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك : أخرج إلي ، قال : فقال عبد ياليل للرسول : ويلك أعمرو أرسلك إلي ؟ قال : نعم ، وها هو ذا واقفا في دارك ، فقال إن هذا الشيء ما كنت أظنه ، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ، فخرج إليه فلما رآه رحب به ، فقال له عمرو : إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة ، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، قد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة ، فانظروا في أمركم .
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها ، وقال بعضهم لبعض : أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع ، فأتمروا بينهم ، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ، كما أرسلوا عروة ، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن عروة بن مسعود ، وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة .
فقال : لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف ، وثلاثة من بني مالك ، فيكونوا ستة ، فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل ابن غيلان بن سلمة بن معتب ، ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان ، أخا بني يسار ، وأوس بن عوف أخا بني سالم بن عوف ، ونمير بن خرشة بن ربيعة أخا بني الحارث .
فخرج بهم عبد ياليل ، وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود ، لكي يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه .
طلبهم من الرسول أمورا فرفضها :
فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين ، وضبر يشتد ، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام ، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً ، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً في قومهم وبلادهم وأموالهم .
فقال أبو بكر للمغيرة : أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل المغيرة ، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بقدومهم عليه ، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم ، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية .
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده وكانوا لا يطعمون طعاماً ، يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد ، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم .
وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي اللات ، لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبي عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام ، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة فيهدماها .
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما كسر أوثانكم بأيديكم ، فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه ، فقالوا : يا محمد ، فسنؤتيكها وإن كانت دناءة .
تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم ، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن .
صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بلال إياهم
قال ابن إسحاق : وحدثني عيسى بن عبدالله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال :
كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان بفطرنا ، وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتينا بالسحور ، وإنا لنقول : إن لنرى الفجر قد طلع ، فيقول : قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ، لتأخير السحور : يأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول : ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد : فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يضع يده في الجفنة ، فيلتقم منها .
قال ابن هشام :بفطورنا وسحورنا .
عهده صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال :
كان من أخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال : يا عثمان تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير والصغير ، والضعيف ، وذا الحاجة .
هدم اللات
قال ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم ، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية . فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه ، وقال : ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ، فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول وقام قومه دونه بنو معتب خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن :
لتبكين دفاع * أسلمها الرضاع
لم يحسنوا المصاع
قال ابن هشام :لتبكين عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس : واها لك ! آها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ، وما لها من الذهب والجزع .
من أول من أسلم من ثقيف
وكان أبو مليح بن عروة وقارب ابن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف ، حين قتل عروة ، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبداً ، فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : وخالكما أبا سفيان بن حرب ؛ فقالا :وخالنا أبا سفيان ابن حرب .
سؤال أبي المليح وقارب بن الأسود قضاء دينهما من مال اللات
فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة ديناً كان عليه من مال الطاغية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال له ، قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه وعروة والأسود أخوان لأب وأم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الأسود مات مشركا . فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي ، وإنما أنا الذي أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية ؛ فلما جمع المغيرة مالها قال لأبي سفيان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما ، فقضى عنهما .
كتابه عليه السلام لثقيف
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم :
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد النبي رسول الله ، إلى المؤمنين : إن عضاه وج وصيده ، لا يعضد من وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد ، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله .
وكتب خالد بن سعد بأمر الرسول محمد بن عبدالله ، فلايتعده أحد ، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهي الرسول عن كلام الثلاثة المتخلفين
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين ، وتخلف أولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق ، كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية .
فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة ، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعذرهم الله ولا رسوله ، واعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة .
حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه
قال ابن إسحاق : فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك : أن أباه عبدالله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره ، قال : سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وحديث صاحبيه قال :
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط ، غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر ، وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها .
قال : كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، ووالله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً واستقبل غزوة عدو كثير ، فجلى للناس أمرهم ، ليتأهبوا لذلك أهبته ، وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ، والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني بذلك الديوان ، يقول : لا يجمعهم ديوان مكتوب .
قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفي له ذلك ما لم ، ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ، حين طابت الثمار ، وأحبت الظلال ، فالناس إليها صعر ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتجهز المسلمون معه ، وجعلت أغدو لأتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض حاجة ، فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ، والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً ، فقلت :
أتجهز بعده بيوم أو يومين ، ثم ألحق بهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفرط الغزو ، فهممت أن أرتحل ، فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم أفعل وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم ، فيحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ،
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك :
ما فعل كعب بن مالك ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، حبسه برداه والنظر في عطفيه .
فقال له معاذ بن جبل : بئس ما قلت ! والله يا رسول الله ، ما علمنا منه إلا خيراً فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرن بثي فجعلت أتذكر الكذب ، وأقول :
بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ، وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق ، فأجمعت أن أصدقه .
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وإيمانهم ، ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
حتى جئت فسلمت عليه ؛ فتبسم ، تبسم المغضب ، ثم قال لي : تعاله ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ، ألم تكن ابتعت ظهرك ، قال : قلت : إني يا رسول الله ، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلاً ، لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذباً لترضين عني ، وليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديثاً صدقاً تجد علي فيه ، إني لأرجو عقباي من الله فيه ، ولا والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدقت فيه ، فقم حتى يقضي الله فيك .
فقمت ، وثار معي رجال من بني سلمة ، فاتبعوني ، فقالوا لي :والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ، فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم :
هل لقي هذا أحد غيري ؟ قالوا : نعم ، رجلان قالا مثل مقالتك ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ، قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، من بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أبي أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين ، فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ، من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي والأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني
حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين ، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة . وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام
فقلت : يا أبا قتادة : أنشدك بالله ، هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فسكت ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ، ثم غدوت إلى السوق فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة ، يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فجعل الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ، وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه :
( أما بعد : فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ، ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ).
قال : قلت حين قرأتها ، وهذا من البلاء أيضا ، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ، قال : فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها .
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا رسول رسول الله يأتيني ، فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، قال : قلت : أطلقها أم ماذا ؟ قال : لا ، بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض
قال : وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع ، لا خادم له ، أفتكره أن أخدمه ؟ قال :
لا ، ولكن لا يقربنك ؛ قالت : والله يا رسول الله ، ما به من حركة إلي ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ، ولقد تخوفت على بصره .
قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله لامرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، قال : فقلت : والله لا أستأذنه فيها ، ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي في ذلك إذا استأذنته فيها ، وأنا رجل شاب .
قال : فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة ، من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ، ثم صليت الصبح ، صبح خمسين ليلة وعلى ظهر بيت من بيوتنا ، على الحال التي ذكر الله منا ، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وضاقت علي نفسي ، وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع ، فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى على ظهر سلع ، يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك ، أبشر ، قال : فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء الفرج .
توبة الله على المخلفين :
قال : وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا ، وذهب نحو صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلى فرساً وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس .
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ، بشارة والله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة ، يقولون :
ليهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله ، فحياني وهنأني ، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره . قال : فكان كعب بن مالك لا ينساها لطلحة .
قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لي ووجهه يبرق من السرور : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ، قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ؟
قال : بل من عند الله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر ، قال : وكنا نعرف ذلك منه .
قال : فلما جلست بين يديه ، قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي إلى الله عز وجل أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك ، قال قلت إني ممسك سهمي الذي بخيبر .
وقلت يا رسول الله ، إن الله قد نجاني بالصدق ، وإن من توبتي إلى الله ، أن لا أحدث إلا صدقاً ما حييت ، والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أفضل مما أبلاني الله ، والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ،وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي .
ما نزل في ساعة العسرة والمخلفين
وأنزل الله تعالى : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ) إلى قوله : ( وكونوا مع الصادقين ) .
ما نزل في المعذرين
قال كعب : فوالله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد : قال ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
قال : وكان خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين حلفوا له ليعذرهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، حتى قضى الله فيه ما قضى فبذلك قال الله تعالى : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )
وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة ، ولكن لتخليفه إيانا ، وإرجائه أمرنا عمن حلف له ، واعتذر إليه فقبل منه .
أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع
قدوم عروة بن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم مسلما
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم ، اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يتحدث قومه : إنهم قاتلوك ، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم ، فقال عروة : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم .
قال ابن هشام :ويقال من أبصارهم .
دعوة قومه إلى الإسلام وقتلهم إياه :
قال ابن إسحاق : وكان فيهم كذلك محبباً مطاعاً ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه ، لمنزلته فيهم ، فلما أشرف لهم على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام ، وأظهر لهم دينه ، رموه بالنبل من كل وجه ، فأصابه سهم فقتله ، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم ، يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم ، من بني عتاب بن مالك ، يقال له ، وهب بن جابر فقيل لعروة : ما ترى في دمك قال :
كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : إن مثله في قومه لكمثل صاحب ياسين في قومه .
إرسال ثقيف وفدا إليه صلى الله عليه وسلم
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا .
حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس :
أن عمرو بن أمية ، أخا بني علاج ، كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو ، الذي بينهما شيء ، وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب ، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره .
ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك : أخرج إلي ، قال : فقال عبد ياليل للرسول : ويلك أعمرو أرسلك إلي ؟ قال : نعم ، وها هو ذا واقفا في دارك ، فقال إن هذا الشيء ما كنت أظنه ، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ، فخرج إليه فلما رآه رحب به ، فقال له عمرو : إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة ، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، قد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة ، فانظروا في أمركم .
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها ، وقال بعضهم لبعض : أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع ، فأتمروا بينهم ، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ، كما أرسلوا عروة ، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن عروة بن مسعود ، وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة .
فقال : لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف ، وثلاثة من بني مالك ، فيكونوا ستة ، فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل ابن غيلان بن سلمة بن معتب ، ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان ، أخا بني يسار ، وأوس بن عوف أخا بني سالم بن عوف ، ونمير بن خرشة بن ربيعة أخا بني الحارث .
فخرج بهم عبد ياليل ، وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود ، لكي يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه .
طلبهم من الرسول أمورا فرفضها :
فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين ، وضبر يشتد ، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام ، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً ، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً في قومهم وبلادهم وأموالهم .
فقال أبو بكر للمغيرة : أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل المغيرة ، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بقدومهم عليه ، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم ، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية .
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده وكانوا لا يطعمون طعاماً ، يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد ، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم .
وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي اللات ، لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبي عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام ، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة فيهدماها .
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما كسر أوثانكم بأيديكم ، فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه ، فقالوا : يا محمد ، فسنؤتيكها وإن كانت دناءة .
تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم ، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن .
صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بلال إياهم
قال ابن إسحاق : وحدثني عيسى بن عبدالله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال :
كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان بفطرنا ، وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتينا بالسحور ، وإنا لنقول : إن لنرى الفجر قد طلع ، فيقول : قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ، لتأخير السحور : يأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول : ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد : فيقول : ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يضع يده في الجفنة ، فيلتقم منها .
قال ابن هشام :بفطورنا وسحورنا .
عهده صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف
قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال :
كان من أخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال : يا عثمان تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير والصغير ، والضعيف ، وذا الحاجة .
هدم اللات
قال ابن إسحاق : فلما فرغوا من أمرهم ، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية . فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه ، وقال : ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ، فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول وقام قومه دونه بنو معتب خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن :
لتبكين دفاع * أسلمها الرضاع
لم يحسنوا المصاع
قال ابن هشام :لتبكين عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس : واها لك ! آها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ، وما لها من الذهب والجزع .
من أول من أسلم من ثقيف
وكان أبو مليح بن عروة وقارب ابن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف ، حين قتل عروة ، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبداً ، فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : وخالكما أبا سفيان بن حرب ؛ فقالا :وخالنا أبا سفيان ابن حرب .
سؤال أبي المليح وقارب بن الأسود قضاء دينهما من مال اللات
فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة ديناً كان عليه من مال الطاغية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال له ، قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه وعروة والأسود أخوان لأب وأم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الأسود مات مشركا . فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي ، وإنما أنا الذي أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية ؛ فلما جمع المغيرة مالها قال لأبي سفيان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما ، فقضى عنهما .
كتابه عليه السلام لثقيف
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم :
بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد النبي رسول الله ، إلى المؤمنين : إن عضاه وج وصيده ، لا يعضد من وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد ، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله .
وكتب خالد بن سعد بأمر الرسول محمد بن عبدالله ، فلايتعده أحد ، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
حج أبي بكر بالناس سنة تسع واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بتأدية أول براءة عنه
تأمير أبي بكر على الحج
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ، ثم بعث أبا بكر أميراً على الحج من سنة تسع ، ليقيم للمسلمين حجهم ، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم . فخرج أبو بكر رضى الله عنه ومن معه من المسلمين .
نزول سورة براءة في نقض ما بين المسلمين والمشركين ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد ، الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم : أن لا يصد عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام .
وكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك ، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص ، إلى آجال مسماة فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك ، وفي قول من قال منهم فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون ، منهم من سمى لنا ومنهم من لم يسم لنا فقال عز وجل:
( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) أي : لأهل العهد العام من أهل الشرك ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) أي : بعد هذه الحجة ( فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ) أي :
العهد الخاص إلى الأجل المسمى ( ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم ) يعني الأربعة التي ضرب لهم أجلا (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تأبوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين ) أي : من هؤلاء الذين أمرتك بقتلهم ( استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) .
ثم قال : ( كيف يكون للمشركين ) الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام ، أن لا يخيفوكم ولا يخيفوهم في الحرمة ، ولا في الشهر الحرام ( عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ، وهي الديل من بني بكر بن وائل الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم .
فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ) .
ثم قال تعالى : ( كيف وإن يظهروا عليكم ) أي : المشركين الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام ( لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) .
قال ابن هشام :الإل : الحلف . قال أوس بن حجر ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم
لولا بنو مالك والإل مرقبة * ومالك فيهم الآلاء والشرف
وهذا البيت في قصيدة له ، وجمعه آلال قال الشاعر :
فلا إل من الآلال بيني * وبينكم فلا تألن جهدا
والذمة : العهد ، قال الأجدع بن مالك الهمداني ، وهو أبو مسروق الأجدع الفقيه .
وكان علينا ذمة أن تجاوزوا * من الأرض معروفا إلينا ومنكرا
وهذا البيت في ثلاثة أبيات له . وجمعها ذمم .
( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون . لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ) أي : قد اعتدوا عليكم ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون ) .
اختصاص علي بتأدية براءة :
قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه ، أنه قال :
لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي . ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته .
فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أأمير أم مأمور ؟ فقال بل : مأمور ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج ، التي كانوا عليها في الجاهلية .
حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ؛ وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته . فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان .
ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام وأهل المدة إلى الأجل المسمى .
الأمر بجهاد المشركين :
قال ابن إسحاق : ثم أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك ممن نقض من أهل العهد الخاص ، ومن كان من أهل العهد العام ، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدو فيها عاد منهم ، فيقتل بعدائه ، فقال :
( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله ) أي : بعد ذلك ( على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) .
قال ابن هشام :وليجة : دخيل ، وجمعها ولائج وهو من ولج يلج ، أي : دخل يدخل وفي كتاب الله عز وجل : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) أي ، يدخل يقول لم يتخذوا دخيلا من دونه يسرون إليه غير ما يظهرون ، نحو ما يصنع المنافقون يظهرون الإيمان للذين آمنوا ( وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ) قال الشاعر
وأعلم بأنك قد جعلت وليجة * ساقوا إليك الحتف غير مشوب
القرآن يرد على قريش ادعاءهم عمارة البيت
قال ابن إسحاق : ثم ذكر قول قريش : إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاج ، وعمارة هذا البيت ، فلا أحد أفضل منا ؛ فقال : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) أي : أن عمارتكم ليست على ذلك ، وإنما يعمر مساجد الله ، أي : من يعمرها بحقها ( من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله ) أي : فأولئك عمارها ( فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) وعسى من الله : حق .
قال تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) .
ثم القصة عن عدوهم ، وما أنزل الله تعالى من نصره بعد تخاذلهم ، ثم قال تعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة ) وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق ، فلتهلكن التجارة ، وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فقال الله عز وجل : ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) أي : من وجه غير ذلك ( إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أي : ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم بأمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية .
ما نزل في أهل الكتابين :
ثم ذكر أهل الكتابين بما فيهم من الشر والفرية عليه ، حتى انتهي إلى قوله تعالى : ( إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .
ما نزل في النسيء :
ثم ذكر النسيء وما كانت العرب أحدثت فيه . والنسيء : ما كان يحل مما حرم الله تعالى من الشهور ، ويحرم مما أحل الله منها ، فقال : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : لا تجعلوا حرامها حلالاً ، ولا حلالها حراماً ، أي كما فعل أهل الشرك (إنما النسيء ) الذي كانوا يصنعون ( زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) .
ما نزل في تبوك :
ثم ذكر تبوك وما كان فيها من تثاقل المسلمين عنها ، وما أعظموا من غزو الروم حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ، ونفاق من نافق من المنافقين ، حين دعوا إلى ما دعوا إليه من الجهاد ، ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في الإسلام ، فقال تعالى :
( يا أيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) ، ثم القصة إلى قوله تعالى : ( يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ) إلى قوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ) .
ما نزل في أهل النفاق :
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر أهل النفاق : ( لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) أي : إنهم يستطيعون ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) إلى قوله ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) .
قال ابن هشام :أوضعوا خلالكم : ساروا بين أضعافكم ، فالأيضاع : ضرب من السير أسرع من المشي ، قال الأجدع بن مالك الهمداني :
يصطادك الوحد المدل بشأوه * بشريج بين الشد والأيضاع
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وكان الذين استأذنوه من ذوي الشرف ، فيما بلغني ، منهم عبدالله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافاً في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم . فقال تعالى : ( وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل ) أي : من قبل أن يستأذنوك ، ( وقلبوا لك الأمور ) أي : ليخذلوا عنك أصحابك ، ويردوا عليك أمرك ( حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ) وكان الذي قال ذلك ، فيما سمي لنا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الروم . ثم كانت القصة إلى قوله تعالى : ( لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) أي : إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم .
ما نزل في أصحاب الصدقات :
ثم بين الصدقات لمن هي ، وسمي أهلها فقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) .
ما نزل فيمن آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم :
ثم ذكر غشهم وأذاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) . وكان الذي يقول تلك المقالة ، فيما بلغني ، نبتل بن الحارث ، أخو بني عمرو بن عوف ، وفيه نزلت هذه الآية ، وذلك أنه كان يقول : إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه ، يقول الله تعالى : ( قل أذن خير لكم ) أي : يسمع الخير ويصدق به .
ثم قال تعالى : ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) ثم قال : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ) إلى قوله تعالى : ( إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ) وكان الذي قال هذه المقالة وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف ، وكان الذي عفي عنه ، فيما بلغني ، مخشن بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .
ثم القصة من صفتهم حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) إلى قوله ( من ولي ولا نصير ) وكان الذي قال تلك المقالة الجلاس بن سويد بن صامت ، فرفعها عليه رجل كان في حجره ، يقال له : عمير بن سعد فأنكرها وحلف بالله ما قالها ، فلما نزل فيهم القرآن تاب ونزع وحسنت حاله وتوبته ، فيما بلغني .
ثم قال تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما من بني عمرو بن عوف .
ثم قال : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) وكان المطوعون من المؤمنين في الصدقات عبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة ، وحض عليها ، فقام عبدالرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف درهم ، وقام عاصم بن عدي فتصدق بمائة وسق من تمر ، فلمزوهما ، وقالوا : ما هذا إلا رياء ، وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل ، أخو بني أنيف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغها في الصدقة فتضاحكوا به ، وقالوا : إن الله لغني عن صاع أبي عقيل .
ثم ذكر قول بعضهم لبعض ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأمر بالسير إلى تبوك ، على شدة الحر ، وجدب البلاد ، فقال تعالى : ( وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) إلى قوله : ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ) .
ما نزل بسبب الصلاة على ابن أبي
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال :
سمعت عمر بن الخطاب ، يقول : لما توفي عبدالله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحولت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلى على عدو الله عبدالله بن أبي بن سلول ؟ القائل كذا يوم كذا ، والقائل كذا يوم كذا ؟ أعدد أيامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت قال : يا عمر ، أخر عني إني قد خيرت فاخترت ، قد قيل لي : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) فلو أعلم إني إن زدت على السبعين غفر له لزدت .
قال : ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه ، قال : فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم . فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، حتى قبضة الله تعالى .
ما نزل في المستأذنين والمعذرين والبكائين :
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : ( وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ) وكان ابن أبي من أولئك ، فنعى الله ذلك عليه وذكره منه ، ثم قال تعالى :
( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ) إلى أخر القصة .
وكان المعذرون - فيما بلغني - نفرا من بني غفار منهم خفاف بن أيماء بن رحضة ثم كانت القصة لأهل العذر ، حتى انتهى إلى قوله : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ) وهم البكاءون .
ثم قال تعالى : ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) الخوالف : النساء .
ثم ذكر حلفهم للمسلمين واعتذراهم فقال : ( فأعرضوا عنهم ) إلى قوله تعالى : ( فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
ما نزل في منافقي الأعراب :
ثم ذكر الأعراب ومن نافق منهم وتربصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ، فقال : ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق ) أي : من صدقة أو نفقة في سبيل الله ( مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم .)
ما نزل في المخلصين من الأعراب :
ثم ذكر الأعراب أهل الإخلاص والإيمان منهم ، فقال : ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم )
ما نزل في السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان
ثم ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وفضلهم ، وما وعدهم الله من حسن ثوابه إياهم ، ثم ألحق بهم التابعين لهم بإحسان ، فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ثم قال تعالى : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) أي : لجوا فيه وأبوا غيره ( سنعذبهم مرتين ) والعذاب الذي أوعده الله تعالى مرتين ، فيما بلغني ، غمهم بما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذين يردون إليه ، عذاب النار والخلد فيه . ثم قال تعالى : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) .
ثم قال تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتت من الله توبتهم ثم قال تعالى : ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً ) إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) ثم كان قصة الخبر عن تبوك ، وما كان فيها إلى أخر السورة .
وكانت براءة تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة ، لما كشفت من سرائر الناس . وكانت تبوك أخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حسان يعدد مغازيه صلى الله عليه وسلم شعرا :
وقال حسان بن ثابت يعدد مغازي الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكر مواطنهم معه في أيام غزوه .
قال ابن هشام :وتروى لابنه عبدالرحمن بن حسان .
ألست خير معد كلها نفرا * ومعشرا إن هم عموا وإن حصلوا
قوم هم شهدوا بدرا بأجمعهم * مع الرسول فما ألوا وما خذلوا
وبايعوه فلم ينكث به أحد * منهم ولم يك في إيمانهم دخل
ويوم صبحهم في الشعب من أحد * ضرب رصين كحر النار مشتعل
ويوم ذي قرد يوم استثار بهم * على الجياد فما خاموا وما نكلوا
وذا العشيرة جاسوها بخيلهم * مع الرسول عليها البيض والأسل
ويوم ودان أجلوا أهله رقصا * بالخيل حتى نهانا الحزن والجبل
وليلة طلبوا فيها عدوهم * لله والله يجزيهم بما عملوا
وغزوة يوم نجد ثم كان لهم * مع الرسول بها الأسلاب والنفل
وليلة بحنين جالدوا معه * فيها يلعهم بالحرب إذ نهلوا
وغزوة القاع فرقنا العدو به * كما تفرق دون المشرب الرسل
ويوم بويع كانوا أهل بيعته * على الجلاد فآسوه وما عدلوا
وغزوة الفتح كانوا في سريته * مرابطين فما طاشوا وما عجلوا
ويوم خيبر كانوا في كتيبته * يمشون كلهم مستبسل بطل
بالبيض ترعش في الأيمان عارية * تعوج في الضرب أحيانا وتعتدل
ويوم سار رسول الله محتسبا * إلى تبوك وهم راياته الأول
وساسة الحرب إن حرب بدت لهم * حتى بدا لهم الإقبال والقفل
أولئك القوم أنصار النبي وهم * قومي أصير إليهم حين أتصل
ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم * وقتلهم في سبيل الله إذ قتلوا
قال ابن هشام :عجز أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :
كنا ملوك الناس قبل محمد * فلما أتى الإسلام كان لنا الفضل
وأكرمنا الله الذي ليس غيره * إله بأيام مضت ما لها شكل
بنصر الإله والرسول ودينه * وألبسناه اسما مضى ما له مثل
أولئك قومي خير قوم بأسرهم * فما عد من خير فقومي له أهل
يربون بالمعروف معروف من مضى * وليس عليهم دون معروفهم قفل
إذا اختبطوا لم يفحشوا في نديهم * وليس على سؤالهم عندهم بخل
وإن حاربوا أو سالموا لم يشبهوا * فحربهم حتف وسلمهم سهل
وجارهم موف بعلياء بيته * له ما ثوى فينا الكرامة والبذل
وحاملهم موف بكل حمالة * تحمل لا غرم عليها ولا خذل
وقائلهم بالحق إن قال قائل * وحلمهم عود وحكمهم عدل
ومنا أمير المسلمين حياته * ومن غسلته من جنابته الرسل
قال ابن هشام :وقوله ( وألبسناه اسماً ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :
قومي أولئك إن تسألي * كرام إذا الضيف يوما ألم
عظام القدور لأيسارهم * يكبون فيها المسن السنم
يؤاسون جارهم في الغنى * ويحمون مولاهم إن ظلم
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون عضبا بأمر غشم
ملوكا على الناس لم يملكوا * من الدهر يوما كحل القسم
فأنبوا بعاد وأشياعها * ثمود وبعض بقايا إرم
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
نواضح قد علمتها اليهو * د عل إليك وقولا هلم
وفما اشتهوا من عصير القطاف * والعيش رخوا على غيرهم
فسرنا إليهم بأثقالنا * على كل فحل هجان قطم
جنبنا بهن جياد الخيول * قد جللوها جلال الأدم
فلما أناخوا بجنبي صرار * وشدوا السروج بلي الحزم
فما راعهم غير معج الخيول * والزحف من خلفهم قددهم
فطاروا سراعا وقد أفزعوا * وجئنا إليهم كأسد الأجم
على كل سلهبة في الصيان * لا يشتكين نحول السأم
وكل كميت مطار الفؤاد * أمين الفصوص كمثل الزلم
عليها فوارس قد عودوا * قراع الكماة وضرب البهم
ملوك إذا غشموا في البلا * د لا ينكلون ولكن قدم
فأبنا بساداتهم والنساء * وأولادهم فيهم تقتسم
ورثنا مساكنهم بعدهم * وكنا ملوكا بها لم نرم
فلما أتانا الرسول الرشيد * بالحق والنور بعد الظلم
قلنا صدقت رسول المليك * هلم إلينا وفينا أقم
فنشهد أنك عبد الإله * أرسلت نورا بدين قيم
فإنا وأولادنا جنة * نقيك وفي مالنا فاحتكم
فنحن أولئك إن كذبوك * فناد نداء ولا تحتشم
وناد بما كنت أخفيته * نداء جهارا ولا تكتتم
فطار الغواة بأسيافهم * إليه يظنون أن يخترم
فقمنا إليهم بأسيافنا * نجالد عنه بغاة الأمم
بكل صقيل له ميعة * رقيق الذباب عضوض خذم
إذا ما يصادف صم العظا * م لم ينب عنها ولم ينثلم
فذلك ما ورثتنا القروم * مجدا تليدا وعزا أشم
إذا مر نسل كفى نسله * وغادر نسلا إذا ما انفصم
فما إن من الناس إلا لنا * عليه وإن خاس فضل النعم
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته :
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون غضبا بأمر غشم
وأنشدني :
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
وبيته ( وكل كميت مطار الفؤاد ) عنه .
تأمير أبي بكر على الحج
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ، ثم بعث أبا بكر أميراً على الحج من سنة تسع ، ليقيم للمسلمين حجهم ، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم . فخرج أبو بكر رضى الله عنه ومن معه من المسلمين .
نزول سورة براءة في نقض ما بين المسلمين والمشركين ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد ، الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم : أن لا يصد عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام .
وكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك ، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص ، إلى آجال مسماة فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك ، وفي قول من قال منهم فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون ، منهم من سمى لنا ومنهم من لم يسم لنا فقال عز وجل:
( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) أي : لأهل العهد العام من أهل الشرك ( فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) أي : بعد هذه الحجة ( فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ) أي :
العهد الخاص إلى الأجل المسمى ( ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم ) يعني الأربعة التي ضرب لهم أجلا (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تأبوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين ) أي : من هؤلاء الذين أمرتك بقتلهم ( استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) .
ثم قال : ( كيف يكون للمشركين ) الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام ، أن لا يخيفوكم ولا يخيفوهم في الحرمة ، ولا في الشهر الحرام ( عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ، وهي الديل من بني بكر بن وائل الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم .
فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ) .
ثم قال تعالى : ( كيف وإن يظهروا عليكم ) أي : المشركين الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام ( لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) .
قال ابن هشام :الإل : الحلف . قال أوس بن حجر ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم
لولا بنو مالك والإل مرقبة * ومالك فيهم الآلاء والشرف
وهذا البيت في قصيدة له ، وجمعه آلال قال الشاعر :
فلا إل من الآلال بيني * وبينكم فلا تألن جهدا
والذمة : العهد ، قال الأجدع بن مالك الهمداني ، وهو أبو مسروق الأجدع الفقيه .
وكان علينا ذمة أن تجاوزوا * من الأرض معروفا إلينا ومنكرا
وهذا البيت في ثلاثة أبيات له . وجمعها ذمم .
( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون . لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ) أي : قد اعتدوا عليكم ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون ) .
اختصاص علي بتأدية براءة :
قال ابن إسحاق : وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه ، أنه قال :
لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي . ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته .
فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال : أأمير أم مأمور ؟ فقال بل : مأمور ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج ، التي كانوا عليها في الجاهلية .
حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ؛ وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته . فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان .
ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام وأهل المدة إلى الأجل المسمى .
الأمر بجهاد المشركين :
قال ابن إسحاق : ثم أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك ممن نقض من أهل العهد الخاص ، ومن كان من أهل العهد العام ، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدو فيها عاد منهم ، فيقتل بعدائه ، فقال :
( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله ) أي : بعد ذلك ( على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ) .
قال ابن هشام :وليجة : دخيل ، وجمعها ولائج وهو من ولج يلج ، أي : دخل يدخل وفي كتاب الله عز وجل : ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) أي ، يدخل يقول لم يتخذوا دخيلا من دونه يسرون إليه غير ما يظهرون ، نحو ما يصنع المنافقون يظهرون الإيمان للذين آمنوا ( وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ) قال الشاعر
وأعلم بأنك قد جعلت وليجة * ساقوا إليك الحتف غير مشوب
القرآن يرد على قريش ادعاءهم عمارة البيت
قال ابن إسحاق : ثم ذكر قول قريش : إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاج ، وعمارة هذا البيت ، فلا أحد أفضل منا ؛ فقال : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) أي : أن عمارتكم ليست على ذلك ، وإنما يعمر مساجد الله ، أي : من يعمرها بحقها ( من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله ) أي : فأولئك عمارها ( فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) وعسى من الله : حق .
قال تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) .
ثم القصة عن عدوهم ، وما أنزل الله تعالى من نصره بعد تخاذلهم ، ثم قال تعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة ) وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق ، فلتهلكن التجارة ، وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فقال الله عز وجل : ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) أي : من وجه غير ذلك ( إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أي : ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم بأمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية .
ما نزل في أهل الكتابين :
ثم ذكر أهل الكتابين بما فيهم من الشر والفرية عليه ، حتى انتهي إلى قوله تعالى : ( إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) .
ما نزل في النسيء :
ثم ذكر النسيء وما كانت العرب أحدثت فيه . والنسيء : ما كان يحل مما حرم الله تعالى من الشهور ، ويحرم مما أحل الله منها ، فقال : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي : لا تجعلوا حرامها حلالاً ، ولا حلالها حراماً ، أي كما فعل أهل الشرك (إنما النسيء ) الذي كانوا يصنعون ( زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ) .
ما نزل في تبوك :
ثم ذكر تبوك وما كان فيها من تثاقل المسلمين عنها ، وما أعظموا من غزو الروم حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ، ونفاق من نافق من المنافقين ، حين دعوا إلى ما دعوا إليه من الجهاد ، ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في الإسلام ، فقال تعالى :
( يا أيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) ، ثم القصة إلى قوله تعالى : ( يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ) إلى قوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ) .
ما نزل في أهل النفاق :
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر أهل النفاق : ( لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) أي : إنهم يستطيعون ( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) إلى قوله ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) .
قال ابن هشام :أوضعوا خلالكم : ساروا بين أضعافكم ، فالأيضاع : ضرب من السير أسرع من المشي ، قال الأجدع بن مالك الهمداني :
يصطادك الوحد المدل بشأوه * بشريج بين الشد والأيضاع
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وكان الذين استأذنوه من ذوي الشرف ، فيما بلغني ، منهم عبدالله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافاً في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم . فقال تعالى : ( وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل ) أي : من قبل أن يستأذنوك ، ( وقلبوا لك الأمور ) أي : ليخذلوا عنك أصحابك ، ويردوا عليك أمرك ( حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ) وكان الذي قال ذلك ، فيما سمي لنا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الروم . ثم كانت القصة إلى قوله تعالى : ( لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) أي : إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم .
ما نزل في أصحاب الصدقات :
ثم بين الصدقات لمن هي ، وسمي أهلها فقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) .
ما نزل فيمن آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم :
ثم ذكر غشهم وأذاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) . وكان الذي يقول تلك المقالة ، فيما بلغني ، نبتل بن الحارث ، أخو بني عمرو بن عوف ، وفيه نزلت هذه الآية ، وذلك أنه كان يقول : إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه ، يقول الله تعالى : ( قل أذن خير لكم ) أي : يسمع الخير ويصدق به .
ثم قال تعالى : ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) ثم قال : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ) إلى قوله تعالى : ( إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ) وكان الذي قال هذه المقالة وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف ، وكان الذي عفي عنه ، فيما بلغني ، مخشن بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .
ثم القصة من صفتهم حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) إلى قوله ( من ولي ولا نصير ) وكان الذي قال تلك المقالة الجلاس بن سويد بن صامت ، فرفعها عليه رجل كان في حجره ، يقال له : عمير بن سعد فأنكرها وحلف بالله ما قالها ، فلما نزل فيهم القرآن تاب ونزع وحسنت حاله وتوبته ، فيما بلغني .
ثم قال تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما من بني عمرو بن عوف .
ثم قال : ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ) وكان المطوعون من المؤمنين في الصدقات عبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة ، وحض عليها ، فقام عبدالرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف درهم ، وقام عاصم بن عدي فتصدق بمائة وسق من تمر ، فلمزوهما ، وقالوا : ما هذا إلا رياء ، وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل ، أخو بني أنيف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغها في الصدقة فتضاحكوا به ، وقالوا : إن الله لغني عن صاع أبي عقيل .
ثم ذكر قول بعضهم لبعض ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأمر بالسير إلى تبوك ، على شدة الحر ، وجدب البلاد ، فقال تعالى : ( وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ) إلى قوله : ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ) .
ما نزل بسبب الصلاة على ابن أبي
قال ابن إسحاق : وحدثني الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال :
سمعت عمر بن الخطاب ، يقول : لما توفي عبدالله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحولت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أتصلى على عدو الله عبدالله بن أبي بن سلول ؟ القائل كذا يوم كذا ، والقائل كذا يوم كذا ؟ أعدد أيامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت قال : يا عمر ، أخر عني إني قد خيرت فاخترت ، قد قيل لي : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) فلو أعلم إني إن زدت على السبعين غفر له لزدت .
قال : ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه ، قال : فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم . فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، حتى قبضة الله تعالى .
ما نزل في المستأذنين والمعذرين والبكائين :
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : ( وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ) وكان ابن أبي من أولئك ، فنعى الله ذلك عليه وذكره منه ، ثم قال تعالى :
( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ) إلى أخر القصة .
وكان المعذرون - فيما بلغني - نفرا من بني غفار منهم خفاف بن أيماء بن رحضة ثم كانت القصة لأهل العذر ، حتى انتهى إلى قوله : ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ) وهم البكاءون .
ثم قال تعالى : ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) الخوالف : النساء .
ثم ذكر حلفهم للمسلمين واعتذراهم فقال : ( فأعرضوا عنهم ) إلى قوله تعالى : ( فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) .
ما نزل في منافقي الأعراب :
ثم ذكر الأعراب ومن نافق منهم وتربصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ، فقال : ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق ) أي : من صدقة أو نفقة في سبيل الله ( مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم .)
ما نزل في المخلصين من الأعراب :
ثم ذكر الأعراب أهل الإخلاص والإيمان منهم ، فقال : ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم )
ما نزل في السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان
ثم ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وفضلهم ، وما وعدهم الله من حسن ثوابه إياهم ، ثم ألحق بهم التابعين لهم بإحسان ، فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ثم قال تعالى : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) أي : لجوا فيه وأبوا غيره ( سنعذبهم مرتين ) والعذاب الذي أوعده الله تعالى مرتين ، فيما بلغني ، غمهم بما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذين يردون إليه ، عذاب النار والخلد فيه . ثم قال تعالى : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) .
ثم قال تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتت من الله توبتهم ثم قال تعالى : ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً ) إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) ثم كان قصة الخبر عن تبوك ، وما كان فيها إلى أخر السورة .
وكانت براءة تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة ، لما كشفت من سرائر الناس . وكانت تبوك أخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حسان يعدد مغازيه صلى الله عليه وسلم شعرا :
وقال حسان بن ثابت يعدد مغازي الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكر مواطنهم معه في أيام غزوه .
قال ابن هشام :وتروى لابنه عبدالرحمن بن حسان .
ألست خير معد كلها نفرا * ومعشرا إن هم عموا وإن حصلوا
قوم هم شهدوا بدرا بأجمعهم * مع الرسول فما ألوا وما خذلوا
وبايعوه فلم ينكث به أحد * منهم ولم يك في إيمانهم دخل
ويوم صبحهم في الشعب من أحد * ضرب رصين كحر النار مشتعل
ويوم ذي قرد يوم استثار بهم * على الجياد فما خاموا وما نكلوا
وذا العشيرة جاسوها بخيلهم * مع الرسول عليها البيض والأسل
ويوم ودان أجلوا أهله رقصا * بالخيل حتى نهانا الحزن والجبل
وليلة طلبوا فيها عدوهم * لله والله يجزيهم بما عملوا
وغزوة يوم نجد ثم كان لهم * مع الرسول بها الأسلاب والنفل
وليلة بحنين جالدوا معه * فيها يلعهم بالحرب إذ نهلوا
وغزوة القاع فرقنا العدو به * كما تفرق دون المشرب الرسل
ويوم بويع كانوا أهل بيعته * على الجلاد فآسوه وما عدلوا
وغزوة الفتح كانوا في سريته * مرابطين فما طاشوا وما عجلوا
ويوم خيبر كانوا في كتيبته * يمشون كلهم مستبسل بطل
بالبيض ترعش في الأيمان عارية * تعوج في الضرب أحيانا وتعتدل
ويوم سار رسول الله محتسبا * إلى تبوك وهم راياته الأول
وساسة الحرب إن حرب بدت لهم * حتى بدا لهم الإقبال والقفل
أولئك القوم أنصار النبي وهم * قومي أصير إليهم حين أتصل
ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم * وقتلهم في سبيل الله إذ قتلوا
قال ابن هشام :عجز أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :
كنا ملوك الناس قبل محمد * فلما أتى الإسلام كان لنا الفضل
وأكرمنا الله الذي ليس غيره * إله بأيام مضت ما لها شكل
بنصر الإله والرسول ودينه * وألبسناه اسما مضى ما له مثل
أولئك قومي خير قوم بأسرهم * فما عد من خير فقومي له أهل
يربون بالمعروف معروف من مضى * وليس عليهم دون معروفهم قفل
إذا اختبطوا لم يفحشوا في نديهم * وليس على سؤالهم عندهم بخل
وإن حاربوا أو سالموا لم يشبهوا * فحربهم حتف وسلمهم سهل
وجارهم موف بعلياء بيته * له ما ثوى فينا الكرامة والبذل
وحاملهم موف بكل حمالة * تحمل لا غرم عليها ولا خذل
وقائلهم بالحق إن قال قائل * وحلمهم عود وحكمهم عدل
ومنا أمير المسلمين حياته * ومن غسلته من جنابته الرسل
قال ابن هشام :وقوله ( وألبسناه اسماً ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال حسان بن ثابت أيضا :
قومي أولئك إن تسألي * كرام إذا الضيف يوما ألم
عظام القدور لأيسارهم * يكبون فيها المسن السنم
يؤاسون جارهم في الغنى * ويحمون مولاهم إن ظلم
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون عضبا بأمر غشم
ملوكا على الناس لم يملكوا * من الدهر يوما كحل القسم
فأنبوا بعاد وأشياعها * ثمود وبعض بقايا إرم
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
نواضح قد علمتها اليهو * د عل إليك وقولا هلم
وفما اشتهوا من عصير القطاف * والعيش رخوا على غيرهم
فسرنا إليهم بأثقالنا * على كل فحل هجان قطم
جنبنا بهن جياد الخيول * قد جللوها جلال الأدم
فلما أناخوا بجنبي صرار * وشدوا السروج بلي الحزم
فما راعهم غير معج الخيول * والزحف من خلفهم قددهم
فطاروا سراعا وقد أفزعوا * وجئنا إليهم كأسد الأجم
على كل سلهبة في الصيان * لا يشتكين نحول السأم
وكل كميت مطار الفؤاد * أمين الفصوص كمثل الزلم
عليها فوارس قد عودوا * قراع الكماة وضرب البهم
ملوك إذا غشموا في البلا * د لا ينكلون ولكن قدم
فأبنا بساداتهم والنساء * وأولادهم فيهم تقتسم
ورثنا مساكنهم بعدهم * وكنا ملوكا بها لم نرم
فلما أتانا الرسول الرشيد * بالحق والنور بعد الظلم
قلنا صدقت رسول المليك * هلم إلينا وفينا أقم
فنشهد أنك عبد الإله * أرسلت نورا بدين قيم
فإنا وأولادنا جنة * نقيك وفي مالنا فاحتكم
فنحن أولئك إن كذبوك * فناد نداء ولا تحتشم
وناد بما كنت أخفيته * نداء جهارا ولا تكتتم
فطار الغواة بأسيافهم * إليه يظنون أن يخترم
فقمنا إليهم بأسيافنا * نجالد عنه بغاة الأمم
بكل صقيل له ميعة * رقيق الذباب عضوض خذم
إذا ما يصادف صم العظا * م لم ينب عنها ولم ينثلم
فذلك ما ورثتنا القروم * مجدا تليدا وعزا أشم
إذا مر نسل كفى نسله * وغادر نسلا إذا ما انفصم
فما إن من الناس إلا لنا * عليه وإن خاس فضل النعم
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته :
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون غضبا بأمر غشم
وأنشدني :
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
وبيته ( وكل كميت مطار الفؤاد ) عنه .
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح
انقياد العرب وإسلامهم
قال ابن إسحاق : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف ، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه .
قال ابن هشام :حدثني أبو عبيدة : أن ذلك في سنة تسع ، وأنها كانت تسمى سنة الوفود .
إذا جاء نصر الله والفتح
قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديهم وأهل البيت الحرام ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك . وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه ، فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش ، ودوخها الإسلام وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) أي : فاحمد الله علي ما أظهر من دينك واستغفره إنه كان توابا .
قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات :
رجال الوفد
فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف بني تميم ، منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ، أحد بني سعد ، وعمرو بن الأهتم والحبحاب بن يزيد .
الحتات وما أخذه معاوية من ميراثه :
قال ابن هشام :الحتات وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ، بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني ، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي ، فمات الحتات عند معاوية في خلافته ، فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه الأخوة ، فقال الفرزدق لمعاوية :
أبوك وعمي يا معاوية أورثا * تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أكلته * وميراث حرب جامد لك ذائبه
وهذان البيتان في أبيات له :
قال ابن إسحاق :
وفي وفد بني تميم نعيم بن يزيد ،وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم ، أخو بني سعد ، في وفد عظيم من بني تميم .
قال ابن هشام :وعطارد بن حاجب ، أحد بني دارم بن مالك بن حنظلة ابن زيد مناة بن تميم ، والأقرع بن حابس ، أحد بني دارم بن مالك ، والحتات بن يزيد ، أحد بني دارم بن مالك ، والزبرقان بن بدر ، أحد بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعمرو بن الأهتم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وقيس بن عاصم أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث .
قال ابن إسحاق : ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنيناً والطائف .
أصحاب الحجرات وطلبهم المفاخرة :
فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم ، فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته : أن اخرج إلينا يا محمد ، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم ، فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ؛ قال : قد أذنت لخطيبكم فليقل :
كلمة عطارد يفتخر قومه
فقام عطارد بن حاجب فقال :
الحمد لله الذي له علينا الفضل المن ،وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً ، ووهب لنا أموالاً عظاما ، نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثره عدداً ، وأيسره عدة ، فمن مثلنا في الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، ولو نشاء لأكثرنا الكلام ،ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك .
أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا . ثم جلس .
ثابت بن قيس يرد على عطارد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ، أخي بني الحارث بن الخزرج : قم فأجب الرجل في خطبته ، فقام ثابت ، فقال :
الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثاً ، وأفضله حسباً ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوو رحمه ، أكرم الناس حسباً وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا .
ثم كان أول الخلق إجابة ، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً ، وكان قتله علينا يسيراً . أقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم .
شعر الزبرقان يفتخر بقومه
فقام الزبرقان بن بدر فقال :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع
بما ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم تصطنع
فننحر الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا
فلا ترانا إلى حي نفاخرهم * إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه * فيرجع القوم والأخبار تستمع
إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال ابن هشام :
ويروى :
منا الملوك وفينا تقسم الربع
ويروى :
من كل أرض هوانا ثم نتبع
رواه لي بعض بن تميم ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان .
حسان يرد على الزبرقان
قال ابن إسحاق : وكان حسان غائباً فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حسان : جاءني رسوله ، فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول :
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا * على أنف راض من معد وراغم
منعناه لما حل بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
ببيت حريد عزه وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام شاعر القوم ، فقال ما قال : عرضت في قوله ، وقلت على نحو ما قال : قال : فلما فرغ الزبرقان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : قم يا حسان ، فأجب الرجل فيما قال . فقام حسان ، فقال :
إن الذوائب من فهر وأخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بهم كل من كانت سريرته * تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحليه في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره * فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد .
يرضى بها كل من كانت سريرته * تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
شعر أخر للزبرقان بن بدر
وقال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم ، أن الزبرقان بن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد تميم ، قام فقال :
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا * إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
بأنا فروع الناس في كل موطن * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا * ونضرب رأس الأصيد المتفاقم
وأن لنا المرباع في كل غارة * نغير بنجد أو بأرض الأعاجم
شعر أخر لحسان في الرد على الزبرقان
فقام حسان بن ثابت ، فأجابه فقال :
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النبي محمدا * على أنف راض من معد وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لما حل وسط ديارنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا * وطبنا له نفسا بفيء المغانم
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا * على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول ما بين ظئر وخادم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
إسلام الوفد :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس :وأبى إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أحلى من أصواتنا ، فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم .
شعر ابن الأهتم في هجاء قيس
وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم ، وكان أصغرهم سناً ، فقال قيس بن عاصم ، وكان يبغض عمرو بن الأهتم : يا رسول الله ، إنه قد كان رجل منا في رحالنا ، وهو غلام حدث ، وأزرى به ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم ، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك ، يهجوه :
ظللت مفترش الهلباء تشتمني * عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
سدناكم سوددا رهوا وسوددكم * باد نواجذه مقع على الذنب
قال ابن هشام : بقي بيت واحد تركناه ، لأنه أقذع فيه .
ما نزل من القرآن في وفد بني تميم
قال ابن إسحاق : وفيهم نزل من القرآن : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) .
انقياد العرب وإسلامهم
قال ابن إسحاق : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وفرغ من تبوك وأسلمت ثقيف ، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه .
قال ابن هشام :حدثني أبو عبيدة : أن ذلك في سنة تسع ، وأنها كانت تسمى سنة الوفود .
إذا جاء نصر الله والفتح
قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديهم وأهل البيت الحرام ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك . وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه ، فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش ، ودوخها الإسلام وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ) أي : فاحمد الله علي ما أظهر من دينك واستغفره إنه كان توابا .
قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات :
رجال الوفد
فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف بني تميم ، منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ، أحد بني سعد ، وعمرو بن الأهتم والحبحاب بن يزيد .
الحتات وما أخذه معاوية من ميراثه :
قال ابن هشام :الحتات وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ، بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني ، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي ، فمات الحتات عند معاوية في خلافته ، فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه الأخوة ، فقال الفرزدق لمعاوية :
أبوك وعمي يا معاوية أورثا * تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أكلته * وميراث حرب جامد لك ذائبه
وهذان البيتان في أبيات له :
قال ابن إسحاق :
وفي وفد بني تميم نعيم بن يزيد ،وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم ، أخو بني سعد ، في وفد عظيم من بني تميم .
قال ابن هشام :وعطارد بن حاجب ، أحد بني دارم بن مالك بن حنظلة ابن زيد مناة بن تميم ، والأقرع بن حابس ، أحد بني دارم بن مالك ، والحتات بن يزيد ، أحد بني دارم بن مالك ، والزبرقان بن بدر ، أحد بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعمرو بن الأهتم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وقيس بن عاصم أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث .
قال ابن إسحاق : ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنيناً والطائف .
أصحاب الحجرات وطلبهم المفاخرة :
فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم ، فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته : أن اخرج إلينا يا محمد ، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم ، فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ؛ قال : قد أذنت لخطيبكم فليقل :
كلمة عطارد يفتخر قومه
فقام عطارد بن حاجب فقال :
الحمد لله الذي له علينا الفضل المن ،وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً ، ووهب لنا أموالاً عظاما ، نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثره عدداً ، وأيسره عدة ، فمن مثلنا في الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، ولو نشاء لأكثرنا الكلام ،ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك .
أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا . ثم جلس .
ثابت بن قيس يرد على عطارد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ، أخي بني الحارث بن الخزرج : قم فأجب الرجل في خطبته ، فقام ثابت ، فقال :
الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثاً ، وأفضله حسباً ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوو رحمه ، أكرم الناس حسباً وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا .
ثم كان أول الخلق إجابة ، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً ، وكان قتله علينا يسيراً . أقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم .
شعر الزبرقان يفتخر بقومه
فقام الزبرقان بن بدر فقال :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع
بما ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم تصطنع
فننحر الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا
فلا ترانا إلى حي نفاخرهم * إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه * فيرجع القوم والأخبار تستمع
إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال ابن هشام :
ويروى :
منا الملوك وفينا تقسم الربع
ويروى :
من كل أرض هوانا ثم نتبع
رواه لي بعض بن تميم ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان .
حسان يرد على الزبرقان
قال ابن إسحاق : وكان حسان غائباً فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حسان : جاءني رسوله ، فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول :
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا * على أنف راض من معد وراغم
منعناه لما حل بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
ببيت حريد عزه وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام شاعر القوم ، فقال ما قال : عرضت في قوله ، وقلت على نحو ما قال : قال : فلما فرغ الزبرقان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : قم يا حسان ، فأجب الرجل فيما قال . فقام حسان ، فقال :
إن الذوائب من فهر وأخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بهم كل من كانت سريرته * تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحليه في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره * فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
قال ابن هشام :أنشدني أبو زيد .
يرضى بها كل من كانت سريرته * تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
شعر أخر للزبرقان بن بدر
وقال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم ، أن الزبرقان بن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد تميم ، قام فقال :
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا * إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
بأنا فروع الناس في كل موطن * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا * ونضرب رأس الأصيد المتفاقم
وأن لنا المرباع في كل غارة * نغير بنجد أو بأرض الأعاجم
شعر أخر لحسان في الرد على الزبرقان
فقام حسان بن ثابت ، فأجابه فقال :
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النبي محمدا * على أنف راض من معد وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لما حل وسط ديارنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا * وطبنا له نفسا بفيء المغانم
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا * على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول ما بين ظئر وخادم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
إسلام الوفد :
قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس :وأبى إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أحلى من أصواتنا ، فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم .
شعر ابن الأهتم في هجاء قيس
وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم ، وكان أصغرهم سناً ، فقال قيس بن عاصم ، وكان يبغض عمرو بن الأهتم : يا رسول الله ، إنه قد كان رجل منا في رحالنا ، وهو غلام حدث ، وأزرى به ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم ، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك ، يهجوه :
ظللت مفترش الهلباء تشتمني * عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
سدناكم سوددا رهوا وسوددكم * باد نواجذه مقع على الذنب
قال ابن هشام : بقي بيت واحد تركناه ، لأنه أقذع فيه .
ما نزل من القرآن في وفد بني تميم
قال ابن إسحاق : وفيهم نزل من القرآن : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) .
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
قصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في الوفادة عن بني عامر
رؤساء الوفد :
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر ، فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم .
عامر يدبر الغدر بالرسول :
فقدم عامر بن الطفيل عدو الله ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يريد الغدر به ، وقد قال له قومه : يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم ، قال : والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل ، فإني سأشغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف .
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني ، قال : لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده ، قال : يا محمد ، خالني ، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يخير شيئاً ، قال : فلما رأى عامر ما يصنع أربد ، قال : يا محمد خالني ، قال : لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له .
فلما أبي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً .
فلما ولي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اكفني عامر بن الطفيل .
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد : ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً ، قال : لا أبا لك ! لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل ، حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ؟ .
موت عامر بدعاء الرسول عليه :
وخرجوا راجعين إلى بلادهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول ! .
قال ابن هشام :ويقال أغدة كغدة الإبل ، وموتا في بيت سلولية ! .
موت أربد بصاعقة
قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حين واروه ، حين قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم ، فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟
قال : لا شيء والله ، لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن ، فأرميه بالنبل حتى أقتله ، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه ، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه .
ما نزل في عامر وأربد
قال ابن هشام : وذكر زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال : وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ) إلى قوله : ( وما لهم من دونه من وال ) .
قال : المعقبات هي من أمر الله يحفظون محمداً ، ثم ذكر أربد وما قتله الله به فقال : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) إلى قوله : ( شديد المحال ) .
شعر لبيد في بكاء أربد :
قال ابن إسحاق : فقال لبيد يبكي أربد :
ما إن تعدى المنون من أحد * لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد
فعين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام النساء في كبد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم * أو يقصدوا في الحكوم يقتصد
حلو أريب وفي حلاوته * مر لطيف الأحشاء والكبد
وعين هلا بكيت أربد إذ * ألوت رياح الشتاء بالعضد
وأصبحت لاقحا مصرمة * حتى تجلت غوابر المدد
أشجع من ليث غابة لحم * ذو نهمة في العلا ومنتقد
لا تبلغ العين كل نهمتها * ليلة تمسي الجياد كالقدد
الباعث النوح في مآتمه * مثل الظباء الأبكار بالجرد
فجعني البرق والصواعق بالفارس * يوم الكريهة النجد
والحارب الجابر الحريب إذا * جاء نكيبا وإن يعد يعد
يعفو على الجهد والسؤال كما * ينبت غيث الربيع ذو الرصد
كل بني حرة مصيرهم * قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا * يوما وإن فهم للهلاك والنفد
قال ابن هشام :بيته ( والحارب الجابر الحريب ) عن أبي عبيدة ، وبيته ( يعفو على الجهد ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
ألا ذهب المحافظ والمحامي * ومانع ضيمها يوم الخصام
وأيقنت التفرق يوم قالوا * تقسم مال أربد بالسهام
تطير عدائد الأشراك شفعا * ووترا والزعامة للغلام
فودع بالسلام أبا حريز * وقل وداع أربد بالسلام
وكنت إمامنا ولنا نظاما * وكان الجزع يحفظ بالنظام
وأربد فارس الهيجا إذ ما * تقعرت المشاجر بالفئام
إذا بكر النساء مردفات * حواسر لا يجئن على الخدام
فواءل يوم ذلك من أتاه * كما وأل المحل إلى الحرام
ويحمد قدر أربد من عراها * إذا ما ذم أرباب اللحام
وجارته إذا حلت لديه * لها نفل وحظ من سنام
فإن تقعد فمكرمة حصان * وإن تظعن فمحسنة الكلام
وهل حدثت عن أخوين داما * على الأيام إلا ابني شمام
وإلا الفرقدين وآل نعش * خوالد ما تحدث بانهدام
قال ابن هشام :وهي في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
انع الكريم للكريم أربدا * انع الرئيس واللطيف كبدا
يحذي ويعطي ماله ليحمدا * أدما يشبهن صوارا أبداً
السابل الفضل إذا ما عددا * ويملأ الجفنة ملئا مددا
رفها إذا يأتي ضريك وردا * مثل الذي في الغيل يقرو جمدا
يزداد قربا منهم أن يوعدا * أورثتنا تراث غير أنكدا
غبا ومالا طارفا وولدا * شرخا صقورا يافعا وأمردا
وقال لبيد أيضا :
لن تفنيا خيرات أربد * فابكيا حتى يعودا
قولا هو البطل المحامي * حين يكسون الحديدا
ويصد عنا الظالمين * إذا لقينا القوم صيدا
فاعتاقه رب البرية * إذ رأى أن لا خلودا
فثوى ولم يوجع ولم * يوصب وكان هو الفقيد
وقال لبيد أيضا:
يذكرني بأربد كل خصم * ألد تخال خطته ضرارا
إذا اقتصدوا فمقتصد كريم * وإن جاروا سواء الحق جارا
ويهدي القوم مطلعا إذا ما * دليل القوم بالموماة حارا
قال ابن هشام :أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق :
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا :
أصبحت أمشي بعد سلمي بن مالك * وبعد أبي قيس وعروة كالأجب
إذا ما رأى ظل الغراب أضجه * حذارا على باقي السناسن والعصب
قال ابن هشام :وهذان البيتان في أبيات له .
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر
قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة
إسلامه :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبدالله بن عباس ، عن ابن عباس قال :
بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عقله ، ثم دخل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه .
وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فقال : أيكم ابن عبدالمطلب قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبدالمطلب .
قال : أمحمد ؟ قال : نعم . قال : ياابن عبدالمطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك ، قال : لا أجد في نفسي ، فسل عما بداً لك .
قال : أنشدك الله ، إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تصلى هذه الصلوات الخمس ؟ قال : اللهم نعم .
قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة : الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ ، قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص ، ثم انصرف إلى بعيره راجعاً .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة .
دعوة قومه للإسلام
قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ، ثم خرج حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى ! قالوا : مه ، يا ضمام اتق البرص ، اتق الجنون ، قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، قال : فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً .
قال : يقول عبدالله بن عباس : فما سمعنا بوافد قدم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة .
قدوم الجارود في وفد عبدالقيس
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن خنش أخو عبدالقيس .
قال ابن هشام :الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبدالقيس وكان نصرانياً
إسلامه
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن الحسن قال :
لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه ، فقال :
يا محمد إني قد كنت على دين ، وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه .
قال : فأسلم وأسلم أصحابه ، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال : والله ما عندي ما أحملكم عليه ، قال : يا رسول الله ، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس ، أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : لا ، إياك وإياها . فإنما تلك حرق النار .
موقفه من ردة قومه
فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه ، وكان حسن الإسلام ، صلباً على دينه حتى هلك وقد أدرك الردة ، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر ، قام الجارود فتكلم ، فتشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال : أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأكفر من لم يشهد .
قال ابن هشام :ويروى : وأكفي من لم يشهد .
إسلام المنذر بن ساوى
قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم فحسن إسلامه ، ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين ، والعلاء عنده أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين .
قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب .
قال ابن هشام :مسيلمة بن ثمامة ، ويكنى أبا ثمامة .
ما طلبه مسيلمة الكذاب من الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : فكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار ، فحدثني بعض علمائنا من المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل ، في رأسه خوصات ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يسترونه بالثياب ، كلمه وسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا .
زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا ، وفي ركابنا يحفظها لنا ، قال : فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم ؛ وقال :
أما إنه ليس بشركم مكاناً أي : لحفظه ضيعة أصحابه ، وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تنبؤ مسيلمة
قال : ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءوه بما أعطاه ، فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال : إني قد أشركت في الأمر معه . وقال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكاناً ، ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ، ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ، ويقول لهم : فيما يقول مضاهاة للقرآن : ( لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى ) وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك ، فالله اعلم أي ذلك كان
رؤساء الوفد :
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر ، فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم .
عامر يدبر الغدر بالرسول :
فقدم عامر بن الطفيل عدو الله ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يريد الغدر به ، وقد قال له قومه : يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم ، قال : والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل ، فإني سأشغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف .
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني ، قال : لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده ، قال : يا محمد ، خالني ، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يخير شيئاً ، قال : فلما رأى عامر ما يصنع أربد ، قال : يا محمد خالني ، قال : لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له .
فلما أبي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً .
فلما ولي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اكفني عامر بن الطفيل .
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد : ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً ، قال : لا أبا لك ! لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل ، حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ؟ .
موت عامر بدعاء الرسول عليه :
وخرجوا راجعين إلى بلادهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول ! .
قال ابن هشام :ويقال أغدة كغدة الإبل ، وموتا في بيت سلولية ! .
موت أربد بصاعقة
قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حين واروه ، حين قدموا أرض بني عامر شاتين فلما قدموا أتاهم قومهم ، فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟
قال : لا شيء والله ، لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن ، فأرميه بالنبل حتى أقتله ، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه ، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه .
ما نزل في عامر وأربد
قال ابن هشام : وذكر زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال : وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ) إلى قوله : ( وما لهم من دونه من وال ) .
قال : المعقبات هي من أمر الله يحفظون محمداً ، ثم ذكر أربد وما قتله الله به فقال : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) إلى قوله : ( شديد المحال ) .
شعر لبيد في بكاء أربد :
قال ابن إسحاق : فقال لبيد يبكي أربد :
ما إن تعدى المنون من أحد * لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد
فعين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام النساء في كبد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم * أو يقصدوا في الحكوم يقتصد
حلو أريب وفي حلاوته * مر لطيف الأحشاء والكبد
وعين هلا بكيت أربد إذ * ألوت رياح الشتاء بالعضد
وأصبحت لاقحا مصرمة * حتى تجلت غوابر المدد
أشجع من ليث غابة لحم * ذو نهمة في العلا ومنتقد
لا تبلغ العين كل نهمتها * ليلة تمسي الجياد كالقدد
الباعث النوح في مآتمه * مثل الظباء الأبكار بالجرد
فجعني البرق والصواعق بالفارس * يوم الكريهة النجد
والحارب الجابر الحريب إذا * جاء نكيبا وإن يعد يعد
يعفو على الجهد والسؤال كما * ينبت غيث الربيع ذو الرصد
كل بني حرة مصيرهم * قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا * يوما وإن فهم للهلاك والنفد
قال ابن هشام :بيته ( والحارب الجابر الحريب ) عن أبي عبيدة ، وبيته ( يعفو على الجهد ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
ألا ذهب المحافظ والمحامي * ومانع ضيمها يوم الخصام
وأيقنت التفرق يوم قالوا * تقسم مال أربد بالسهام
تطير عدائد الأشراك شفعا * ووترا والزعامة للغلام
فودع بالسلام أبا حريز * وقل وداع أربد بالسلام
وكنت إمامنا ولنا نظاما * وكان الجزع يحفظ بالنظام
وأربد فارس الهيجا إذ ما * تقعرت المشاجر بالفئام
إذا بكر النساء مردفات * حواسر لا يجئن على الخدام
فواءل يوم ذلك من أتاه * كما وأل المحل إلى الحرام
ويحمد قدر أربد من عراها * إذا ما ذم أرباب اللحام
وجارته إذا حلت لديه * لها نفل وحظ من سنام
فإن تقعد فمكرمة حصان * وإن تظعن فمحسنة الكلام
وهل حدثت عن أخوين داما * على الأيام إلا ابني شمام
وإلا الفرقدين وآل نعش * خوالد ما تحدث بانهدام
قال ابن هشام :وهي في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
انع الكريم للكريم أربدا * انع الرئيس واللطيف كبدا
يحذي ويعطي ماله ليحمدا * أدما يشبهن صوارا أبداً
السابل الفضل إذا ما عددا * ويملأ الجفنة ملئا مددا
رفها إذا يأتي ضريك وردا * مثل الذي في الغيل يقرو جمدا
يزداد قربا منهم أن يوعدا * أورثتنا تراث غير أنكدا
غبا ومالا طارفا وولدا * شرخا صقورا يافعا وأمردا
وقال لبيد أيضا :
لن تفنيا خيرات أربد * فابكيا حتى يعودا
قولا هو البطل المحامي * حين يكسون الحديدا
ويصد عنا الظالمين * إذا لقينا القوم صيدا
فاعتاقه رب البرية * إذ رأى أن لا خلودا
فثوى ولم يوجع ولم * يوصب وكان هو الفقيد
وقال لبيد أيضا:
يذكرني بأربد كل خصم * ألد تخال خطته ضرارا
إذا اقتصدوا فمقتصد كريم * وإن جاروا سواء الحق جارا
ويهدي القوم مطلعا إذا ما * دليل القوم بالموماة حارا
قال ابن هشام :أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق :
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا :
أصبحت أمشي بعد سلمي بن مالك * وبعد أبي قيس وعروة كالأجب
إذا ما رأى ظل الغراب أضجه * حذارا على باقي السناسن والعصب
قال ابن هشام :وهذان البيتان في أبيات له .
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر
قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة
إسلامه :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبدالله بن عباس ، عن ابن عباس قال :
بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عقله ، ثم دخل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه .
وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فقال : أيكم ابن عبدالمطلب قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبدالمطلب .
قال : أمحمد ؟ قال : نعم . قال : ياابن عبدالمطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك ، قال : لا أجد في نفسي ، فسل عما بداً لك .
قال : أنشدك الله ، إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تصلى هذه الصلوات الخمس ؟ قال : اللهم نعم .
قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة : الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ ، قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص ، ثم انصرف إلى بعيره راجعاً .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة .
دعوة قومه للإسلام
قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ، ثم خرج حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى ! قالوا : مه ، يا ضمام اتق البرص ، اتق الجنون ، قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، قال : فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً .
قال : يقول عبدالله بن عباس : فما سمعنا بوافد قدم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة .
قدوم الجارود في وفد عبدالقيس
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن خنش أخو عبدالقيس .
قال ابن هشام :الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبدالقيس وكان نصرانياً
إسلامه
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن الحسن قال :
لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه ، فقال :
يا محمد إني قد كنت على دين ، وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه .
قال : فأسلم وأسلم أصحابه ، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقال : والله ما عندي ما أحملكم عليه ، قال : يا رسول الله ، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس ، أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : لا ، إياك وإياها . فإنما تلك حرق النار .
موقفه من ردة قومه
فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه ، وكان حسن الإسلام ، صلباً على دينه حتى هلك وقد أدرك الردة ، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر ، قام الجارود فتكلم ، فتشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام فقال : أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأكفر من لم يشهد .
قال ابن هشام :ويروى : وأكفي من لم يشهد .
إسلام المنذر بن ساوى
قال ابن إسحاق : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم فحسن إسلامه ، ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين ، والعلاء عنده أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين .
قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب .
قال ابن هشام :مسيلمة بن ثمامة ، ويكنى أبا ثمامة .
ما طلبه مسيلمة الكذاب من الرسول صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : فكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار ، فحدثني بعض علمائنا من المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخل ، في رأسه خوصات ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يسترونه بالثياب ، كلمه وسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا .
زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا ، وفي ركابنا يحفظها لنا ، قال : فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم ؛ وقال :
أما إنه ليس بشركم مكاناً أي : لحفظه ضيعة أصحابه ، وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تنبؤ مسيلمة
قال : ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءوه بما أعطاه ، فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال : إني قد أشركت في الأمر معه . وقال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكاناً ، ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ، ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ، ويقول لهم : فيما يقول مضاهاة للقرآن : ( لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى ) وأحل لهم الخمر والزنا ووضع عنهم الصلاة ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك ، فالله اعلم أي ذلك كان
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
رد: السيرة النبوية لابن هشام
قدوم زيد الخيل في وفد طيئ
إسلامه
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ :
ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه . ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد الخير ، وقطع له فيدا وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك .
موت زيد الخير
فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى قومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال : قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم ، فلم يثبته ، فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات ، ولما أحس زيد بالموت قال :
أمرتحل قوم المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني * عوائد من لم يبر منهن يجهد
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه ، التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار .
قدوم عدي بن حاتم
هربه أولا إلى الشام فرارا من الإسلام
وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني : ما من رجل من العرب كان اشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت امرأ شريفاً ، وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكاً في قومي ، لما كان يصنع بي .
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربي راعيا لإبلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سماناً . فاحتبسها قريباً مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني ؛ ففعل ؛ ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه جيوش محمد ، قال : فقلت : فقرب إلي أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية ، ويقال : الحوشية .
قال ابن هشام :وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها .
أسر الرسول ابنة حاتم
وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، قال : فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد ، كانت السبايا يحبسن فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة ، فقالت : يا رسول الله ، هلك الولد ، وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك . قال : من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم . قال : الفار من الله ورسوله ؟
قالت : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي ، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس .
قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي ، وقد يئست منه ، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه ، قالت : فقمت إليه ، فقلت :
يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني .
فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه ، فقيل : علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة ، قالت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام . فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملني وأعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام .
نصيحة ابنة حاتم أخاها بالإسلام
قال عدي : فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تَؤُمُّنا ، قال : فقلت ابنة حاتم . قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت علي انسحلت تقول : القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك ، وتركت بقية والدك عورتك ! قال : قلت : أي أخيه لا تقولي إلا خيرا ، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت . قال : ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها : وكان امرأة حازمة ، ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى والله أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت . قال : قلت : والله إن هذا الرأي .
إسلام عدي بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده ، فسلمت عليه ، فقال : من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها .
قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بملك !
قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا دخل في بيته ، تناول وسادة في أدم محشوة ليفا ، فقذفها إلي ، فقال : اجلس على هذه ، قال : قلت : بل أنت فاجلس عليها ، فقال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض .
قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك .
ثم قال : إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تك ركوسيا ؟ قال : قلت : بلى ، قال : أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ قال : قلت : بلى ، قال : فإن ذلك يكن يحل لك في دينك ، قال : قلت : أجل والله .
وقال : وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل .
ثم قال : لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ،
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم ، وقلة
عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف .
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ، قال : فأسلمت
وكان عدي يقول : قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكون الثالثة ، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه .
قدوم فروة بن مسيك المرادي
قال ابن إسحاق : وقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ، ومباعداً لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يوم الردم بين همدان ومراد
وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له : يوم الردم ، فكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم .
قال ابن هشام :الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن حريم الهمداني .
شعر فروة بن مسيك في يوم الردم
قال ابن إسحاق : وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك :
مررنا على لفاة وهن خوص * ينازعن الأعنة ينتحينا
فإن نغلب فغلابون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا
فبينا ما نسر به ونرضى * ولو لبست غضارته سنينا
إذ انقلبت به كرات دهر * فألفيت الألى غبطوا طحينا
فمن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا
فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا
قال ابن هشام :أول بيت منها ، وقوله : ( فإن نغلب ) عن غير ابن إسحاق .
قدوم فروة على الرسول صلى الله عليه وسلم وماقاله من الشعر :
قال ابن إسحاق : ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة قال :
لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قربت راحلتي أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها
قال ابن هشام :أنشدني أبو عبيدة : ( أرجو فواضله وحسن ثنائها ) .
قال ابن إسحاق : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - : يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال : يا رسول الله ، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً .
واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها . وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة ، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد
إسلام عمرو :
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد ، فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز ، يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبياً كما يقول ، فإنه لن يخفي عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فأبي عليه قيس ذلك ، وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، وصدقه ، وآمن به .
ما قاله عمرو فيما أوعده به قيس بن مكشوح
فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح ، أوعد عمراً ، وتحطم عليه ، وقال : خالفني وترك رأيي ؛ فقال عمرو بن معديكرب في ذلك :
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله * والمعروف تتعده
خرجت من المنى مثل * الحمير غره وتده
تمناني على فرس * عليه جالسا أسده
علي مفاضة كالنهي * أخلص ماءه جدده
ترد الرمح منثني السنان * عوائرا قصده
فلوا لاقيتني للقيت * ليثا فوقه لبدة
تلاقي شنبثا شثن البراثن * ناشزا كتده
يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه * فيخضمه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أحرزت * أنيابه ويده
قال ابن هشام :أنشدني أبو عبيدة :
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا بينا رشده
أمرتك باتقاء الله * تأتيه وتتعده
فكنت كذي الحمير غرره * مما به وتده
ارتداد عمرو بعد موت الرسول
قال ابن إسحاق : فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بني زبيد . وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب ، وقال حين ارتد :
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بثفر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
قال ابن هشام :قوله : ( بشفر ) عن أبي عبيدة .
قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة
إسلامه ومن معه
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس ، في وفد كندة فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ، وعليهم جبب الحبرة ، وقد كففوها بالحرير ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى ، قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها ، فألقوه .
انتسابهم إلى آكل المرار
ثم قال الأشعث بن قيس : يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب ، وربيعة بن الحارث .
وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين ، وكانا إذا شاعا في بعض العرب ، فسئلا ممن هما . قالا نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك ، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً ثم قال لهم : لا بل نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفوا أمنا ، ولا ننتفي من أبينا فقال الأشعث بن قيس :
هل فرغتم يا معشر كندة ؟ والله لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين .
قال ابن هشام : الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء ، وآكل المرار : الحارث بن عمرو بن حجر بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندى ؛ ويقال : كندة ، وإنما سمي آكل المرار ، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم ، وكان الحارث غائبا ، فغنم وسبى ، وكان فيمن سبى أم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني ، امرأة الحارث بن عمرو ، فقالت لعمرو في مسيره : لكأني برجل أدلم أسود ، كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك ، تعني الحارث ، فسمى آكل المرار . والمرار : شجر .
ثم تبعه الحارث في بني بكر بن وائل ، فلحقه فقتله ، واستنقذ امرأته ، وما كان أصاب ، فقال الحارث بن حلزة اليشكري لعمرو بن المنذر ، وهو عمرو بن هند اللخمي :
وأقدناك رب غسان بالمنذر * كرها إذ لا تكال الدماء
لأن الحارث الأعرج الغساني قتل المنذر أباه ، وهذا البيت في قصيدة له .
وهذا الحديث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع .
ويقال : بل آكل المرار : حجر بن عمرو بن معاوية ، وهو صاحب هذا الحديث وإنما سمي آكل المرار ، لأنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار .
قدوم صرد بن عبدالله الأزدي مسلما
إسلامه
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلم ، وحسن إسلامه ، في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك ، من قبل اليمن .
قتاله أهل جرش
فخرج صرد بن عبدالله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل بجرش ، وهي يومئذ مدينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم ، فحاصروهم فيها قريباً من شهر وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلاً ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه ، حتى إذا أدركوه عطف عليهم ، فقتلهم قتلاً شديداً .
أخبار الرسول بما حدث
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد صلاة العصر ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأي بلاد الله شكر ؟ فقام إليه الجرشيان ، فقالا : يا رسول الله ، ببلادنا جبلاً يقال له كشر ، وكذلك يسميه أهل جرش ، فقال : إنه ليس بكشر ، ولكنه شكر ، قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ قال : إن بدن الله لتنحر عنده الآن .
قال : فجلس الرجلان إلى أبي بكر ، أو إلى عثمان ، فقال لهما : ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه ، فسألاه ذلك ، فقال : اللهم ارفع عنهم . فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبدالله ، في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر .
إسلام أهل جرش
وخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وحمى لهم حول قريتهم ، على أعلام معلومة ، للفرس والراحلة وللمثيرة ، وبقرة الحرث فمن رعاه من الناس فمالهم سحت ، فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية ، وكانوا يعدون في الشهر الحرام :
يا غزوة ما غزونا غير خائبة * فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حمرا في مصانعها * وجمع خثعم قد شاعت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله * فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا
إسلامه
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ :
ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه . ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد الخير ، وقطع له فيدا وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك .
موت زيد الخير
فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى قومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال : قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم ، فلم يثبته ، فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات ، ولما أحس زيد بالموت قال :
أمرتحل قوم المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني * عوائد من لم يبر منهن يجهد
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه ، التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار .
قدوم عدي بن حاتم
هربه أولا إلى الشام فرارا من الإسلام
وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني : ما من رجل من العرب كان اشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت امرأ شريفاً ، وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكاً في قومي ، لما كان يصنع بي .
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربي راعيا لإبلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سماناً . فاحتبسها قريباً مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني ؛ ففعل ؛ ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه جيوش محمد ، قال : فقلت : فقرب إلي أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الجوشية ، ويقال : الحوشية .
قال ابن هشام :وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها .
أسر الرسول ابنة حاتم
وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، قال : فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد ، كانت السبايا يحبسن فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة ، فقالت : يا رسول الله ، هلك الولد ، وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك . قال : من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم . قال : الفار من الله ورسوله ؟
قالت : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي ، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس .
قالت : حتى إذا كان بعد الغد مر بي ، وقد يئست منه ، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه ، قالت : فقمت إليه ، فقلت :
يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني .
فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه ، فقيل : علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة ، قالت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام . فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملني وأعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام .
نصيحة ابنة حاتم أخاها بالإسلام
قال عدي : فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تَؤُمُّنا ، قال : فقلت ابنة حاتم . قال : فإذا هي هي ، فلما وقفت علي انسحلت تقول : القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك ، وتركت بقية والدك عورتك ! قال : قلت : أي أخيه لا تقولي إلا خيرا ، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت . قال : ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها : وكان امرأة حازمة ، ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى والله أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت . قال : قلت : والله إن هذا الرأي .
إسلام عدي بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده ، فسلمت عليه ، فقال : من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها .
قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بملك !
قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا دخل في بيته ، تناول وسادة في أدم محشوة ليفا ، فقذفها إلي ، فقال : اجلس على هذه ، قال : قلت : بل أنت فاجلس عليها ، فقال : بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض .
قال : قلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك .
ثم قال : إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تك ركوسيا ؟ قال : قلت : بلى ، قال : أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ قال : قلت : بلى ، قال : فإن ذلك يكن يحل لك في دينك ، قال : قلت : أجل والله .
وقال : وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل .
ثم قال : لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ،
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم ، وقلة
عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف .
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ، قال : فأسلمت
وكان عدي يقول : قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكون الثالثة ، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه .
قدوم فروة بن مسيك المرادي
قال ابن إسحاق : وقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ، ومباعداً لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يوم الردم بين همدان ومراد
وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له : يوم الردم ، فكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم .
قال ابن هشام :الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن حريم الهمداني .
شعر فروة بن مسيك في يوم الردم
قال ابن إسحاق : وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك :
مررنا على لفاة وهن خوص * ينازعن الأعنة ينتحينا
فإن نغلب فغلابون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا
فبينا ما نسر به ونرضى * ولو لبست غضارته سنينا
إذ انقلبت به كرات دهر * فألفيت الألى غبطوا طحينا
فمن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا
فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا
قال ابن هشام :أول بيت منها ، وقوله : ( فإن نغلب ) عن غير ابن إسحاق .
قدوم فروة على الرسول صلى الله عليه وسلم وماقاله من الشعر :
قال ابن إسحاق : ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة قال :
لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قربت راحلتي أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها
قال ابن هشام :أنشدني أبو عبيدة : ( أرجو فواضله وحسن ثنائها ) .
قال ابن إسحاق : فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - : يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال : يا رسول الله ، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً .
واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها . وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة ، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد
إسلام عمرو :
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد ، فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز ، يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبياً كما يقول ، فإنه لن يخفي عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فأبي عليه قيس ذلك ، وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، وصدقه ، وآمن به .
ما قاله عمرو فيما أوعده به قيس بن مكشوح
فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح ، أوعد عمراً ، وتحطم عليه ، وقال : خالفني وترك رأيي ؛ فقال عمرو بن معديكرب في ذلك :
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله * والمعروف تتعده
خرجت من المنى مثل * الحمير غره وتده
تمناني على فرس * عليه جالسا أسده
علي مفاضة كالنهي * أخلص ماءه جدده
ترد الرمح منثني السنان * عوائرا قصده
فلوا لاقيتني للقيت * ليثا فوقه لبدة
تلاقي شنبثا شثن البراثن * ناشزا كتده
يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه * فيخضمه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أحرزت * أنيابه ويده
قال ابن هشام :أنشدني أبو عبيدة :
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا بينا رشده
أمرتك باتقاء الله * تأتيه وتتعده
فكنت كذي الحمير غرره * مما به وتده
ارتداد عمرو بعد موت الرسول
قال ابن إسحاق : فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بني زبيد . وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب ، وقال حين ارتد :
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بثفر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
قال ابن هشام :قوله : ( بشفر ) عن أبي عبيدة .
قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة
إسلامه ومن معه
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس ، في وفد كندة فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ، وعليهم جبب الحبرة ، وقد كففوها بالحرير ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم تسلموا ؟ قالوا : بلى ، قال : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها ، فألقوه .
انتسابهم إلى آكل المرار
ثم قال الأشعث بن قيس : يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب ، وربيعة بن الحارث .
وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين ، وكانا إذا شاعا في بعض العرب ، فسئلا ممن هما . قالا نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك ، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً ثم قال لهم : لا بل نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفوا أمنا ، ولا ننتفي من أبينا فقال الأشعث بن قيس :
هل فرغتم يا معشر كندة ؟ والله لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين .
قال ابن هشام : الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء ، وآكل المرار : الحارث بن عمرو بن حجر بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندى ؛ ويقال : كندة ، وإنما سمي آكل المرار ، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم ، وكان الحارث غائبا ، فغنم وسبى ، وكان فيمن سبى أم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني ، امرأة الحارث بن عمرو ، فقالت لعمرو في مسيره : لكأني برجل أدلم أسود ، كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك ، تعني الحارث ، فسمى آكل المرار . والمرار : شجر .
ثم تبعه الحارث في بني بكر بن وائل ، فلحقه فقتله ، واستنقذ امرأته ، وما كان أصاب ، فقال الحارث بن حلزة اليشكري لعمرو بن المنذر ، وهو عمرو بن هند اللخمي :
وأقدناك رب غسان بالمنذر * كرها إذ لا تكال الدماء
لأن الحارث الأعرج الغساني قتل المنذر أباه ، وهذا البيت في قصيدة له .
وهذا الحديث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع .
ويقال : بل آكل المرار : حجر بن عمرو بن معاوية ، وهو صاحب هذا الحديث وإنما سمي آكل المرار ، لأنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار .
قدوم صرد بن عبدالله الأزدي مسلما
إسلامه
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلم ، وحسن إسلامه ، في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك ، من قبل اليمن .
قتاله أهل جرش
فخرج صرد بن عبدالله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل بجرش ، وهي يومئذ مدينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم ، فحاصروهم فيها قريباً من شهر وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلاً ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه ، حتى إذا أدركوه عطف عليهم ، فقتلهم قتلاً شديداً .
أخبار الرسول بما حدث
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد صلاة العصر ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بأي بلاد الله شكر ؟ فقام إليه الجرشيان ، فقالا : يا رسول الله ، ببلادنا جبلاً يقال له كشر ، وكذلك يسميه أهل جرش ، فقال : إنه ليس بكشر ، ولكنه شكر ، قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ قال : إن بدن الله لتنحر عنده الآن .
قال : فجلس الرجلان إلى أبي بكر ، أو إلى عثمان ، فقال لهما : ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه ، فسألاه ذلك ، فقال : اللهم ارفع عنهم . فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبدالله ، في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر .
إسلام أهل جرش
وخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وحمى لهم حول قريتهم ، على أعلام معلومة ، للفرس والراحلة وللمثيرة ، وبقرة الحرث فمن رعاه من الناس فمالهم سحت ، فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية ، وكانوا يعدون في الشهر الحرام :
يا غزوة ما غزونا غير خائبة * فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حمرا في مصانعها * وجمع خثعم قد شاعت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله * فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا
ايمان علي- المشرف العام
- الابراج :
عدد المساهمات : 117
تاريخ التسجيل : 08/06/2010
العمر : 36
الموقع : مصر
صفحة 4 من اصل 5 • 1, 2, 3, 4, 5
صفحة 4 من اصل 5
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى